يوم خَوَّرَتْنا البلدية..

0

قصة قصيرة

محمد غزلي (الصورة)

كلُّ الذين كانوا معي هربوا بمجرد سماعهم وطوطة سيارة إسعاف تمر بالقرب ، كان شكلها يبعث الخوف في نفوس باعة الرصيف ، لأنها تشبه شاحنة القوات المساندة للبَنَدية . كلهم فرّوا . ولأنني لا أريد الهروب من الوطن فقد تجمَّدتُ في مكاني حتى رفَعَتني رافعتهم بأذرعها الكمّاشة وكأنني فأر لقطته مَصيدة عملاقة . ولو أنني كنت في فصل الصيف ومن هول الصدمة اختلطت علي أحوال الطقس ونسيت ماوقع لي بالضبط إلا أن شخصا يبدو من لوح سيارته أنه يعيش في بلجيكا ، كان شاهدا على المشهد ، صحح لي الخطأ اللغوي عندما سألته هل تطردكم دولة جلبيكا من الرصيف أنتم أيضا . 
صدقوني أنني لا أريد أن أتذكر يوم عقروها أبدا، كانت العربة مبنية من حديد رصاصي ، على قدر مقبول من البشاعة ، لم يكن بها أي شيء يدعو للإغراء ، كلما حملقوا من نافذة البلدية باتجاهها بصقوا في وجه الهواء . أتمنى أن يسامحني الهواء لأنني تسببتُ في تلويثه ببصاقهم . تبا ، ربما قرأوا القصة وتنبهوا لوجود هواء حولنا نستنشقه بالمجان ، سيزيدوا في تسعيرة التهوية . بلعتُ السرّ وفرملتُ بسرعة ؛ هنا يجب الخوف . ستعاقبنا آلهتهم بتسميم الهواء إلى غاية الدفع أو الموت حتى نكون عبرة للذين في بطونهم العجين .
كانت العربة قلقة من وجودها الزائد على خريطة البحر ، تمنتْ لو أدخلها الصاهر الى الفرن وصنع منها صفيحة حمار لتساعده في الرقص على القَعْدة مادام الحظ لم يساعدها لتكون قطعة منقوشة على صدر أنثى جميلة ، أو رقما في لوحة سيارة فيراري حمراء تثير اللذة . في الحقيقة ، عربتي تستحق الرمي من شهقة الجبل ، وعندما تستقر في الأسفل ستهوي إليها لقالق بمناقرها الطويلة وكلاب وجرذان وعقارب وعناكب ، وستبيض فيها ضفادع وحشرات زاحفة تلتمسُ حسن الضيافة . نعم تستحق ، لأنها تنتمي لعصر الزمر والبصل ، ولو أنصفتها وزارة الدفاع لكانت عبارة عن قنابل مسمارية مسيلة للدم . لن أتذكر هذه الخردة من الحديد ، لكنني سأتذكر وجه النّحس الذي كان يلكزهم ليقلبوا فيراريتي في شاحنة العقاب الجماعي ، وهي أول شاحنة محلية الصنع يصنعها المجلس الجماعي للمدينة .
لما أقبلوا ، بدت لي ملامحه شبيهة بنواقض الوضوء والتيمم التي يغسلها عمال النظافة من الشاطئ ، عندما رأيته نقضت الوضوء عمدا ، وسمعت آلتي تَنْكأ هجومهم بقذيفة من نوع طز 25 ملم .
كان يدوي على الهاتف وكنت أسمع دَوِيَّه ويدي على الزناد ، أحاطوا بي من كل جانب ، وفي غفلة مني لم أدر كيف حدث السيلان ، كانت دموعي تسيل في لحظة ضعف ، غلبتني عيني ، لم أستطع المسح بعدما التهبت مساحة كبيرة من جلد العين ، تهدلت بكل قسوة ، ليس بسبب مفعول التمثيل ، فأنا لست بارعا في التمثيل . حاولت منعه من جرها . قاومتُ . وبينما أنا كذلك رأيت رجلا أعرفه يقال له الزّبّالي، استطاع بثروته أن يتعامل مع أزباله بخبث ، كنت أظنه سينقذ الموقف ويلتمس إطلاق سراحي ، دار من الخلف ومد مؤخرته، وبحركة شذوذية خوره البَنَدِيّ بثلاثين مليونا ليكنسوا له الكورنيش من الباعة ويبقى هو المالك الوحيد الذي يتحكم في لجام حمارة الشاطئ، كان يلتذ بطبطبة اليد على مؤخرته ويضحك لنجاح الصفقة، وراح . كانت زوجتي تتابع القصة عبر اللايف بقلب مفجوع، عندما التقطتْ لي صورة ثابتة، أومأت لي بشيء يشبه حركة الزّبّالي أساومهم به لكي أتخلّص من فكّي الكماشة. اِعتذرتُ . لأن ثقب مؤخرتي كان صغيرا جدا، لم يحلُم يوما بتلك الملايين ولو في المنام ، بل لم تكن لديه القابلية لتُخوِّره البَنَدية ولو بمئة درهم ، فقد قام الزبّالي بالدور.

ملحوظة: القصة المأخوذة من حائط صاحبها الفيسبوكي وتحكي واقعة حجز البلدية على عربة مالكها الكاتب (محمد غزلي) الحامل لشهادة الإجازة، والتي يستعملها لبيع ساندويتشات لإعالة أسرته بمدينة الجديدة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.