المقال الذي هز عرش اتحاد كتاب المغرب وكشف عن ”الفضائح الجنسية” لبعض أعضائه

0

صورة مصغرة عن تجربتي داخل الولاية الحالية للمكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب

(من 7 شتنبر 2012 إلى 17 شتنبر 2017)

ليلى الشافعي

سأحدثكم عن علاقتي بالولاية الحالية لاتحاد كتاب المغرب، (والتي طالت أكثر من اللازم) وعن دوري فيها والمواقف التي اتخذتها رفقة قلة من أعضاء المكتب التنفيذي، إن لم أقل شخصا واحدا قبل أن ينسحب، هو الآخر، من اللعبة. هذه المواقف التي لم تجد لها آذانا صاغية داخل المكتب، كما سأحدثكم عن باقي الحيثيات التي أحاطت بعمل المكتب.

 طبيعة مشاركتي في المؤتمر الثامن عشر للاتحاد:

ذهبت إلى المؤتمر الثامن عشر لاتحاد كتاب المغرب وكلي أمل في تحسن وضع الاتحاد وخروجه من الأزمة التي كان يتخبط فيها بعد “الانقلاب” الذي جرى على الرئيس السابق عبد الحميد عقار. وكنت قد حاولت التدخل في إبَّانه مع الأستاذ عقار لرأب الصدع وتجاوز الوضع لكن محاولاتي باءت بالفشل.

لن تصدقوا ما سأقول الآن، ولا يهمني أن تصدقوا، لأنني أنا نفسي لا أصدق ذلك، لكن بصراحة، عندما حضرت المؤتمر، لم تكن لديَّ أدنى رغبة أو تطلع للصعود إلى المكتب التنفيذي. فقد ذهبت للمشاركة كمؤتمرة قاعدية لا غير وكان لمجريات الأمور أن فعلت فعلها ووجدتني مرشحة لرئاسة الاتحاد ثم عضوة في مكتبه التنفيذي. ولن تصدقوا أيضا أنني، في تجربتي الأولى في المكتب المركزي في ولاية محمد الأشعري لم أذهب إلى المؤتمر الذي انعقد في المحمدية بنية الصعود إلى المكتب، ولم أرشح نفسي إلا بدافع غيرة مبتذلة لعاشقة تحاول بيأس الحيلولة دون حبيبها وإحدى عشيقاته بعد ترشح الاثنين للمكتب؛ بل أكثر من ذلك، حتى عندما شغلت كاتبة عامة لفرع الرباط، لم أكن قد حضرت اجتماع تجديد الفرع لأرشح نفسي. وبمجرد ما أن استقر كتاب الفرع في أماكنهم في مقر الاتحاد حتى مر قمري البشير بورقة يسجل فيها من يرغب في الترشح، وعندما سألني أجبت بالنفي، لكن بمجرد أن سمعت التقرير الهزيل الذي قدمه محمود عبد الغني مبررا عدم اشتغاله بخلافه مع حسن نجمي، حتى قررت الترشح ورفع التحدي وإظهار أن المرأة الكاتبة يمكن أن تقدم تقريرا أوفر وأنضج مما قد يقدمه الكُتَّاب، وقد حصلت على المرتبة الأولى في الانتخابات ونجحت في أداء مهمتي ككاتبة عامة للفرع بامتياز، وبتنويه من الرئيس الحالي لاتحاد كتاب المغرب نفسه.

كان المؤتمر في يومه الأول بعد الانتهاء من الجلسة الافتتاحية شبيها بالمؤتمر السادس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب أو بمؤتمر الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين. كان مؤتمرا ساخنا مشتعلا، تميز بغياب رئيس الاتحاد عبد الحميد عقار وأعضاء من مكتبه التنفيذي المنسحبين، على رأسهم الكاتب عبد الفتاح الحجمري، كما تميز بتبادل التهم بين نفس الأعضاء الحاضرين منه، ثم بينهم وبين المؤتمرين. جاء الجميع إلى المؤتمر لتصفية حسابات متعددة ومتشابكة، وكان الرئيس الحالي للاتحاد يتلقى الضربات من جميع الجهات بقوة خارقة أذهلت الجميع.

كانت مشاركتي المتواضعة في المؤتمر تنطلق من حدود معرفتي بالساحة الثقافية المغربية ودور المثقف فيها ودور المنظمات التي تمثل الكتاب (اتحاد كتاب المغرب في حالتنا) كما تنطلق من تجربتي الكبيرة في منظمات المجتمع المدني داخل المغرب وخارجه، وبصفة خاصة من تجربتي كفاعلة نسائية شاركت في تأسيس الحركة النسائية المغربية. كنت من داخل الاتحاد أناضل من أجل “تأنيث” هذا الأخير، ووصول الكاتبات إلى مراكز القرار به. وقد عملت على ذلك من خلال مسألتين اثنتين: الأولى ترشحي لرئاسة الاتحاد مع علمي المسبق باستحالة صعودي رئيسة بحكم معرفتي المسبقة باللوبيات السياسية الذكورية المحيطة بي وبالاتحاد، وبحكم رهبتي أيضا من المسؤولية التي تنتظرني في حالة وقوع معجزة وإبانة الاتحاد عن بعض النضج الوجودي وتصويت أغلبية الكتاب عليّ. والثانية الدفاع عن المناصفة للكاتبات داخل الهيئات التنفيذية والتقريرية للاتحاد.

ما الذي حدا بي إلى اتخاذ هذين الموقفين؟

أول ما حدث هو أن جميع المرشحين للرئاسة كانوا ذكورا. استفزني الأمر، فرفعت أصبعي بكامل الوعي وترشحت للرئاسة. هذا كل ما في الأمر. بكل هذه البساطة. قد يلاحظ بعضكم أنني أشتغل وفق ردود أفعال وليس وفق أفعال مخطط لها سلفا، قد يكون هذا صحيحا في بعض المواقف. وقد سعدت لأنني جئت الثالثة في الترتيب عند فرز النتائج، رغم هزالة الأصوات التي حصلت عليها (12 من مجموع 204)، وقد أسررت لنفسي أن هذا مؤشر على بدء التغيير اتجاه الكاتبات من داخل الاتحاد، ذلك أنه كان هناك كاتبان ترشحا للرئاسة وحصلا على عدد أقل. ربما كان هذا في حد ذاته تقدما، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار أنني لم أعلن عن ترشيحي مسبقا ولم أقم بأية حملة في هذا الشأن، ولم أتخذ قرار الترشح سوى في آخر لحظة لأختبر ذكورية اتحاد لم ينجح، مع الأسف، في الاختبار. غير أن الشباب كان أيضا ضحية للاتحاد، ذلك أن عضوين شابين ترشحا فحصلا على آخر النتائج (عبد الناصر لقاح حصل على ثلاثة أصوات وبوسلهام الضعيف على صوتين) وهذا دليل على كون الاتحاد ما يزال عاجزا على وضع الثقة في فئة الشباب من أجل تسييره وضخ دماء جديدة فيه. الاتحاد لم ينجح إذن في رفع التحدي الخاص بالفئات الهشة داخل المجتمع ألا وهي فئتي النساء والشباب.

لقد كنت أدافع باستمرار على ضرورة وصول النساء إلى مراكز القرار داخل اتحاد كتاب المغرب كما دافعت على وصولهن لرئاسة الاتحاد منذ المؤتمر السادس عشر، عندما لم يكن هناك أي اتحاد عربي يضم امرأة كرئيسة. طالبت بأن يسجل الاتحاد سبقا في الموضوع هو الذي يتألف من كتاب مثقفين، عليه أن يكون طليعيا في تبنى قضية المرأة الكاتبة والدفاع عنها. وهكذا وجدت نفسي كمن يخبط في الماء. بعدها بقليل سبقنا كل من اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بالتصويت على الشاعرة هدى أبلان على رأس الاتحاد ثم اتحاد الكتاب التونسيين بالتصويت على الشاعرة جميلة الماجري كرئيسة، فيما ظل اتحاد كتاب المغرب سجين عقليته الذكورية. بل أكثر من ذلك، ففي المؤتمر السابع عشر، لم تصعد أية امرأة كاتبة إلى المكتب التنفيذي الذي تقلص عدده من 11 عضوا إلى تسعة. ويوجد من الظرفاء من اعتبر غياب العنصر النسوي في المكتب هو الذي عجل بالصراعات و”بالانقلاب” على رئيس الاتحاد آنذاك الأستاذ عبد الحميد عقار.

حاولت في المؤتمر الأخير استخدام كل طاقتي من أجل الدفاع عن مبدأ المناصفة للكاتبات داخل الاتحاد. كنت كمن يطلق صرخة في واد، لكن مساندة الكاتب حسن نجمي لي ولمواقفي جعلتني أحقق بعض النصر. لقد أثارني عدم تدخل أية كاتبة من أجل نصرتي، وذلك إما بسبب جبنهن أو عدم استيعابهن للموضوع، أو انتهازيتهن ورغبتهن في انتظار ما يسفر عنه نضالي من مكاسب للاستفادة منها، أو بسبب إعطاء بعضهن الأولوية للمواقف السياسية على القضية النسائية. وقد صدمت لموقف رشيدة بنمسعود التي لم تحرك ساكنا عندما بدأت أتحدث عن المناصفة؛ هي التي كانت قد اتصلت بي في السابق وحدثتني في موضوع عدم وجود أية رئيسة للاتحاد. وأذكر أنني مرة طرحت في اجتماع للمجلس الإداري لاتحاد كتاب المغرب، حضرته بصفتي كاتبة عامة لفرع الرباط، مسألة الكوطا بالنسبة للنساء، وعندما هممنا بالمغاردة التحقت بي رشيدة بنمسعود وحاولت أن تفهمني أن مسألة الكوطا لا يمكن طرحها داخل الاتحاد، ذلك أنه -عكس عدد من المنظمات الأخرى-يعمل في كل مؤتمر على فسح المجال لتواجد عدد من الكاتبات ضمن مكتبه التنفيذي. وقد أقنعتني بذلك إلى أن اكتشفت بشيء من المرارة تسبيقها القضايا السياسية على المواقف النسائية.

لقد وجدت صعوبة جمة في إقناع رئاسة المؤتمر وأعضاء الاتحاد بضرورة تطبيق المناصفة كما جاء بها الدستور المغربي، ولن أرض بغير المناصفة بديلا. فانبثق صوت في مقدمة القاعة لم يكن سوى صوت أنور المرتجي قائلا بكل تبجح: سنعطيكم نسبة 20 في المائة من المقاعد، مدعيا أن النساء قد لا يرغبن في الترشح وأنه سيخلق مشكلة إذا كان القانون الأساسي ينص على المناصفة ولم يكن هناك من النساء من يرغبن في الترشح، وغير ذلك من تلك الأسطوانة المشروخة التي يثيرها الذكور في وجه النساء لإثباط عزيمتهن. من أنتم لتفاوضوننا حول نسبة المشاركة؟ ماذا ستعطوننا؟ من أنتم سوى شرذمة من الكتاب البؤساء. حاولت ضبط النفس، وأخذت الكلمة مرة أخرى، وقلت فلينص القانون الأساسي على المناصفة إذا رغبت الكاتبات في الترشح، وإذا لم ترغبن في ذلك يعوضهن الكتاب الذكور. ظلت المزايدات على النسبة كأننا في سوق خضار يتفاوض الزبون مع البائع عن سعر السلع إلى أن استقر الثمن على نسبة 30 في المائة في مشهد غاية في البؤس.

