لماذا #مقاطعون ؟

0

نورالدين اليزيد

بالنظر إلى الأبعاد ذات الحمولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي اتخذتها حملة ” #مقاطعون”، التي تبناها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة بعض المنتوجات الاستهلاكية بسبب ما رأوه غلاء في أسعارها واحتكارها للسوق، فإنه وإن كان من اليسير التسليم بأسبابها تلك المعلنة من قِبل المقاطعين إلا أن الإجابة عن سؤال “لماذا” تبقى عسيرة الإحاطة بها كاملة على أي كان، لاسيما أن هذه (لماذا) التي تهم الأسباب تتضمن بالضرورة (لماذا) أخرى تستحضر “الزمان” الذي يعيشه المغاربة جميعا والمقاطعون تحديدا، حتى لا نُعمم !

لماذا مقاطعون؟ سؤال تطلب منا في محاولة لملامسة الإجابة عنه، مواكبة ما يروج لها النشطاء وما قابله من ردود فعل لبعض الفاعلين السياسيين والاقتصاديين الذين وجدوا أنفسهم مضطرين وسط “الحملة”، فكانت هذه الوقفات التي جاءت عبارة عن تدوينات على صفحتنا في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) واستمرت لثلاثة أيام؛

(1)

قبل أزيد من 4 سنوات تقاسَم كاتب هذه الكلمات معلومة على جداره تتعلق بالرقم الفلكي الذي تجنيه الشركة صاحب نوع الماء الذي يستهدفه المقاطعون، وكان التفاعل جارفا ومبهِرا من قِبل رواد الفيسبوك، بحيث تما تبادلها من نحو 4 آلاف ناشط فيسبوكي !

اليوم يعلن نشطاء عن مقاطعة منتوجات هذه الشركة، والتي هي في الأصل خيرات طبيعية لهذا الوطن، إضافة إلى منتوجات شركة للحليب ومنتوجات شركة للمحروقات (وكلها تذر على أصحابها الملايين يوميا)، وبغض النظر عن خلفيات دعاة المقاطعة هاته فإننا نرحب أيما ترحيب بمثل هذه الخطوات أو المبادرات، على اعتبار أنها وإن لم تفقِر هؤلاء ولم تغن الشعب مِن جوع فإنها على الأقل توصل رسائل إلى من يهمهم الأمر.. الجشِعون!

(2)

واهِم من يعتقد أن المقاطعة التي أعلنها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي -لا يَهم مَن يكونون- لن تُزلزِل الأرصدة البنكية لأصحاب تلك المنتوجات!

في المقابل يمكن التساؤل أليست هي زلزلة في وعي المواطن/المستهلك الذي بات يعي جيدا مدى الغبن الذي يعيشه وهو يرى 1 لتر ونصف من الماء يشتريه بـ 6 دراهم بينما مياه من قيمته أو أفضل في بلد كفرنسا قد تصل إلى أقل من 1.5 درهم للتر، عِلما أن الدخل الفردي هناك (فرنسا) أكبر بكثير من الدخل عند الفرد هنا (المغرب) ؟

(3)

يقال “الرأسمال جبان”، وهل هناك جُبن أكثر من أن يخرج مستهدفُون بالمقاطعة بتصريحات غريبة ومرتبَكة ترمي المقاطعين بـ”خيانة الوطن” متجاهلين الخيانة العظمى المتجلية في الاحتكار ونهب جيوب المواطنين/المستهلكين؟

(4)

لتعرِف أن المقاطعِين نجحوا وأن أصحاب المنتوجات المُقاطَعَة خسروا، أنظر إلى خرجاتهم الإعلامية وانظر إلى أذنابهم وأبواقهم وتصريحاتهم المرتبكة والمذعورة؛ فهم تارة لا يترددون في وصف المقاطعِين بـ”المداويخ” و”الاستحمار” و”الغباء” وغيرها من الأوصاف القدحية، وتارة أخرى لا يترددون في الاستجداء عبر “المصلحة الوطنية” و”الاقتصاد الوطني” المفترى عليهما!

نستطيع القول أن المصلحة الوطنية لن تقوم لها قائمة في ظل وجود شركات جشِعة لا تريد غير مصلحة مالكيها.. إن المصلحة الوطنية هي أن يكون الوطن للجميع.. مارسوا تجارتكم لكن لا تمصوا دماءنا نحن أبناء هذا الوطن!

(5)

دعْك من البحث عبثا عمن يقف وراء المقاطعة، ولنفرض أنه الحزب الحاكم الذي نفتخر بأننا انتقدناه وننتقده أكثر بكثير حتى من أشد أعدائه وخصومه الذين يحاولون اليوم بشكل متعمَّد ومضلِّل إلصاق حملة المقاطعة به..

