رَاسْ بُوتِينْ حَي يُرزق !

0

زكية حادوش

في إطار “استحضار” تاريخي لآخر شهور وأيام عائلة “رومانوف”، بمناسبة مرور مائة سنة على “ثورة أكتوبر” البلشفية، بثت قناة “آرتي” شريطا وثائقيا حول النهاية المأساوية لقيصر روسيا وعائلته، على لسان السويسري “بيير جيار” الذي كان مربياً لولي العهد أليكسي ميخايلوفيتش، الدوق الكبير، وهو لقب يرثه أبناء القياصرة.

كما تعرفون، انتهتْ القيصرية بروسيا إبان ثورة أكتوبر وجاء عهد الاتحاد السوفياتي في أكتوبر 1917، رغم أن القيصر نيكولا الثاني تخلى عن العرش في مارس من نفس العام لصالح أخيه، الذي رفض الجلوس على عرش “ملغوم” بأوضاع سياسية واجتماعية كارثية وحرب مع ألمانيا أتتْ على الأخضر واليابس. فاستلمتْ حكومة انتقالية مكونة من “المناشفة” الحكم، لكن مناورات هذه “الطبقة البورجوازية” أدتْ إلى تطاحن إيديولوجي بينهم وبين البلاشفة أدى إلى حرب أهلية واستنجاد المناشفة بقوات أجنبية. هكذا قام الجيش الأحمر الثوري بقطع الطريق على الجيش الأبيض حين واجه جيشُ الفلاحين والعمال والطلبة ومعهم الجيش المتمرد آخر “جيوب مقاومة التغيير”.

لكن مصير القيصر وعائلته ظل معلقاً على رأس رفاق لينين وتروسكي كسيف “دامُقليس” حتى قرر أفراد من الجيش الأحمر إبادتهم، على هامش ثورة أكتوبر، حتى لا تعود القيصرية إلى بلادهم أبداً. وقد أورد الشريط المذكور شهادات مؤثرة من كتاب الراوي “جيار” عن هذا الفصل الدموي من تاريخ روسيا، وتقارير الطب الشرعي في أواخر القرن الماضي الذي اشتغل على الموروث الجيني لما تبقى من جثث العائلة القيصرية، بما لا يدع مجالا للشك بأن جميع أفراد العائلة قُتلواْ ومعهم دُفنتْ القيصرية.

هذه قصة معروفة وما يهمنا من ذكرها الآن بعد مرور مائة عام عليها، ومرور ما يناهز ثلاثين سنة على “انهيار” الاتحاد السوفياتي (وليس انهيار روسيا أو الاشتراكية بالتأكيد)، هو أخْذُ العبرة. فالماضي لا يصلح للبكاء على “الميت” خصوصا إذا كان الميت لا يمِتُّ إلينا بصلة (أو هكذا نعتقد)، لكنه حتما يصلح لتلقيننا دروساً فيما يجب القيام به وفيما ينبغي تفاديه بأي ثمن.

بالنسبة لي يمكن استخلاص الدرس الأساس في آية: ” ومن أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم “؛ لأنه بالبحث في أصل المشكل على المستوى الشخصي، إضافة إلى العوامل الداخلية والخارجية المرتبطة بالحرب العالمية الأولى، نجد أن زوجة القيصر “ألكسندرا” الألمانية (العدوة بالنسبة للشعب الروسي) قربتْ منها “المعالج/العراف/الدجال” راسبوتين قصد العناية بابنها ولي العهد لأنه الذكر الوحيد الذي أنجبته. وبما أن ابنها كان مصاباً بمرض الهيموفيليا، وهو مرض قاتل آنذاك، سلمت رأسها كليا للكاهن راسبوتين وصار القيصر الذي لم يكن من طينة رجال الدولة يخضع لنفس السلطة الرمزية التي تخضع لها زوجته. لذا لم يتخذ القرارات الحاسمة التي كان من الواجب ومن المستعجل اتخاذها، ولم يستغل الفرص التي مُنحتْ له للإصلاح وتقويم الأوضاع وعقد هدنة مع الألمان قبل تفاقم الأوضاع. كما كان يأمر بالقمع الدموي لأي تمرد للشعب الروسي، لأنه رجل “عسكر” من جهة، ولأن القيصرة لم تكن تعرف، في هذيانها الديني، سوى طريقة واحدة لممارسة السلطة: الحكم الأوتوقراطي الديكتاتوري. ولا تعرف أي وسيلة للتواصل مع الشعب غير لغة القمع العسكري والتسلط باسم الدين. لذلك، وبعد استفحال الأمور، وبمشورة بعض أفراد حاشية القيصر الآخرين تقرر اغتيال “راسبوتين” لكن بعد فوات الأوان… والبقية تعرفونها.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.