انتهى المؤتمر الثامن عشر بنتائج إيجابية عموما (على الأقل في تصوري آنذاك). كان ما يعضد هذا التصور هو كون الاتحاد حقق بعض المنجزات لأول مرة في تاريخه، منها حصول الكاتبات على كوطا 30 بالمائة في المكاتب التقريرية والتنفيذية، وصعود أربعة منهن للمكتب التنفيذي من ضمن 11 عضوا، فضلا عن تشبيب المكتب التنفيذي وضح دماء جديدة في جسد الاتحاد، وتنوع المناطق الجغرافية التي ينتمي لها أعضاء المكتب حيث تحققت لأول مرة تمثيلية الجهات الشرقية والشمالية والوسط، رغم غياب تمثيلية الجنوب والصحراء التي اعتبرتها ملحوقة في مؤتمرات لاحقة.

أدركت مرة أخرى كم كنت غرة عندما آمنت بقدرات عبد الرحيم العلام وتحدثت عنه بشكل إيجابي في الصحافة ولدى معارفي من الكتاب والمثقفين. فقد تصورت أن حصوله على الرئاسة كان بشكل مستحق بعد صموده في تلقي الضربات، واستبشرت خيرا بالنظر إلى كل ما أسلفت من إيجابيات، وأذكر أن الاجتماعات الأولى كانت مطبوعة بكثير من الحماس الذي دفع كلا منا إلى التفكير وابتداع أشكال لتطوير العمل داخل الاتحاد ولَمِّ الصدع بين الكتاب وتقديم أفكار جديدة وأشكال ملموسة لحل العديد من المشاكل وسد عدد من الثغرات. لم أفكر أبدا أن عبد الرحيم العلام لن يغفر لي كوني ترشحت للرئاسة، وكم كنت ساذجة عندما تصورت أنه يمكن أن يتعامل مع المسألة بروح رياضية تماما كما تعامل مبارك أوباما مع هيلاري كلينتون عندما حصل الأول على الرئاسة وعين الثانية وزيرة للخارجية. لكن هناك فرق شاسع بين طز والحمد لله.

 ضمان دورية اجتماعات المكتب التنفيذي عبر استعمال التكنولوجيا الحديثة:

أول ما فكرت فيه شخصيا هو ضمان دورية اجتماعات المكتب التنفيذي بين عضوات وأعضاء تفصل بينهم مئات الكيلومترات. انطلقت من تجربة شخصية لي ضمن الأمانة العامة للتجمع العربي لنصرة القضية الكردية، حيث ينتمي كل عضو من أعضاء الأمانة إلى بلد، فهناك من هم في هولندا والعراق وكندا وألمانيا والمغرب وفلسطين، ومع ذلك فإننا ننظم لقاءات الأمانة عبر السكايب، بل ذهبنا أبعد من ذلك بتغيير الرئيس عبر السكايب. لذا اقترحت استغلال التكنولوجيا المتطورة والتعامل عبرها من أجل تنظيم الاجتماعات. وبما أن اتصالات المغرب كانت قد أوقفت التعامل عبر السكايب، فقد اقترحت الهانغاوت. استشرت العلام في استقدام شخص متخصص في الموضوع، ليقدم فكرة عن هذه التقنية، وليقوم بالمواكبة في حالة ما وجد أحد الأعضاء صعوبة في استعماله. وجاء الشخص إلى مقر اتحاد كتاب المغرب، وقام بدورة تكوينية لبعض أعضاء المكتب التنفيذي، على أساس أن يتم التعامل مع كل الأعضاء لاحقا. وبطبيعة الحال كان كل شيء بالمجان. فالشخص المذكور كان من حركة 20 فبراير ولم يبتغ جزاء ولا شكورا. كل ما كان يتوخاه هو المساهمة ولو بقسط بسيط في تقدم الاتحاد وتطوره بما يخدم الثقافة والمثقفين. كان الجميع ينصت إلى المكوِّن باهتمام بالغ، لكن عندما عدت إلى الموضوع في اللقاء التالي بدأ الجميع يتهكم مني؛ وبدأ العلام يلقبني ضاحكا بمدام هانغاوت. كنت أعوز ذلك إلى التخلف الذي يرزح تحته بعض الكتاب المغاربة في علاقتهم بالتكنولوجيا الحديثة، فإذا بي أتبين مع مرور الأيام أن عبد الرحيم العلام كان يعرف جيدا ما يفعل، ولم تكن لديه أي رغبة في اتخاذ قرار جماعي. كان يرغب في اتخاذ قرارات فردية ولم يكن ذلك ممكنا إلا باستمرار الوضع على ما هو عليه، أي في حالة لا تواصل مستمرة حتى يبرر اتخاذه لقرارات انفرادية بصعوبة اجتماع أعضاء المكتب الذين ينتمون إلى مناطق متباعدة في المغرب. وهكذا عمل العلام على إفراغ أول شيء إيجابي خرج به المؤتمر، ألا وهو تعدد تمثيلية المدن داخل المكتب التنفيذي، من مغزاه الإيجابي وتحويله إلى عائق في الاجتماعات للاستفراد بالقرار.

أول قرار انفرادي اتخذه رئيس اتحاد كتاب المغرب، كان دعوة محام عضو باتحاد كتاب المغرب لمؤازرة خالد اعليوة معتقل الحق العام بدعوى أنه أيضا عضو في اتحاد كتاب المغرب. كان اعليوة متابعا بتهمة الفساد المالي والتدبيري لمؤسسة القرض العقاري والسياحي حين كان مديرا لها؛ وسيطلق سراحه “بشكل مؤقت” لحضور جنازة والدته بعد قضاء زهاء تسعة أشهر في السجن الاحتياطي بسجن عكاشة بالبيضاء، وما زال لحد الساعة خارج السجن.

ورغم أن ثلاثة، من أعضاء المكتب التنفيذي، على الأقل، لم يقبلوا بالأمر، فإن اثنين بقيا يشتغلان داخله، فيما قرر الثالث، وهو مصطفى الغثيري أن ينسحب معلنا رفضه لموقف الاتحاد، ومقررا بعث رسالة استقالة إلى المكتب التنفيذي يوم 12 شتنبر 2013، بعد مضي بضعة أشهر على تكوين المكتب.

في بداية الضجة التي خلقها انسحاب الغثيري، كان العلام ينتهز أية فرصة ليحيل متهكما على الغثيري، فيما بقية أعضاء المكتب يجارونه في الضحك. لم أكن قد عرفت عبد الرحيم العلام جيدا، وكان يبدو لي بقفشاته التي ينثرها في كل مكان شخصا حبوبا ودودا، وأنه ربما ارتكب خطأ عندما دافع عن خالد اعليوة، لكن الله غفور رحيم، وأن الأهم من كل ذلك هو وضع برنامج ثقافي طموح، والبحث عن الموارد المالية الكفيلة بتحقيقه في إطار الشفافية الكاملة. خاصة وأن من أشرف على أمانة المال كان هذه المرة امرأة هي الشاعرة وداد بنموسى، هذا ما كنت أتصوره آنذاك، بكل سذاجة وربما بطيبوبة وقدرة على المحبة؛ قبل أن أكتشف أن الأمر غير ذلك.

بعد توزيع المهام داخل المكتب، وقبل انسحاب مصطفى الغثيري، عقدنا أول اجتماع في مقر الاتحاد، وكان العلام يشدِّد على وضع ميثاق أخلاقي بين الأعضاء، وقد استغربت للطريقة التي كان يشدد بها على المسألة. بعد ذلك تبين أن المسعى من التأكيد على الميثاق كان لجم أفواه أعضاء المكتب التنفيذي، وتنميطهم ما أمكن والدفع في اتجاه مساندتهم للرئيس مساندة غير مشروطة.

 مواقف الاتحاد من القضايا المتداولة واستفراد عبد الرحيم العلام بالقرارات:

يمكن القول تجاوزا، أنه كان داخل المكتب التنفيذي ثلاثة تيارات، واحد يسعى إلى نكران الذات والمصالح الشخصية، واتخاذ بعض المواقف الجريئة إزاء بعض القضايا سواء أكانت وطنية أم إقليمية، وتيار مهادن يسعى إلى التقرب من دواليب السلطة في أحايين كثيرة أو يلجأ إلى الصمت في أحسن الأحوال عن بعض القضايا التي لا يمكن الصمت عنها، بل يعتبر الصمت فيها تواطؤا مع الأقوى، وهو تيار يعرف من أين تؤكل الكتف، يمثله بعض الانتهازيين الصغار والكبار، ثم تيار “محايد” عن طيبة وربما سذاجة (ولو أن الحياد لا معنى له في حالتنا هذه).

سأتحدث عن المواقف الكبرى التي اختلفنا بشأنها داخل المكتب التنفيذي. أولها كان الموقف من مؤازرة المتهم بالاختلاس خالد اعليوة، ثلاثة أو أربعة أشهر بعد تكوين المكتب التنفيذي، فكانت النتيجة فقدان الكاتب مصطفى الغثيري، وبقيت أنا وعبد الدين حمروش. الثاني كان الموقف من الحملة التي شملت عضو اتحاد كتاب المغرب الكاتب والباحث والناشط الأمازيغي أحمد عصيد، عندما وضع في اللائحة السوداء للإسلاميين. وقد وقع صراع كبير داخل اجتماع المكتب التنفيذي بيني أنا شخصيا والصديق عبد الدين حمروش من جهة وبين العلام، الذي انبرى يمارس وصايته علينا بالقول إنكما لا تعرفان خبايا الموضوع جيدا، ولم تطلعا على الأجندة التي يخدمها أحمد عصيد، وما شاكل ذلك من مبررات من أجل تلافي الخروج بموقف تضامني مع كاتب وباحث من طينة عصيد.

بعد الاجتماع الذي تداولنا فيه أمر التضامن مع عصيد، خرجت من الاجتماع بمرارة في الحلق، لكن الأمل كان ما يزال يحدوني باتجاه القادم من الأيام. وحاولت التغاضي. غير أن إصرار العلام على اتخاذ نفس المواقف أصبح يثير حفيظتي. إذ أن الموقف من اعتقال الصحافي علي أنوزلا ومحاكمته بقانون الإرهاب كان قد فجَّر المسألة. وقد كنت أنا والصديق عبد الدين حمروش دائما من دافع بشدة على أن يتخذ الاتحاد موقفا من هذا الاعتقال، مذكرين بتاريخ الاتحاد وبالمواقف النبيلة التي كان دائما يتخذها إزاء قضايا حرية الرأي والتعبير. لكن عبد الرحيم العلام انبرى يدعي مرة أخرى أننا لا نعرف خبايا الموضوع، ولا الأجندة التي يخدمها علي أنوزلا. وقد قلت له بعد أن كَلَّ صبري: طيب، أخبرنا أنت أية أجندة يخدمها علي أنوزلا؟ قل إنني أسمعك! لكن رده كان غامضا ومتحايلا، كرد جميع المستبدين. وهكذا لم يخرج الاتحاد بموقف إزاء الموضوع. ومع ذلك استمررت داخله، طبعا بأمل أقل ومرارة أكبر. بدأت أنسحب تدريجيا من اجتماعات اتحاد كتاب المغرب ومن الالتزامات مع مكتبه التنفيذي. ولم أنتظر أن ينشر الاتحاد موقفا مواليا لحراك الريف، (رغم كون العلام نشر بلاغا في الموضوع بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على انطلاق الحراك)، ذلك أن من يؤازر متهما بالاختلاس لا يمكن أن يقف مع مكافحي الفساد والاختلاس. لقد يئست من الاتحاد ومن مكتبه التنفيذي ومن مواقفه المهادنة. لذا ذهبت لأنخرط في جمعيات بدت لي أكثر جرأة من اتحاد بات باهتا لا طعم له ولا لون.