الذي يقف وراء المقاطعة هي هذه العناصر.. الجشع والاحتكار و”الحكرة” !

إنه الثالوث الذي لا يحتاج لا إلى حزب ولا نقابة ولا جمعية ولا وسيلة إعلام موجّهَة، بل يحتاج فقط إلى رغبة في الاحتجاج سلميا وبعيدا حتى على الشوارع لِئلا تصلها عصا السلطة !

(6)

عندما يعجز (أو يتهرب) وزير المالية محمد بوسعيد أمام مؤسسة برلمانية عن تقديم إجابة واضحة ومحددة على سؤال: مَن هم المتهرِّبون من أداء الضرائب، وكم هي قيمة هذه الضرائب المتمَلَّص عن أدائها؟ ويشتِم بالمقابل بسهولة وبسبق إصرار وترصد فئةً من المغاربة ويسميهم “المداويخ” (أي الحمقى)، فاعلم أن مثل هؤلاء المسؤولين هُم مَن تسببوا ويتسببون في خلق مزيد من الشركات والأباطرة الذين لا يترددون في التهرب من أداء الضرائب، فبالأحرى في مص دماء المواطنين/المستهلكين.. واعلم بالتالي أن أي احتقان أو مقاطعات فمثل هذا الوزير هُم السبب!

(7)

أن يكون لك موقفُ الرافِض لمقاطعة الجشعِين فهذه حريتك الشخصية، كما هي حريتك الشخصية أن تكون حتى مطبلِّا وساعيا ومتزلفا إلى فتات موائدهم الباذخة، لكن أن تقحم الرافضين عنوة وبسوء نية في زمرة حزب “بيجيدي” (العدالة والتنمية) والمقاطعون أبرياء حتى من هؤلاء الذين خذلوهم ويخذلونهم وهم في الحكم، فهذا اسمه التدليس والتزوير والتضليل وتزوير التاريخ !

(8)

عندما خرج الناس للاحتجاج اجتماعيا في مدينة الحسيمة اتهموهم بالانفصال واعتقلوهم، وعندما خرج آخرون بمدينة جرادة لنفس المطالب حشروهم رغما عنهم مع جماعة محظورة (العدل والإحسان)، وعندما خرج مغاربة آخرون بمدينة زاكورة عطشى مُطالبين بجرعة ماء، تملصوا من المسؤولية وألبسوها قصرا بالدلاح والدلاح براءٌ منها، وعندما خرجوا رافضين جشع من يُنعتون “الحيتان الكبيرة” التي سمنت من التخمة بمص دمائهم سموهم “المداويخ” (الحمقى)، إن مسؤولين يلوذون إلى نظرية المؤامرة دائما بدل فتح أبواب الحوار مع الناس هُم مسؤولون فاشلون بامتياز لا يستحقون المناصب، وكل ما يستحقونه هو الرجم بالبيض الفاسد، وهذا أضعف واجب وطني إزاءهم !

(9)

واهم أيضا مَن يعتقد أن ذاك الوزير غير المسؤول الذي رمى فئة من الناس بالحمق وسماهم “المداويخ”، لم يكن يقصد “شعيبة” كافة دون استثناء (آسف على استعمال المصطلح المهين)، بحيث أن صِدق أي شخص وما صدق إحساسه تكتشفه إما إذا سَكر أو انفعل، والوزير وأعضاء حزبه منفعلون اليوم أيما انفعال بسبب المقاطعة التي كبدت كبيرهم الذي علمهم “إهانة” الناس و”السطو” على أصواتهم الانتخابية وجيوبهم،  (كبدت)الملايين التي لم تدخل الحسابات البنكية العديدة!

كان سينطبق عليهم وصف “المداويخ” إذا بقوا يراهنون كما تراهنون على النزول إلى الشوارع للاحتجاج فتقمعهم القوات القمعية، فيتوارون وتستمرون وتواصلون ويواصلون مص الدماء، عبر الرفع من الأسعار في ظل الغياب المريب لرقابة الأجهزة الحكومية !

إن “المداويخ” لا يبدعون وسائل احتجاج تعجز كل الأدوات القمعية على صدها!  وإن “المداويخ” هم المسؤولون مثلك أيها الوزير، الذين يندفعون كالحمقى دون أن يبالوا بمسؤولياتهم الحساسة واضعين مصلحة البلاد والعباد على فوهة بركان وأمام المجهول!

(10)

هذه الأيام كلما دخلتُ مقهى وجدتُها غيرّت منتوج علامة الماء الذي يقاطعه الناس بنوع آخر من الماء.. وعندما أسألُ عن السبب يجيبونك: نحن أيضا مواطنون نقاطع ما يقاطعون!