وعلى ذكر البلاغ، فلست أدري إذا كان عبد الرحيم العلام هو من كتبه أم عهد به إلى أحد الكتاب. فحتى بلاغات الاتحاد التي تصدر بقرار فردي من الرئيس، وفقا لمصلحته وقراءته الخاصة للظرفية السياسية، فإنه لا يكتبها كلها، بل يلجأ إلى كتاب أكثر معرفة منه لتدبيجها. وقد حدث مرة أن كنت مع أحد الكتاب في إحدى المدن المغربية، فأخبرني أنه هو من دبج أحد البلاغات التي نشرها اتحاد كتاب المغرب بعد أن طلب منه العلام ذلك، مضيفا وهو يضحك أنه تعود على ذلك ولا يجد فيه غضاضة.

 عندما أقوم بمقارنة بين مواقف الاتحاد اليوم ومواقفه فيما مضى أخجل كثيرا من هذا التدهور. من بين ما أذكره عندما كنت عضوة في المكتب المركزي في عهد الشاعر والروائي محمد الأشعري، أن المكتب كان قد أصدر موقفا تضامنيا مع عمال جبل عوام عندما تُرِكوا بدون عمل بسبب تفويت المنجم لشركة جديدة، فقاموا بالاعتصام. بل كان المكتب قد انتدبني شخصيا للذهاب إلى جبل عوام، والتعبير عن الموقف التضامني للاتحاد. وقد وجدت هناك عددا من النقابات والجمعيات الحقوقية والمدنية قامت بتنظيم ما يشبه التجمع لإلقاء كلماتها التضامنية، وفي اليوم الثالث لتواجدنا جاء مندوب العمال والبشر باد على محياه وأخبرنا أن مشكلتهم أشرفت على الحل بعد أن امتثلت الشركة الجديدة لعدد من مطالبهم.

وقد واجهت العلام ذات يوم في أحد الاجتماعات بكون الاتحاد في عهد الأشعري كان قد تضامن مع عمال جبل عوام فما بالك بكاتب أو صحافي تعرض للقمع سواء من طرف الإسلاميين أو من طرف الدولة لكنه لم يهتم وصمّ أذنيه، لأنه كان هو من يخدم أجندته الخاصة ولا يقبل أن آتي أنا أو من شابهني لندمر له ما بناه.

       هناك مسألة أخرى تتصل بعلاقة اتحاد كتاب المغرب بمهرجان أصيلة. أذكر أنه في عهد الرؤساء الكبار كان الاتحاد يواجه مهرجان أصيلة مواجهته للنظام المغربي وتجازواته، مشكلا بذلك درعا يحتمي به الكتاب المغاربة. لكن عبد الرحيم العلام لعب لعبة التحول إلى مريد محمد بنعيسى ومؤسسته الثقافية. لقد حرص بنعيسى بدهائه المعهود على رد الاعتبار لرئيس الاتحاد عندما انفصل عن زوجته إكرام (التي أرجح أنها كانت هي من طلّقه)، بتخلي مؤسسة مهرجان أصيلة عن خدماتها مقابل ترك العلام، طبعا ليس حبا فيه، بل نظرا لما يمثله كرئيس ولرغبة الأول في الحفاظ على علاقة السخرة مع اتحاد كتاب المغرب الذي “دجَّنه” الثاني، دون أن يعلم (محمد بنعيسى) أنه لم يحافظ سوى على هيكل فارغ جاء العلام ليشيعه إلى مثواه الأخير؛ خاصة وأن الاتحاد نفسه أصبح أشبه بصندوق لبث برقيات التعازي، وكأني بكبار الكتاب ومؤسسي الاتحاد ينسحبون على التوالي من الحياة وفي نفسهم غضاضة من مآل الاتحاد.

وعلى ذكر إكرام عبدي، هذه المرأة الجميلة التي كانت تقلدت منصب نائبة الكاتبة العامة لفرع الرباط للاتحاد، كنت لاحظت عليها عدم الحضور بانتظام لاجتماعات مكتب الفرع قبل أن تختفي بشكل نهائي، وكنت قد حكمت عليها بأنها امرأة لا تهتم بغير الأشياء التقليدية. كنت أعتبر العلام صديقا، فكتبت له ذات يوم أدعوه لحضور نشاط للفرع أقمته احتفاء بالكاتبتين حليمة زين العابدين ورشيدة بنمسعود، وأعربت له في رسالة إلكترونية عن رغبتي في أن يصحب معه زوجته الجميلة (وقد تعمدت ذلك لأحرجها). أنا الآن أعتذر لها، وأقر بأنني كان عليّ أن لا أحكم عليها وأن ألتمس لها الأعذار رغم عدم معرفتي بظروفها. لأن التجربة أظهرت لي أن الأصل في التعامل هو البحث للآخر عن الأعذار إلى أن يثبت بالدليل أنه لا يستحق ذلك.

هناك مسألة أخرى تدل بشكل قاطع على القرارات الفردية التي دأب العلام على اتخاذها، ألا وهي بيع سيارة الاتحاد للعون ابراهيم فرحان، وعدم شراء سيارة أخرى بعد أن كان قد وعد بذلك. وهكذا زاد من إفقار الاتحاد للتقرب من ابراهيم الذي لا يكف عن استغلاله. هذا العون الذي اختلط عليه الأمر، بالنظر إلى مستواه الثقافي البسيط، فلم يعد يعرف حدوده مع أعضاء الاتحاد، وبات يتصرف مع بعضهم بأسلوب يخلو من الاحترام والاعتبار.

 اللجوء إلى جميع المحاولات من أجل استلطاف أعضاء المكتب التنفيذي:

في بداية اجتماعات المكتب التنفيذي، كان العلام يحاول إبهارنا، بل “رشوتنا” بالفنادق الفخمة التي كانت تجرى فيها اجتماعات المكتب التنفيذي ثم اللجنة التحضيرية للمناظرة الوطنية للثقافة بطنجة، حيث كان الاجتماع الأول بفندق الأندلس والثاني بفندق رامبرانت بمدينة طنجة. ما دام أن الأمر كان بتمويل من جهات خارجية ولا يتطلب أية ميزانية من مالية الاتحاد فلم يكن لدي مانع، ولو أن مظاهر البذخ تلك لم تكن تروقني كثيرا.

كان عبد الرحيم العلام يستعمل جميع الأساليب من أجل ضم مختلف الأعضاء إلى صفه، وضمان تأييدهم له؛ لكن بالمقابل لم يكن يتردد في إبراز أنيابه في حالة أبسط معارضة له. أذكر يوم حذرني الشاعر والروائي والباحث حسن نجمي من عبد الرحيم العلام، قائلا إن الرجل ليس سهلا، ووراءه من يدعمه، وأنني إذا قررت مواجهته علانية فعلي أن أتوقع منه أو من غيره أي شيء. وهنا أرد على حسن نجمي قائلة إنني لا أخشى في قول الحق لومة لائم، وبت أعرف جيدا من يكون عبد الرحيم العلام رغم أنني أجهل من خلفه ولا يهمني أن أعرف.

عبد الرحيم يمتلك شخصية مركبة، فهو يبدو رجلا طيبا مشاكسا نبيها وسريع الفطنة، يقتلك ضحكا بقفشاته المتنوعة، والتي يمكن أن تخفي سما زعافا لكل من عارضه. لديه قدرة كبيرة على الفكاهة وإضحاك الآخرين، بنفس الدرجة التي لديه في الصمود لضربات الآخرين من أجل بلوغ أهدافه. أعتقد أن هدفه الرئيس من رئاسة اتحاد كتاب المغرب، كان بالدرجة الأولى الحصول على أحد المناصب العليا في الدولة. ما زال عبد الرحيم ينتظر.

غير أن العلام حقق بعض “المكتسبات” بعد صعوده رئيسا، إذ حصل على اعتراف أعلى هيئة في الدولة بـ”قدراته المعرفية”، حيث جاء الاعتراف هذه المرة من القصر الملكي، إذ وشحه جلالة الملك بمناسبة عيد العرش لسنة 2014 بوسام الكفاءة الفكرية، بعد حصوله في كوريا الجنوبية سنة 2013 على جائزة “مانهاي” العالمية على مشروع كان في الأصل للمكتب التنفيذي، وما زال إلى الآن لم يتحقق. وقد قرأت أنه حصل على الجائزة في خانة الأعمال الاجتماعية. وكنت آنذاك رئيسة لجمعية الأعمال الاجتماعية لوكالة المغرب العربي للأنباء، وقد تساءلت يومها: أية أعمال اجتماعية حصل بها العلام على جائزة مانهاي؟ صدق من قال عش رجبا تر عجبا.

وحكاية الجائزة جاءت كالتالي: كانت قد طرحت داخل المكتب التنفيذي فكرة مفادها أن يقوم الاتحاد، بعد حصوله على دعم اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، ومن أجل تشجيع القراءة في المغرب، بطبع عدد كبير من الكتب ووضعها في محطات القطار ليتسلمها من رغب من المسافرين في ذلك مجانا، ويقرأونها إبان سفرهم. على هذه الفكرة التي لم تر النور أبدا، ركب العلام بحكم كونه رئيسا لاتحاد كتاب المغرب، وحصل على جائزة مانهاي الكورية. هكذا بكل بساطة!

من بين هذه المكتسبات أيضا أسفاره المتعددة التي ضمنها له هذا المنصب، حيث لم يعد ينزل من طائرة إلا ليركب أخرى. وأذكر يوم اتصلت به من نادي وزارة العدل للاستشارة في بعض التفاصيل بخصوص الاجتماع الأول للمجلس الإداري، إذ كنت أنا من تكفل باللوجستيك، فأجابني بأنه في مدينة دبي رفقة عبد المجيد شكير، في الوقت الذي كنت أتصوره في مدينة الرباط.

لقد كان تمردي على مواقف الاتحاد سببا في تهميشي بل وإخفاء عدد من المعطيات والقرارات عنيفقد كنت داخل المكتب التنفيذي الذي يعد موقعا يسمح لي بالاطلاع على عدد من القرارات، كلما صادفت كاتبا وسألني عن ميزانية الاتحاد، أو عن بعض التفاصيل المرتبطة بنشر الكتب التي سلمها عدد من الكتاب للعلام على أساس طبعها بدعم من وزارة الثقافة، لا أستطيع الإجابة مما يسبب لي إحراجا لا أستطيع وصفه. وقد أخبرني أحدهم، ونحن في الحافلة إلى مدينة الصويرة لحضور المجلس الإداري الثاني والأخير الذي قرر فيه أعضاء المجلس تنظيم المؤتمر في شهر يونيو 2016، أخبرني أن موقع وزارة الثقافة قد نشر لائحة الكتب الحاصلة على الدعم والتي تقدم بها الاتحاد ومن بينها كتابه الذي لم ينشر. بصراحة كنت كالأطرش في الزفة، لا أعرف شيئا، ولم أعد أشعر حتى بذلك الفضول المعرفي الذي كان يميزني. لقد دفعني سلوك العلام إلى الشعور بنوع من النفور واليأس من إمكانية تطوير الاتحاد أو الاستمرار في العمل داخل مكتبه التنفيذي، وبحكم كوني لم أكن يوما من الموالين للعلام فإنه لم يكن يطلعني على مجريات الأمور، أما الشفافية والعلام فبينهما برزخ لا يبغيان.

 ذكورية رئيس اتحاد كتاب المغرب:

ذكورية عبد الرحيم العلام جزء من ذكورية الاتحاد، وجزء من الذكورية السائدة في المجتمع بصفة عامة، فهو لا يمثل استثناء. لكن هناك بعض السلوكات التي تنم عن تجاوز الحد المعقول (هذا إذا كان هناك حدا معقولا للذكورية)، إذ يجمع العلام بين الذكورية وبعض أخلاق الخِسَّة. أذكر يوم اصطحب معه إحدى النساء إلى مدينة وجدة ومعها عدد كبير من الكتاب المغاربة للمطالبة بفتح الحدود مع الجزائر. داخل الحافلة أخذ المايكروفون وأعلن أنها شاعرة وأنها تود قراءة نماذج من قصائدها. (شاعرة لا يعرفها سوى عبد الرحيم العلام) وظل الكتاب يرزحون، على مدى ما يناهز النصف ساعة، تحت وطأة التعذيب الذي فرضته عليهم قصائد “عشيقة” العلام.

الأدهى من ذلك، أنه قضى والمرأة المرافقة له وعدد من الكتاب ليلة في غرفة أحد الكتاب الجميلين بأحد فنادق وجدة يشربون، وكان الجميع يستعمل هاتف غرفة الكاتب لمطالبة الفندق بالمزيد، وكنت أتصور أنهم سيساهمون في دفع الثمن. في صباح اليوم الموالي، بينما كنا نغادر الفندق، جاء عندي الكاتب الذي جرت السهرة بغرفته، والشحوب يعلو سحنته، وأخبرني أن الفندق حجز بطاقته الوطنية إلى حين دفع مبلغ 3000 درهم، وهو ثمن سهرة أمس. قمت بعملية حسابية سريعة تبين من خلالها أن على كل واحد أن يدفع مبلغ 300 درهما، بما أن المجموع كانوا عشرة. قلت لا عليك، فسأسعى أنا لجمع المبلغ.

 بدأت أمُرُّ على الكتاب المتحلقين في بهو الفندق ممن شاركوا في السهرة، وكانت صدمتي وخيبتي كبيرتين. لحظتها اكتشفت الوجه الآخر لبعضهم. بل اكتشفت بخل العلام ونفاقه. فبعد أن شرحت له الواقعة، طلبت منه مبلغ 600 درهم ثمن ما استهلكاه هو وعشيقته، اصفرت سحنته ونظر إليَّ كمن أصيب بصعقة وصرخ قائلا: “أية عشيقة؟، أنا لا أملك أية عشيقة، ثم هو (يقصد الكاتب) من استدعانا للشرب في غرفته”. عدت بخفي حنين تقريبا، واضطررت من أجل حل المشكلة مع الكاتب الصديق إلى دفع معظم المبلغ، أنا التي كنت أول من التحق بغرفتي خلال تلك السهرة.

أذكر أيضا زيارتنا للصين الشعبية. كانت تنم عن العلام سلوكات تبرز ذكوريته المتأصلة. ففي مدينة بكين كان يراود المترجمة آسيا عن نفسها لدرجة إحراجها. وقد أخبرَتْه وهي مرتبكة أنها مخطوبة وأنها تحب خطيبها وأنهما سيزوجان بعد أشهر قليلة… لكنه لم يرعوِ وبادرها بكل صفاقة: “هذا لا يمنع، خطيبك يبقى في الصين، وأنا في المغرب، ويمكن أن تكوني مع الإثنين”. كما أنه كان مثل شهريار وسط حريمه، يحضن في الحافلة فاطمة الزهراء بنيس بذراعه اليمنى ووداد بنموسى بذراعه اليسرى بينما يظل سانشو بانثا المدعو تجاوزا يحيى عمارة، لا يكف، مثل خروف صغير، يردد بكل افتخار عبارة: “نحن معك آ العلام، إيلا رميتي راسك فالبحر نتبعوك”.

كنت آخذ لي مكانا في نهاية الحافلة، وكنت أشعر أن المترجمة تستأنس بي وبنقاشاتي، وكنت كلما فتحت فمي لأجيبها عن موضوع إلا وأسمع تهكمات عبد الرحيم العلام وزبانيته. بل إنه ذات لحظة قال بلهجة ساخرة: “راه عندها فمها، خليوها تكول للي بغات”. وكأن أحدهم كان بإمكانه أن يمنعني من قول ما أشاء. على كل، كان سفري إلى الصين من أجل إسكاتي. كان هناك عضوتان من أعضاء المكتب التنفيذي اللتان لم تسافرا خارج المغرب على حساب الاتحاد، أنا وأمينة المريني. وذات يوم، من سنة 2016، قرر أعضاء المكتب التنفيذي في اجتماع لم أحضره، أن أذهب في وفد إلى بكين ثم شانغاي، وحرص العلام نفسه على إخباري بذلك هاتفيا. فهمت اللعبة للتو لكنني قبلت بها. كان يريد رشوتي بتلك السفرة لتجريدي من إمكانية الاحتجاج لاحقا، لكنني قبلت. وظلت أمينة المريني هي الوحيدة التي ترفض السفر خارج المغرب بعد أن تم اقتراح أكثر من وجهة عليها، فهي امرأة مسالمة، تشتغل بحسن نية ولا يهمها ما عدا ذلك. وقد كان قبولي السفر سببا في القيام بعمل مضن من أجل حصول كل أعضاء الوفد على الفيزا من السفارة الصينية. فأنا والعلام نعيش في العاصمة، وفيما كان هذا الأخير في إحدى فتوحاته خارج المغرب، وبحكم بعدِ كل من وداد بنموسى وفاطمة الزهراء بنيس ويحيى اعمارة عن الرباط، فقد تكفلت أنا بجمع وثائقهم ودفعها إلى السفارة وتتبع الأمر إلى حدود الحصول على الفيزا. كان الأمر مرهقا، بل وصل الأمر حد إيواء كل من فاطمة الزهراء بنيس ويحيى اعمارة في بيتي في الليلة الأخيرة قبل أن نلتحق بالمطار في صباح اليوم الموالي، لأن رئيس اتحاد كتاب المغرب لم يكلف نفسه عناء إيجاد فندق لهما.

عندما صعدنا إلى الطائرة، انتبهت إلى تحلقهم في كراسي قريبة من بعض بينما جلست أنا في المؤخرة. لم أهتم للموضوع، بعد وصولنا، شعرت أن لعبد الرحيم موقف مني، من خلال عدد من الإشارات والسلوكات، إلى أن أخبرْتُه برغبتي في ترجمة بعض النصوص القصصية لكاتبات صينيات من الفرنسية إلى العربية، بعد قراءتي لبعضها. حيث امتقع لون وجهه، وقال ساخرا إنه يجب أن يقوم بذلك مترجم متخصص وأنت لست كذلك. وقد انبرى يحيى اعمارة يضيف من عنده بعض السفاسف، قبل أن أقرر الانعزال عنهما، وانتحاء زاوية بعيدا.

شعرت باضطهاد في الصين، ولم أستمتع بالرحلة رغم أهميتها، ولأول مرة أندم على قرار اتخذه في حياتي. عدت إلى الرباط تأكلني المرارة وينخرني الندم.

ذكورية العلام برزت أيضا من خلال علاقته بزوجته إكرام. فرغم عدم معرفتي بتفاصيل العلاقة، إلا أنه بلغني ذات يوم من صديقة فنانة تشكيلية هي في نفس الوقت صديقة طليقته إكرام عبدي، أن ذكورية هذا الأخير بلغت به حد ضرب زوجته، وهو أمر لم أستسغه في البداية لكنني عندما خبرت العلام في عدد من المواقف، علمت أنه يمكن أن يفعل ذلك.

 مساوئ انتخاب رئيس الاتحاد مباشرة من المؤتمر:

هناك مساوئ كثيرة لانتخاب رئيس الاتحاد من المؤتمر ثم انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي بعد ذلك. ولا أدل على هذا، السلطة التي شعر بها عبد الرحيم العلام، وقوله لنا مرارا، عندما يشتد الصراع بيننا، إنه مستعد أن يبقى وحده في المكتب، وأن يجر الاتحاد بأسنانه إلى المؤتمر. هذا المؤتمر الذي تأخر سنتين، علاوة على عقد مجلسين إداريين في خمس سنوات، وهو أمر مخالف للقانون الأساسي للاتحاد.

 مشاكل بعض أعضاء المكتب التنفيذي مع عبد الرحيم العلام قبل أن يستقطبهم إلى صفه:

 كما أسلفت، أراد العلام منذ البداية ضمان وجود أعضاء طيِّعين في المكتب التنفيذي بواسطة إصراره على تدبيج ميثاق أخلاقي. لكن شططه، وتعامله مع الأعضاء كأنهم قاصرون أو عمال في ضيعته، ألب عليه بعض الأعضاء. وأذكر أنه بعد الضجة التي انسحب على إثرها الكاتب مصطفى الغتيري كان العلام دائما يحيل على خرقه للميثاق الأخلاقي وكأني به يحاول التشبث بأية قشة ليقنع الآخرين الذين لم يكن يحترم ذكاءهم، بل كان يستهتر بهم، بأن مصطفى الغثيري هو المخطئ. وإذا كان مصطفى الغثيري وعبد الدين حمروش قد انسحبا من المكتب بالنظر إلى مواقف تتصل بتصورهم للعمل الثقافي ودور المثقف والديمقراطية داخل الاتحاد، فإن هناك من اختلف مع العلام لأنه لم يرض على حصته من الكعكة أو لأنه خاف على نفسه من ملاحظة بعض الخروقات المالية ولم يشأ تحمل المسؤولية مع العلام. المسألة الأولى تتصل بسعيد كوبريت، والثانية بأمينة المال وداد بنموسى، التي كنت أنا من اقترحها خلال توزيع المهام داخل المكتب التنفيذي في مهمة أمينة المال، حرصا على مالية الاتحاد، وانطلاقا من تصوري أن النساء أقل تلهفا على المال العام. أما باقي الأعضاء فقد كانوا منذ البداية إما موالين للعلام أو محايدين مما يعني الموالاة له أيضا، إذ لا مجال للحياد في ظروف كهذه.

لأكون صريحة، لم أستسغ يوما سعيد كوبريت. بدت لي علامات النفاق والوصولية في شخصيته منذ البداية، رغم هالة الورع والتقوى التي كان يَدَّعيها. كنت أجاريه قبل أن أكتشف عنه أشياء يندى لها الجبين.