ويأتي بعد هذا وزيرٌ أخرق ويسمي كل هؤلاء “المداويخ” !

طيب سنرى من هُم “المداويخ” حقا ؟

(11)

من حقي أن أسمي الأسماء هنا بمسمياتها ولا حرج، عندما يتعلق بمنتوج يقاطعه المقاطعون، لكنه لا يكف عن استفزاز المستهلك بشتى الطرق؛ فقد توصلت في عز المقاطعة برسالة نصية إلى هاتفي المحمول، من شركة “أفريقيا” للمحروقات، وهي رسالة تغريني باستعمال “كارط الوفاء” (carte de fidélité) للظفر بجائزة رحلة لحضور مونديال  روسيا الصيف المقبل، علما أنه سبق لي استعمال هذه البطاقة في السنوات الأخيرة مرارا، وكنت أحرص على التعامل مع هذه محطة بيع المحروقات التابعة لهذه العلامة التجارية، التي يملكها الملياردير والوزير عزيز أخنوش، لأجل التزود بمازوط سيارتي، قبل أن أفطن إلى أنها كانت مجرد لعبة من الألاعيب وطريقة للتدليس والنصب على الزبناء، بحيث بعد ضخّي آلاف الدراهم لفائدة هذه الشركة لم أفُز ولوْ بلِتر واحد مازوط مجانا، وكثيرٌ من العاملين بمحطات هذه الشركة كانوا يردُّون علي بغيرِ قليل من التهكم والسخرية عندما كنت أسأل مجرد سؤال بريء، متى سأفوز؟

اليوم وفي عز معاناتهم يرفعون سقف الجائزة الوهمية.. كم هُم “مداويخ” وبُلداء أكثر من بلادتي التي جعلتني أُصدِّقهم وأثِق في تدليسهم ذات أيام؟

(12)

القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار والوزير السابق منصف بلخياط  تحدث بكل غباء وصفاقة في سياق رده المرتبِك على حملة ” #مقاطعون”، عن “الفوارق الاجتماعية” وكأنها ميزة أو مُسلّمَة بديهية تُميز كل المجتمعات ! ويبدو أن هذا “المدوخ” والسياسي الأرعن والوزير السابق (يا حسرة)، يجهل أن الفوارق أو التفاوتات الاجتماعية، هي واحدة من أخطر وأكبر أعطاب السياسات العمومية، عندما تكون فاسدة بسبب فساد الحكام، مِن مثل هذا المتشدق دفاعا عن زبانيته من أصحاب المنتوجات المستهدفة بالمقاطعة!

مِثلكم هُم الأخرقون وهم “المداويخ” وهم الأغبياء، الذين بدل اللجوء إلى أساليب السياسة وأدواتها، وهي كثيرة، في التعامل مع المحتجين والانفتاح عليهم ومد الجسور نحوهم، يسارعون إلى رشقهم بِما ليْس فيهم، وهذا موقفُ إما الجبناء أو الكذابون أو الضعفاء !

(13)

أن يكون مقاطعوك هم “المداويخ” لكنهم يستطيعون صد الزبناء عن منتوجات استهلاكية بمجرد دعوات افتراضية، بينما لا تستطيعون أنتم أصحاب الجاه والسلطة والثروة استرجاع الناس بعدما انفضوا من حولكم رغم الإغراءات بالجوائز ورغم التنشيط الموسيقي الذي أثار انتباه فقط بعض الأطفال، كما لوحظ في العديد من محطات بيع الوقود التي يقاطعها المقاطعون، فهذا يعني ببساطة أنكم أنتم “المداويخ”، وأن المقاطِعِين هم أصحاب رأي سديد وأصحاب قضية!

 (14)

واهم من يحاول قلب الحقائق واقناع الناس عبثا بأن الحملة التي يمكن تسميتها أيضا ولا حرج حملة “المداويخ”، لن تضر إلا القائمين بها ولن تؤثر على الأرصدة البنكية للشركات المستهدفة، كما لن تزعزع الرؤية الأمنية للسلطات التي ألِفت استعمال القمع لتفريق الاحتجاجات !

المقاطعة كما أسلفنا عدا عن كونها طريقة رائدة وخارقة للعادة في فعل الاحتجاج قادرة على إيصال صوت الشعب لمن يهمهم الأمر، وبأقصى سرعة وبأبلغ رسالة، فإنها تعتبر علامة فارقة في وعي المواطن، الذي يؤسس اليوم لنضال جديد ومبدع، لا يحتاج لا إلى وعامة نقابي متملق ولا إلى قيادة سياسي انتهازي!

#خليونا_ساكتين

[email protected]

https://www.facebook.com/nourelyazid

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.