كانت جل تدخلات سعيد في المكتب التنفيذي تصب في خدمة مصلحته الشخصية، سواء في البحث عن سفريات أو في المشاركة في ندوات خارج المغرب، وكان يشكل صفا واحدا مع رئيس الاتحاد، (حاصلا بذلك على الحج ومستفيدا من عدد من الأسفار إلى أن انفجر الوضع بينهما لأمر يخصهما على الأرجح، اختلطت فيه المشاكل النفسية بالمصالح المادية، فانبرى كوبريت ينتقد سياسة الرئيس وقرر -في سرية تامة- تعليق جميع مسؤولياته داخل الاتحاد إلى حين انعقاد المجلس الإداري. لكن، ولسبب أجهله أيضا لكن من السهل تخمين طبيعته، فقد عادت المياه إلى مجاريها، خاصة بعد حصول سعيد كوبريت على رئاسة بيت الصحافة بطنجة، هذا البيت الذي عندما تزوره تجد صور كوبريت مع صاحب الجلالة الملك محمد السادس أثناء الافتتاح، معلقة في جميع جدرانه وزواياه.

أذكر أيضا يوم أخبرني كوبريت أنه يحب زوجته حبا عظيما وأنه لم يسبق له أن “خانها” ولن “يخونها” مهما حصل. وأذكر أنه كان يتكلم بثقة في النفس جعلتني للحظة أشك في نفسي وأصدقه معتبرة أنه ربما كان آخر الرجال أحاديي الزوج في الكون؛ قبل أن تبدأ الأخبار بالتوارد. سمعت أول الأمر بوجود عشيقة في حياته، ثم ذات مرة دعوته مع بعض الأصدقاء إلى سهرة في بيتي، فطلب مني إحضار إحدى الصديقات فقبلت وعرفت فيما بعد أنها كانت عشيقته؛ ثم انفجرت فضيحة قضائه ليلة حمراء في فندق باليما مع عشيقته على حساب اتحاد كتاب المغرب. أي استغلال المال العام في قضية شخصية وفوق ذلك “لا أخلاقية” حسب المواضعات السائدة وحسب منطق وادعاءات كوبريت نفسه. علمت بذلك خلال تنابز بين رئيس الاتحاد وبين سعيد كوبريت على أشياء أخرى، غير أن الرئيس الذي لا يتحلى بأي نضج نفسي فكري أو معرفي، بحث عن نقطة ضعف كوبريت في رسالة إلكترونية بعث بها إلى هذا الأخير يتحدث فيها عن قضائه ليلة مع عشيقته في باليما على حساب اتحاد كتاب المغرب. لم يستسغ كوبريت ذلك فبعث بالرسالة إلى عبد الدين حمروش الذي أطلعني عليها. وما زلت أحتفظ بنسخة منها إلى الآن.

بل أكثر من ذلك، فإن هذا المتحايل، قام كما يعلم الجميع، بتطليق ثلاث نساء متزوجات من أزواجهن في فترات متباعدة، بعد أن أغراهن بادعاء الوساطة ليعملن في مجال الإعلام وغيره، ولن أذكر أسماءهن إلا عند الضرورة، لكنني أشير إلى أنهن يقطن بكل من مراكش والرباط وطنجة. لقد استغل سذاجتهن رابطا علاقة بأقاربهن ممثلا عليهم الرجل المتدين والتقي والورع.

لقد انكشف أمره عندما تسبب في حادثة سير خطيرة بسبب قيادته الرعناء لسيارة في ملكية صديقة له مطلقة وهو في حالة سكر طافح ودون أن يكون حاصلا على رخصة السياقة. وقد وقعت هذه الحادثة بعد الثانية ليلا من يوم الثلاثاء 13 يوليوز الماضي؛ وعثر رجال الأمن على قنينة خمر داخل السيارة. قضى سعيد كوبريت مدير بيت الصحافة ومديرة مركز أحمد بوكماخ وداد بنموسى المرافقة له ليلتهما تلك معتقلان تحت الحراسة النظرية بأمر من النيابة العامة في طنجة، ليقدما في اليوم التالي إلى المحكمة الابتدائية بمدينة طنجة وهما في حالة اعتقال. وبالنظر لتدخلات جهات نافذة وقع الإفراج عنهما دون أية متابعة، وهذا الذي أقوله مستمد من جل المواقع الإعلامية وهي كثيرة.

أما الذي أشرت إليه من تسبب كوبريت في طلاق المتزوجات، فهو أيضا مأخوذ مما نشره الموقع الإعلامي (جديد تيفي ل 6 غشت 2017) حيث أضاف الكاتب أن مدير بيت الصحافة رجل مريض نفسانيا إذ “يشترط تشغيل سيدات حسناوات ومتزوجات للعمل في الإذاعة التابعة لبيت الصحافة” على اعتبار أن صفتهن كمتزوجات تضفي عليهن نوعا من “الاحترام”، وذلك لنية في نفس يعقوب. إن هذا يمثل عين الفساد المسكوت عنه سواء من طرف القيادة الحالية لاتحاد كتاب المغرب أو من طرف مُزكِّي هذا الرجل على رأس بيت الصحافة في طنجة.

كما أن إشاعة محاولة عضوة الاتحاد إضرام النار في جسدها أمام بيت طليقها فقد تبين أنها حقيقة مثبتة في محاضر الضابطة القضائية. فبعد رفض طليقها إرجاعها لبيت الزوجية بعد أن ألحت في ذلك، مهددة بإضرام النار في جسدها وفي طليقها وفي بيته، فقد تأكد هذا من خلال جل المواقع الإعلامية الإلكترونية المتداولة في المغرب.

هذا بخصوص سعيد كوبريت، أما بالنسبة لأمينة المال الشاعرة وداد بنموسى، فأنا أذكر أنها جاءت عندي ونحن في مطار مدينة العيون، معاتبة إياي على اقتراحها أمينة للمال في اجتماع توزيع المهام، قائلة إن هناك تجاوزات كثيرة تتم وإنها لا ترغب في الاستمرار في تحمل هذه المسؤولية. وعندما سألتها عن طبيعة هذه التجاوزات لم تشأ إخباري وظلت متحفظة. فعلمت أنها ربما كانت في ورطة، وأن زوجها (آنذاك) المحامي وعضو اتحاد كتاب المغرب ربما نبهها إلى بعض المنزلقات خاصة وأنه يفهم جيدا المضاعفات القانونية لكل اختلاس، وأن الصامت عن الجرم كمرتكبه. لكنها لم ترغب في الكشف عن المزيد، ربما لأنني لم أكن جديرة بثقتها. على كل انتهزت الوضع في مدينة العيون لأناقش مع الحاضرين من المكتب التنفيذي عقد اجتماع للمكتب في غياب الرئيس على أساس أن يدعو له نائب الرئيس عبد الدين حمروش لمناقشة كل المشاكل واتخاذ قرارات ثم إخبار الرئيس بها. فالرئيس في نهاية المطاف ليس سوى عضو في المكتب، وصوته يعد حاسما ومرجحا في حالة التصويت على أحد القرارات بالتساوي، خارج ذلك فإن حضوره ليس ضروريا، وعلينا أن نحسم بعض القضايا بدونه ما دام يشكل عائقا. كم كنت ساذجة وأنا أطرح ذلك. ففي آخر المطاف رفض الجميع اقتراحي بما في ذلك سعيد كوبريت الذي كان في أوج صراعه مع العلام وكذلك وداد بنموسى. وجدتني كمن يخبط في الماء. أما بالنسبة لوداد، فإما أن العلام استطاع شراء صمتها بطريقة ما أو أنها حصلت على حصتها من الكعكة كما يقال.

وأذكر أنها في آخر اجتماع للمكتب الذي جرى يوم 9 شتنبر الماضي، وهو الاجتماع الذي تقرر فيه عقد مؤتمر الاتحاد في شهر نونبر المقبل بمدينة طنجة، التحقت بي أمينة المال في سيارتي حوالي الساعة الثانية والنصف بعد الزوال، وكنت قد تركت الجميع خلفي وهممت بالذهاب إلى بيتي بدعوى أن ابنتي تنتظرني على الغذاء. قالت وفي عينيها حزن صادق مع محاولة جس النبض لمعرفة مدى اطلاعي على فضيحتها إنها قد طلقت زوجها. قلت لها وأنا في إحراج من أمري حسنا فعلت، الآن أنت حرة يمكنك التصرف في حياتك. وكانت قد اشتكت لي في الصين من زوجها مدعية أنه بخيل وأناني، وقد استغربت لذلك بحكم معرفتي بكرمه الحاتمي الذي لا يخفى على أحد. كما أنني كنت أعلم أن زوجها هو من طلقها بعد أن اكتشف علاقتها بسعيد كوبريت، وعملَتْ هي المستحيل من أجل العودة إليه لكنه رفض رفضا باتا.

 بداية صراعي مع العلام:

كنت متحمسة جدا للعمل داخل المكتب التنفيذي بعد المؤتمر. وكانت الاجتماعات الأولى تتم بشكل جيد حيث كنا نضع برنامجا لنشاط الاتحاد على مدى السنة الموالية مع اقتراحات جد بناءة طالت جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب، واقترح الاتحاد على صندوق الإيداع والتدبير جائزة الاتحاد للرواية باللغة العربية (تفوق قيمتها جائزة الرواية باللغة الفرنسية)، ووافق الصندوق على أساس أن يقدم الاتحاد تصورا بذلك، وغير ذلك من الاقتراحات التي لا أذكرها والتي تضمنها البرنامج الثقافي الطموح الذي سطره الاتحاد في اجتماع طنجة آنذاك.

بما أنني مكلفة داخل المكتب التنفيذي بالمرأة الكاتبة، وبما أن همي نسائي بالدرجة الأولى، فقد فكرت في تنظيم أول نشاط لاتحاد كتاب المغرب، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة (8 مارس 2013) حول “المرأة والهندسة المعمارية”، وقد هيأت كل شيء رفقة الصديق السوسيولوجي عبد الفتاح الزين، الذي اقترح تنظيمه داخل المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية حيث كان يشتغل. كان موضوع اللقاء هو “اليومي النسائي بالمدينة المغربية، رؤى متقاطعة بين الهندسة المعمارية والكتابة السردية”. تحمَّسْتُ للفكرة وشرعت في إنجازها بعد أن أطلعت المكتب التنفيذي عليها عبر مراسلة إلكترونية. انطلقتُ من فكرة أن يكون أول خروج ثقافي للمكتب التنفيذي بنشاط هام بمستوى النشاط الذي اقترحته؛ نشاط يتعلق بالمرأة ومدى تمثل الفضاءات الخاصة بها في مجال الهندسة المعمارية. وهو موضوع سابقة في أنشطة اتحاد كتاب المغرب رغم تنظيمه لنشاط بمكناس حول المدينة لكنه لم يتناول إشكالية تمثل الهندسة للحضور النسائي. كان الاتفاق بيني وبين عبد الفتاح الزين على أن يتم تنظيم يوم دراسي حول الموضوع داخل قاعة كبيرة بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية، يوازيه تنظيم معرض لمنشورات اتحاد كتاب المغرب بمكتبة المدرسة تباع بثمن تفضيلي للطلبة. كان البرنامج يتضمن جلسة افتتاحية ثم ثلاث جلسات عامة واحدة في الصباح واثنتين بعد الزوال، هي على التوالي: “حق المرأة في المدينة والتراتبية السوسيو- مجالية”، و”النوع الاجتماعي وتهيئة الوقت والمجال” و”النسائي وتجليات اليومي”.

تم الاتفاق على دعوة عدد من المهندسات والمهندسين وعدد من الكاتبات والكتاب، والفنانات والفنانين، هم على التوالي المحجوب الهيبة (المندوب الوزاري لحقوق الإنسان آنذاك) وفاتحة مرشد وأحمد شراك وعبد اللطيف كيداي والمختار الهراس وجليل بناني ومحمد المعزوز وكمال عبد اللطيف وعبد الرحيم العطري ووداد بنموسى ومهدي أخريف وعبد الفتاح الحجمري ورشيدة بنمسعود وحليمة زين العابدين وحسن باهي ورحمة بورقية وفاطمة الزهراء ازريويل أما المهندسين فكان الأمر يتعلق بمحمد جال ومحمد منتصر وسليمة الناجي ورشيد ابن ابراهيم أندلسي ووفاء بلعربي ومونية المحمدي وإيمان بناني وإيمان بنكيران.

ومن القراءات الشعرية والقصصية تم اختيار نصوص الشاعرات عائشة البصري، وداد بنموسى، عائشة مزان، فاتحة مورشيد، نهاد بنعكيدة، الزهراء الزريق، أحمد عصيد، ياسين عدنان، فاطمة الزهراء بنيس وأمينة المريني والقاصات لطيفة باقا، لطيفة لبصير، ربيعة ريحان وليلى الشافعي.

تقرر أن تُقْرأ جميع هذه النصوص من طرف ممثلاث وممثلين في عمل شبه مسرحي اقترحت على المسرحي عضو المكتب التنفيذي عبد المجيد شاكر النظر فيه وربما التفكير في إخراجه، وذلك في رسالة بعثت بها إليه في 29/1/2013، أي قبل شهر ونيف على 8 مارس، مع أسماء للفنانات اللواتي لم يكن سوى لطيفة أحرار وماجدة بنكيران ونعيمة زيطان ونورا الصقلي وسامية أقريو وماجدولين الإدريسي والسعدية لديب وهدى الريحاني ودنيا بوطازوت وسناء الزعيم.

وقد راسلت دار الفنون بالرباط حيث كان من المفروض تنظيم الأمسية مع أمسية غنائية لفرقة “لا نيولا” التي تقدم أغان إسبانية. عندما تعذر الحصول على قاعة بدار الفنون تم النظر في مدرج كبير شبيه بالمسرح بمعهد التعمير الملتصق بمدرسة الهندسة المعمارية.

في 29 يناير 2013 بعثت بالصيغة النهائية للموضوع لعبد الفتاح الزين كي يعتمدها في مراسلاته قائلة إنني سأبدأ الاتصال بالمدعوين من اتحاد كتاب المغرب.

في 15 فبراير أجريت عملية جراحية صعبة على رجلي اليسرى، غير أنني واصلت الاشتغال من داخل المستشفى على الرغم من آلامي المبرحة، إذ كنت كلما خف الألم قليلا أباشر التحضير للنشاط ومراسلة عبد الفتاح الزين واستفساره عن الترتيبات، وكان يطلعني على ذلك أولا بأول. وقد تكفل هذا الصديق بوضع أرضية للنشاط، هذه الأرضية التي، حين بعثت بها إلى أعضاء المكتب التنفيذي، كانت الوحيدة التي أجابتني هي وداد بنموسى قائلة إن الموضوع مهم جدا بل واقترحت عليَّ إضافة اسم المهندس المعماري محمد جال.

اشتغلت في الموضوع بهمة ونشاط أكثر من شهر قبل دخولي المستشفى لإجراء العملية، ويومين بعد إفاقتي من التخدير، ومكثت على هذه الحالة وأنا أمني النفس بنشاط كبير يليق بانطلاقة أنشطة اتحاد كتاب المغرب. ذات يوم، وكنت قد غادرت المستشفى بعد قضاء أسبوعين به، (من 11 إلى 25 فبراير 2013)، (غادرته قبل الوقت لأن الصديقة طبيبة القلب التي زارتني أكدت على ضرورة خروجي حتى لا أصاب بأحد فيروسات المستشفى، على أساس أن تتابع هي مشاكل القلب إلى أن يعود لحالته الطبيعية). مباشرة بعد مغادرة المستشفى العسكري محمد الخامس، اتصلت بالعلام لأستفسره عن هاتف كمال عبد اللطيف، الذي لم أكن قد اتصلت به بعد. لحظتها انبرى العلام يحاول صرفي عن موضوع النشاط، قائلا إنني مريضة ويجب أن أنتبه إلى صحتي، وعندما لاحظ إصراري وعرف أن لا مناص من قيامي بهذا النشاط، غيَّرَ لهجته وقال فيما يشبه الشتم، إن الاتحاد لم يصمت كل هذا الوقت ليخرج بنشاط يمكن أن ينجزه أي فرع من فروعه (لاحظوا تبخيس عمل الفروع). وقد أحسست بالإهانة، مع العلم أنه كان يعرف قبل غيره أنني عندما كنت كاتبة عامة لفرع الرباط، عرضت في اجتماع لتغيير مكتب الفرع تقريرا قال عنه هو نفسه منبهرا إنه تقرير دسم. وقد سبق أن حضر أنشطة كنت أنظمها تجاوزت ما نظمه المكتب التنفيذي للاتحاد سواء من حيث الكم أو النوع. لم أتحمل ما قاله لي العلام، ولأنه حطم معنوياتي بذلك التبخيس فقد وضعت الهاتف، وقررت ترك كل شيء، ترك النشاط ومعه اتحاد كتاب المغرب. عندما هدأت قليلا اتصلت بالصديق عبد الدين حمروش لأخبره بقراري. كنت سأجمد عضويتي في المكتب مباشرة بعد انسحاب مصطفى الغثيري، لكن حمروش بعث فيَّ الأمل بكلامه في أننا ما زلنا في البداية، وأننا يجب أن نؤمن بأنفسنا وقدرتنا على إخراج الاتحاد من وضعه. كان المسكين ما يزال لديه أمل في العلام، وما يزال يتوفر على قدرة على الحلملقد رفض العلام هذا النشاط الذي كان سيكون أول نشاط كبير يفتتح به المكتب التنفيذي دورة أنشطة اتحاد كتاب المغرب، فقط لأنني كنت قد استدعيت بعض العناصر التي كان العلام في صراع متواصل معها، منها المحسوبة على عبد الحميد عقار ومنها التي اتخذت مواقف من الاتحاد بسبب سياسة عبد الرحيم العلام الانتهازية، وكان أول نشاط خرج به نشاط عادي حول اليوم العالمي للشعر، مما يوضح عدم اهتمامه بالاتحاد.

إن سبب منعي من تنظيم النشاط يكمن في كوني حاولت عبر مختلف الأسماء التي طرحتها، “رأب الصدع” داخل الاتحاد، لكن الرئيس لم يعط لنفسه حتى فرصة الجلوس مع من اعتبر أنهم “لا يعترفون” بوجود الاتحاد؛ ففيرسالة إلكترونية كتبها العلام للمكتب التنفيذي بتاريخ 31/1/2013 يقول: “لكن لدي اعتراض، فقط، على تمثيلية الأسماء المرشحة للمشاركة فيه، ومن بينهم من لا يعترف حتى باتحادنا، ولا يحضر مؤتمرات الاتحاد، بل ولن يشارك في هذا النشاط، حتى لو تم الاتصال به وإغراؤه… هذه ملاحظتي، حتى لا نشتغل بطريقة ارتجالية وتنفلت الأمور، مستقبلا، من أيدينا، كمكتب تنفيذي”، وقصده تنفلت الأمور من يده كرئيس لا كمكتب تنفيذي؛ سبحان الله، يعتبر المختلس خالد اعليوة عضوا في اتحاد كتاب المغرب، ويقوم بدعمه وهو المختلس الذي لم يحضر أي مؤتمر من مؤتمرات الاتحاد؛ ولا يرغب في التعامل مع كتاب لديهم غيرة حقيقية على اتحاد كتاب المغرب ولا يرغبون في قبره بسبب مآرب رئيس واحد.

كانت هذه أول صدمة سأتلقاها من عبد الرحيم العلام، توالت بعدها الصدمات. ومن بين الصدمات أنني ذات يوم، وبعد أن مر أحد الاجتماعات في جو عملي يسوده الهدوء، مما خلق لدى الجميع إحساسا بالاطمئنان، تدخل حمروش، وكان الاجتماع قد انتهى، والعنصر النسوي في المكتب قد انسحب، تدخل مشيدا بمرور الاجتماع في جو أخوي.. وقبل أن ينتهي، انفجر عبد الرحيم العلام في وجهه ناعتا إياه بأقذع الأوصاف، ثم أخرج من حقيبته مقالا كان حمروش قد نشره في جريدة المساء، مُسَطَّرٌ على بعض فقراته باللون الأحمر، وشرع يقرأ على عبد الدين وعبره علينا جميعا مقاطع اختارها هو، وأخرجها من سياقها، قائلا إن عبد الدين لا يعرف الكتابة باللغة العربية، والدليل كثرة الأخطاء. عندما حاول عبد الدين الدفاع عن نفسه، قال له العلام ما مفاده أنه هو الذي أدخله لاتحاد كتاب المغرب، وأنه ساهم في حل مشكلة إدارية له كانت قد حدثت مع جامعته، حيث تدخل من أجل نقله من الرباط إلى المحمدية.. وبدا لي العلام يومها صغيرا جدا، وتافها. لم أستطع تحمل ما يجري، لأن المسألة بلغت حدا لا يطاق؛ غادرت المقر وأنا مذهولة أكاد لا أصدق. وقفت لحظة في باب عمارة المقر مشدوهة، وقد صدمت في العلام بشكل رهيب. ليس هذا هو الرجل الذي أعرف. إنه شخص آخر لا يمت بأية صلة للعلام الذي كان حتى تلك اللحظة، أي قبل الاجتماع، في ذهني. سرت من مقر الاتحاد إلى بيتي كالمخدَّرة. لم أشعر بالطريق رغم آلام رجلي وعدم قدرتي على المشي، لكن الصدمة والذهول جعلاني أمشي دون وعي، مجتازة مرتفعا صغيرا إلى أن ألفيتني على عتبة باب بيتي.

صدمة أخرى لكنها لم تكن بدرجة القوة التي شكلتها الصدمات المدرجة أعلاه، فقد كنت بدأت أنزع الأقنعة عن عبد الرحيم العلام وبدأت أعرفه جيدا. بلغني أن الحقد وقلة العفة قد بلغ بعبد الرحيم العلام درجة وصفي “بالعرجة”. فقد أخبرني صديق في المكتب التنفيذي أنه سمعه يقول “هاذيك العرجة اللي كتحل فمها، راه أنا عطيتها مليون ونص باش دارت العملية على رجلها”. ولأنني قررت أن أكشف عن كل شيء في هذا النص فسأتحدث عن قضية المليون والنصف أيضا.

اقترضت من البنك ثلاثين ألف درهم لإجراء عملية جراحية على ورك رجلي اليسرى. طلبت مني أختي التي يشتغل زوجها مقاولا أن أعيرها تلك النقود على أساس أن تردها لي قبل مغادرتي المستشفى حتى أتمكن من دفع المستحقات فأعرتها إياها. بعد ذلك بفترة قصيرة زارتني طبيبة القلب وأخبرتني أنه لا مصلحة لي في البقاء بالمشفى لأن الفيروسات توجد في كل مكان وهي فيروسات قوية بالنظر إلى كون غذائها هو المضادات الحيوية التي من المفروض أن تعمل على مكافحتها. واعدة أن تتكفل بالمشاكل التي لها علاقة بالقلب حتى يصبح عاديا. وهكذا كان، فاضطررت لمغادرة المستشفى قبل التاريخ المحدد بحوالي عشرة أيام. اتصلت بأختي فلم تكن قد تدبرت المبلغ بعد، فشرعت في الاتصال ببعض الأصدقاء من بينهم عبد الرحيم العلام، الذي طلبت منه مليون ونصف لإكمال المبلغ. كان ذلك في فبراير 2013، يعني قبل أن يُكْشَف أمامي عاريا من المساحيق. قال لي إنه لا يملك المبلغ لكنه سيتدبر الأمر. وبعد أقل من ساعتين دخل شخص غريب غرفتي وسلمني ظرفا يحتوي على المبلغ قائلا إنه من طرف العلام.

أحسست بامتنان كبير اتجاه عبد الرحيم. ورغم شعوري في بداية الاجتماعات أن عبد الرحيم كان متحفظا مني لأنني تجرأت ونافسته على الرئاسة، فإن الجانب الإنساني تغلب عليّ. لم أفكر أبدا أن الاتحاد كان قد تضامن مع بعض الكتاب الذين أصيبوا بوعكات صحية، وأنني عضوة نشيطة فيه ومن المفروض أن يتضامن معي ولو بدفع مبلغ العملية، لم أفكر أبدا في هذا الموضوع، إلى أن نبهني أحد الاصدقاء لاحقا. بعد شهر من مغادرتي المستشفى، وبعد أن أعادت لي أختي المبلغ، سلمته للعلام مع كلمة شكر وامتنان. لكن لم يخطر على بالي أبدا أنه من الوضاعة بحيث تتحول مساعدة منه -هي مجرد سلف في النهاية- إلى شتيمة يوجهها إليَّ لتصفية حسابات فارغة.

كنت كلما حللت ببلد أوروبي يتعاملون مع إعاقتي بأسلوب يسهل عليَّ ارتياد جل الفضاءات. فعلى مدى 13 سنة التي استعملت فيها العكاز، كنت كلما حللت بأحد المطارات إلا وتكفلوا بنقلي عبر الكرسي المتحرك حتى وجهتي. وأذكر أنني كنت قد حللت في بداية الألفية الثالثة بحديقة للحيوان في مدينة ماس بالوماس (جزر الكناري)، والحديقة توجد في مساحة جبلية ذات مسالك وعرة، كنت مستندة على عكازي، رفقة صديقتين “سليمتين”؛ اقترحت عليّ المكلفة بالتذاكر كرسيا متحركا كهربائيا، وعندما طلبت صديقتاي نفس الشيء، رفضَتْ قائلة إنهما ليستا معاقتين. أذكر أنني تكفلت بحمل ابن إحدى الصديقتين معي في الكرسي فضلا عن حقيبتي يدهما وانطلقت مزهوة بما وفرته لي الإعاقة، إذ أصعد الجبل دون صعوبة، وأقف لأنتظرهما وهما يتبعاني لاهثتين، شاعرة لأول مرة أن الإعاقة يمكن أن تتحول إلى امتياز بدل أن تكون إعاقة. هذا في بلد يحترم الإنسان ويقدره كيفما كان نوعه أو قدراته الفيزيقية، لا في بلد يفرض عليك التعامل مع أشخاص شبيهين بعبد الرحيم العلام.

 الأنشطة التي تكلفت بها ولم أنجزها كردة فعل على مواقف العلام:

اتصل بي العلام ذات يوم طالبا مني جمع قصص قصيرة من القاصين المغاربة لنشرها ضمن كتاب، ستُمَوِّله إحدى البلدان الخليجية، وضعت لائحة رفقة الكاتب الصديق أنيس الرافعي حول كاتبات وكتاب مختلف أشكال الكتابة القصصية من المغاربة سواء كانوا داخل المغرب أو خارجه. تكلف أنيس الرافعي بالاتصال ببعض الكتاب الذين يعرفهم شخصيا، فيما تكلفت أنا بالباقي. خلال ما يقارب الشهر والنصف كان الكتاب جاهزا. قبل ذلك، كانت همتي قد بدأت تفتر وحماسي يتقلص لما لمست من سلوك العلام الذي لم يكن يخدم سوى أجندته الخاصة. بدأت أطرح على نفسي عددا من الأسئلة، وكانت فرصة تمويل الكتاب قد مرت، ولم يعد العلام إلى سؤالي عنه، ذلك أنني أرجح أنه لم يكن يهمه نشر الكتاب، ولا أعلم إن كان البلد الخليجي قد سلم العلام تمويلا بذلك أم لا. على كل، فالكتاب ما يزال عندي في حاسوبي، مع المجهود الذي بدله أنيس الرافعي مشكورا، ويمكن أن يتم نشره لاحقا، في إطار منتدى مبدعات بلا حدود الذي أترأسه حاليا، وذلك بعد الاستشارة مع مكتبها التنفيذي، وأخذ الإذن من كتاب القصة المساهمين.

النشاط الثاني يتعلق بتنظيم مهرجان الكتابة النسائية بآسفي، بحكم المهمة التي أضطلع بها داخل المكتب التنفيذي كمستشارة مكلفة بالمرأة الكاتبة، وقد هيأت مشروعا متكاملا لمهرجان دولي للكاتبات، غيرت بموجبه المهرجان من بعده العربي ثم المتوسطي إلى اكسابه بعدا دوليا.

سافرت إلى مدينة آسفي للتداول مع فرع الاتحاد هناك بشأن تنظيم الملتقى. استقبلني كمال أخلاقي بحفاوة كبيرة. تحدثنا عن مشاكل الاتحاد وكنت أعرف أن عبد الرحيم الخصار قدم استقالته من مهامه الإدارية ككاتب عام للفرع، ومع ذلك أخبرت أخلاقي برغبتي في اللقاء به.

       ذهبت مع أخلاقي (الذي يشغل منصب أمين مال الفرع) إلى عامل آسفي الذي طرحنا عليه إمكانية تنظيم ملتقى دولي حول المرأة الكاتبة، فتحمس لذلك مبديا استعداده لتوفير البنية التحتية، مقترحا مساهمة عدد من الفاعلين الاقتصاديين المتواجدين بالمنطقة. بعد الزوال التقيت بعبد الرحيم الخصار، وكان جميلا كعادته بابتسامته التي لا تبرح شفتيه. استمع إليّ وأنا أدافع على أهمية تنظيم ملتقى دولي يكرم كلا من فاطمة المرنيسي (قبل وفاتها) ونوال السعداوي، وأنا أقول أن لدي نفس الموقف من سياسة الاتحاد الحالية، وأننا أنا والشاعر عبد الدين حمروش نشكل أقلية داخل المكتب التنفيذي، وأنني أرغب في تنظيم هذا الملتقى فقط لأنه يكرم المرأة الكاتبة، ولا أرغب في إقباره، خاصة وأنه قد مرت آنذاك (في أواخر 2014) ست سنوات على آخر ملتقى شهدته مدينة آسفي.

جلست مع عضوي الفرع في أحد المقاهي المطلة على البحر، نتداول بشأن النشاط. عدت بأفكار كثيرة، وبإمكانية اشتغال أحد المحاسبين معي في التحضير للميزانية قبل عرضها على ممولين ينتمون للقطاع الخاص أو شبه العمومي. اشتغلت على تنويع الفضاءات التي كانت تتوزع على ثلاثة أماكن هي آسفي واليوسفية وبيت عيسى بن عمر في ضواحي آسفي.

أعددت أرضية النشاط، وساعدني المحاسب رشيد الفجاوي في تحضير حساب دقيق لماليته، وهيأت قائمة بعدد مؤسسات القطاع العام والخاص التي يمكن أن تساعد في تنظيمه، ثم بعثت بمسودة رسالة موجهة إلى رئيس جهة مراكش آسفي إلى عبد الرحيم العلام ليضع توقيعه عليها ويبعث بها إلى رئيس الجهة.. كانت الأمور تمشي على قدم وساق إلى أن حل ببيتي كاتب صديق أثق به كثيرا. عرج بنا الحديث على موضوع النشاط، فقال ذلك الصديق عبارة لن أنساها أبدا. قال “ليلى ما هذا الذي تفعلينه، أنت باللقمة في فم العلام وهو بالعود في عينيك”، وقد جعلتني هذه العبارة أوقف كل شيء، وأقرر أن أؤسس جمعية أنجز فيها ذلك النشاط وغيره من الأنشطة.

يبدو أن العلام لم يكن ذكيا لذا أضاع طاقة كبيرة في العمل كنت أتوفر عليها وكان الاتحاد سيستفيد منها. أذكر يوم انتخبت كاتبة عامة لفرع الرباط، وكان آنذاك عبد الحميد عقار هو رئيس الاتحاد، اقترب مني مبتسما بوداعة قائلا: “أنا سعيد بصعودك كاتبة عامة للفرع، هذا الأمر سيمكننا من تنظيم أنشطة كثيرة في الفرع، أعدك أن ننسق ذلك في وقته”. كانت ابتسامته وثقته في شخصي المتواضع، وفي مكتب الفرع حافزا لانطلاقنا في تنظيم عدد من الأنشطة. لكن هذا دليل آخر على أن العلام لم يكن يهمه الاتحاد بقدر ما كانت تهمه مصالحه الخاصة.

ومن بين الأدلة على رغبته في التقرب من أولي الأمر، كثرة الاتفاقيات التي وقع عليها الاتحاد في عهد العلام، مع عدد من الوزراء ورؤساء المؤسسات الثقافية الكبرى دون أن يليها أي تفعيل، ودون إيلاء أهمية لمنظمات المجتمع المدني. يمكن القول أن رئيس الاتحاد انتخب ديمقراطيا داخل المؤتمر، لكنه انقلب على الديمقراطية الداخلية للاتحاد من أجل مصالح خاصة، قضى بعضها وما يزال ينتظر المنصب الذي يأتي ولا يأتي.

لقد استفاد رئيس اتحاد كتاب المغرب من النظام المغربي الذي اعتمد “حكومة الظل” أكثر من اعتماده الحكومة المعلنة. وهكذا كان وما زال العلام يعتمد “مكتب الظل” داخل اتحاد كتاب المغرب، على رأسه محمد بوخزار وأنور المرتجي ورشيدة بنمسعود قبل أن يلتحق بهم بعض أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وهم الأشخاص الذين لا يفتأ العلام يستشيرهم في كل قرارات المكتب، بل ويستمع إليهم قبل اتخاذ بعض القرارات.

هكذا عندما قرر المكتب التنفيذي إجراء زيارة لرئيس الحكومة آنذاك عبد الإله بنكيران من أجل تقديم مطالب الاتحاد، ولدى اقترابي من المكتبة الوطنية حيث كان موعد لقاء أعضاء المكتب، أبصرت جمهرة من الكتاب، فخمنت أنهم ربما كانوا مدعوين إلى نشاط داخل المكتبة الوطنية لم أخبر به، لكنهم كانوا هناك لأن العلام كان قد استدعاهم جميعا إلى لقاء بنكيران دون استشارة مع المكتب. فمع من استشار إذن؟ كما أرجح أن قرار تنصيب محام للنظر في قضية المختلس خالد اعليوة بحكم كونه عضوا في الاتحاد، مع أن اسمه غير موجود في دليل الكتاب المغاربة، ولا يشرِّف الاتحاد أن ينتمي إليه عضو مختلس، بل كان عليه أن يطرده لو ثبتت عضويته، قلت أرجح أن يكون هذا القرار من اقتراح أحد أعضاء “مكتب الظل”.

 إضاعة الوقت والجهد والمال العمومي:

تطلبت المناظرة الوطنية للثقافة التي نظمها الاتحاد فترتين مختلفتين، الفترة الأولى اشتغل عليها عبد الدين حمروش وحده ثم انعقد اجتماع موسع للتحضير لها بمدينة إفران، وطبعا تم تنظيمها بأموال المؤسسات العمومية، ولا أعرف كم صرف فيها من الأموال، أما الفترة الثانية فقد بدأت في اجتماع للمكتب التنفيذي بمدينة طنجة (لاحظوا أن العلام بدأ يقترح طنجة كثيرا لرؤية ولديه المقيمان مع والدتهما هناك)، ثم بعد ذلك انعقدت في نفس المدينة يومي 9 و10 يناير 2015، وما تطلبه ذلك من أموال لا يعرف قدرها سوى العلام وأمينة المال.

لقد كنت مقتنعة بأهمية تنظيم اتحاد كتاب المغرب (كجمعية غير حكومية) للمناظرة، انطلاقا من البعد الترافعي الذي سيصبح للمطالب إزاء باقي المؤسسات الوزارية المتصلة بالثقافة، وقد أخبرني العلام نفسه المطالب التي سنجد عرقلة في تنفيذها سيصوغها البرلمان على شكل قوانين ملزمة لجميع الأطراف.

على أساس هذه الفكرة اشتغل جل أعضاء المكتب بهمة ونشاط في تهيئ المناظرة. لكن، وبعد مرور أكثر من سنتين ونصف على انعقادها، ظلت التوصيات حبرا على ورق، شأنها في ذلك شأن باقي المناظرات التي نظمتها وزارة الثقافة؛ ولم يترافع الاتحاد بشأنها كما كان متوقعا، لأن مكتبه منخور من الداخل وهو عاجز حتى على التوافق بين أعضائه فما بالك الترافع بشأن قضايا تهم الساحة الثقافية في المغرب.

إن التحضيرات التي اشتغل عليها المكتب التنفيذي حوالي الشهرين، كان عبد الدين حمروش قد اشتغل عليها وحده مدة بضعة أشهر، متكفلا وحده باستدعاء جل الكتاب الذين شاركوا في مدينة إفران. وتم كل شيء بشكل جيد، لدرجة أن عامل عمالة إفران أخبر أعضاء الاتحاد المشاركين، بعد جلسة عشاء في بيته، أنه قرر تمكين الاتحاد من إقامة في ضواحي إيفران لتفرغ الكتاب. لكن أحدا لم يكلف نفسه بالبحث عن تتبع ذلك الأمر، كما لم يكن لدي إحساس بالانتماء الكلي إلى مركز القرار داخل الاتحاد حتى أبحث في متابعة الأمر.

عند تنظيم المناظرة في طنجة، تغاضى عبد الرحيم العلام عن خلاصات اللجنة التحضيرية الأولى التي بعث بها عبد الدين حمروش إلى أعضاء المكتب التنفيذي، وأعاد المناظرة من البداية، وكأن اجتماع إيفران لم يتم. كما تم الاتفاق على استدعاء مثقفين آخرين، وتحضير أوراق عمل أخرى، على أساس أن تتم مناقشتها داخل المناظرة. بل وأكثر من ذلك، في اختتام المناظرة، وفيما كان العلام ينتحي مكانا في بيت الصحافة رفقة عبد السلام بنعبد العالي لتحضير البيان الختامي، كان شخص بدا لي غريبا آنذاك ولم يعرفه معظم الكتاب الحاضرين، يتصرف في المنصة وكأنه في إحدى الجلسات البرلمانية البئيسة. يخاطب الكتاب وكأنهم يشتغلون في ضيعة والده. قمت وسألته من يكون، ومن أعطاه الحق لتسيير الجلسة في غياب الرئيس. مد إليَّ بعنجهية بطاقته التي كتب عليها محمد الدريوش عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، قائلا إن العلام هو من كلفه بذلك. سأعلم فيما بعد أنه دخل في صراع مع إدريس لشكر بعد المهزلة التي قام بها هذا الأخير من أجل المشاركة في الحكومة. لكن أن يفرض رئيس اتحاد كتاب المغرب على الكتاب تسييرهم في جلسة أثناء المناظرة الوطنية للثقافة، من طرف رجل سياسة لا علاقة له بالكتابة ولا بالاتحاد، فهذا أمر يصيب بالذهول، ويبرز بما لا يدع مجالا للشك أن العلام يخدم أجندته الخاصة على حساب كل تلك الأقوام من المثقفين الذين جاؤوا وهم يحملون هم الثقافة المغربية. وقد فهمت يومها لِمَ لَمْ يحضر الكتاب الحقيقيون كمحمد الأشعري ومحمد برادة وعبد اللطيف اللعبي وحسن نجمي … وغيرهم من الكتاب الذين يحملون هم الثقافة بالدرجة الأولى.

إن العلام ذاهب باتحاد كتاب المغرب في نفس الطريق التي ذهب فيها إدريس لشكر بحزب الاتحاد الاشتراكي. فهو لا يدعو إلى اجتماع المكتب التنفيذي والثاني لا يدعو إلى اجتماع المكتب السياسي، وهو يصم آذانه على مطالب عدد كبير من الكتاب أعضاء الاتحاد والثاني يصمها على مطالب عدد من أعضاء الاتحاد الاشتراكي الرافضين لواقع الحال. وقد خلفت مناورة الاثنين وصول أحدهما إلى ما كان يرغب فيه، فيما ظل الثاني ينتظر الذي يأتي ولا يأتي.

إنني آسف أسفا حقيقيا على مصير الاتحاد. في الماضي القريب، أي ابتداء من 2006، كنت أحرج عندما يتهكم أحدهم (وما أكثر المتهكمين ولهم كل الحق في ذلك) على الاتحاد. وبصفتي كاتبة عامة لفرع الرباط للاتحاد آنذاك، فقد كنت أنظم أنشطة عديدة وكنت أحْرَجُ في دعوة الكتاب الحقيقيين باسم الاتحاد، لذا كنت أدعوهم باسمي الشخصي، وقد سعدت كثيرا لأن بعضهم لبى طلبي فقط لأنني أنا من أنظم النشاط وأكبرت فيهم ذلك. كنت أنظم النشاط وأقوم بتغطيته بحكم كوني صحافية في القسم الثقافي لوكالة المغرب العربي للأنباء، وكنت أجد بعض التهكم من بعض الزملاء الصحافيين لكوني أشتغل داخل اتحاد كتاب المغرب؛ هذا في زمن كنت قد أعلنت فيه أنا نفسي عن موت الاتحاد رسميا ضمن لقاء عقده المجلس الإداري للاتحاد بفندق فرح توليب بالرباط، حضرته منذ ما يربو عن عشر سنوات بصفتي كاتبة عامة لفرع الرباط، وأخذت الكلمة لأعلن عن وفاة الاتحاد.

عقدت اللجنة التحضيرية للمؤتمر خمسة اجتماعات، كأنها تحضر لمؤتمر الأمم المتحدة. إذ كان الهدف من ذلك هو رشوة العلام لأعضاء اللجنة التحضيرية، بالفنادق الباذخة وبالسفر إلى الأطلس المتوسط لاجتماع اللجنة وإطلاق نداء أوزود (؟؟). إنه ضحك على الذقون.

لقد ابتلي المغرب بحكومة فاشلة توقع على الاتفاقيات دون متابعتها، ولعل ذلك كان سببا في اندلاع أحداث الريف التي ما زالت نتائجها غامضة إلى الآن، فيما ابتلي الاتحاد برئيس لم يكف عن توقيع الاتفاقيات مع عدد من القطاعات الحكومية وغير الحكومية دون تتبعها فظلت حبرا على ورق، كأنها لم توضع يوما. بل حتى المناظرة الوطنية للثقافة التي تحمسنا لكون الاتحاد من ينظمها ظلت توصياتها حبرا على روق كمثيلاتها التي أنجزتها وزارة الثقافة على مر سنوات خلت.

إن من يتتبع الحساب الخاص على الفايسبوك لعبد الرحيم العلام، يكتشف أنه استبدل أعضاء المكتب التنفيذي بوفد عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وهكذا ففي لقائه بوزير الثقافة الجديد رافقه وفد من اللجنة التحضيرية وفي لقائه برئيس الحكومة الجديد رافقه وفد من اللجنة التحضيرية، كأني بالعلام يقول لأعضاء المكتب التنفيذي قاطبة، سواء منهم الموالي أو المعارض، أنا لست في حاجة إليكم، ويمكن أن أستبدلكم بأعضاء “أكثر أهمية” منكم. لأنه بسيط في تفكيره يفكر بمنطق التراتبية سواء في الكتابة أو في المناصب.

لقد مرت الآن أكثر من سنتين على تاريخ انعقاد المؤتمر التاسع عشر للاتحاد. وهياكل الاتحاد تشتغل منذ سنتين بطريقة غير قانونية، وكل ما فعله العلام خلال هاتين السنتين يعد غير قانوني. إن الهدف من هذا التسويف هو ضمان مزيد من الأسفار خارج المغرب وما تجلبه من امتيازات وكذا ربح الوقت للبحث عن منصب سام. أعتقد أنه إذا يئس من التسويف فقد يلجأ، وقد لجأ بالفعل، إلى أفواج من الكتاب من الدرجة الثانية والثالثة الموالين له، والذين حصلوا على بطاقة العضوية خلال ولايته، ليضمن تصويتهم عليه في المؤتمر القادم؛ بل أكثر من ذلك، فقد لجأ كآخر محاولة، إلى وضع رقم حساب بنكي غير صحيح في البلاغ الذي نشره حول انعقاد المؤتمر التاسع عشر، حتى يضمن بذلك حضور الموالين له من الكتاب فقط؛ لذا أهيب بجميع الكتاب إلى استعمال حساب البريد بنك رقمH81059 وكالة البريد بنك بالرباط.

 أحب أن أخبر الجميع أنني وجهت رسالة إلى كل من رئاسة الحكومة والمجلس الأعلى للحسابات ووزارة الاقتصاد والمالية أطلب منها أن تحقق في التجاوزات وربما “الاختلاسات” التي تمت داخل الاتحاد، وليحققوا معي أنا أيضا، فأنا على الرغم من كوني داخل مراكز القرار فإنني لا أعرف شيئا ذا شأن في هذا المجال، فقط لأن العلام وأمينة المال حريصان على التستر حول هذه الميزانية.

في انتظار ما سيسفر عنه تحقيق المجلس الأعلى للحسابات وباقي من توصلوا بطلبي، أعلن أنني الآن مستعدة لكل شيء. فقد صدحت بالحق إبان سنوات الرصاص وتلقيت ما تلقيت على أيدي السلطات المغربية، كما صدحت به في الدورة الحالية للمكتب التنفيذي للاتحاد وتلقيت ما تلقيت من إهانات من طرف الرئيس وزبانيته، ومع ذلك فلن أكف عن قول الحق والتعبير عن رأيي بكل حرية؛ ولو استدعى الأمر المواجهة عبر المحاكم.

 عن موقع “الأول”

ملحوظة: كل من رأى في المقال مسا بشخصه الاعتباري أو الوظيفي فحق الرد مكفول له


احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.