الجنون فنون!

0

زكية حادوش

بداية الأسبوع الماضي أحيل مدير ما يسمى “معهد ألفا الإسرائيلي لتدريب حراس الشخصيات” على مستشفى الأمراض العقلية ببرشيد من طرف محكمة بني ملال، علما أن مقر المعهد المذكور ومديره – كما جاء على لسانه هو في استجواب لهسبريس – كائن بمدينة خنيفرة.

الخبر الحقيقي ليس هو محاكمته وإحالته على الطب النفسي في ظرف قياسي بعد إثارة القضية على الواجهة الإعلامية، ولا استضافته بعيداً جداً عن “معقله” ومعقل “تلك السلطات التي اعترف المعني بالأمر أنها كانت على علم بقدوم “مدربين” إسرائيليين إلى المغرب قصد تأطير دوراته التكوينية “الأمنية”، وأنها رخصتْ رسمياً للمعهد وأنشطته، ولكن الخبر هو إحالته على رمز الجنون في الذاكرة الجماعية لجميع المغاربة.

فكما تعلمون جميعاً، مستشفى الأمراض العقلية ببرشيد هو مرادف “الجنون” بامتياز في بلادنا، وكما تقول الأغنية الشعبية المعروفة “سطات يسطي وبرشيد يداوي”. إذاً، من يحال عليه، حتى وإن كان لمجرد إجراء خبرة نفسية، أو حتى من قام بزيارته لغرض ما يدخل مباشرة في عداد “الحمقى بأوراقهم”!

لا أريد أن أدخل هنا في الطب النفسي والعقلي وفي صحة المغاربة النفسية والعقلية، فهذا موضوع ذو شجون وسبق أن أثرته أكثر من مرة (بأرقامه المهولة من حيث تجاهل هذا الجانب وإهمال الأمراض النفسية من طرف السياسة الصحية ببلادنا إن وُجدت وضعف البنيات التحتية المرافقة). أريد فقط أن أعلق على رمزية إحالة شخص على “الرازي” بما تحمله من إخلاء مسؤولية “المسؤولين” الحقيقيين. فليس هناك أهون من الدفع بجنون فردي كلما تعلق الأمر بفضيحة مجلجلة أو بجريمة نكراء، وليس هناك أسهل من إلقاء المسؤولية على فرد واحد حين تتداخل المسؤوليات الرسمية، أو التبرؤ من شخص صار “محرِجا” بتصريحاته أو لمجرد كونه حظي بحماية “ما” ثم تبين لحُماته أن صلتهم به صارت “مشبوهة” وقد تضعف نفوذهم أمام منافسيهم على دوائر “القرار” المزعوم.

أعرف أن الخوض في هذه المسائل غالباً ما يؤدي إلى تهمة “الجنون” في هذا البلد السعيد، ولا أتذكر كم مرة حظيت بهذا النعت (للحقيقة والتاريخ أغلبية من ألصقوه بي ينتمون إما إلى فئة أصدقائي الحمقى الأعزاء أو إلى صنف الانتهازيين الظرفاء!). لا بأس ما دام الجنون فنون وما دام من يحكم “أقوى” بلد في العالم هو دونالد ترمب الغني عن التعريف…

لكن أفضل ألف مرة جنون التمسك بالمبادئ في زمن المصالح وجنون الدفاع عن المواقف ودفع ثمن ذلك وجنون اتخاذ القرارات ثم تحمل مسؤوليتها، على “جنون العظمة” والتهرب من المسؤولية وعبادة الأشخاص والمصالح. أفضل جنون السباحة ضد التيار على جنون من يسبح وهو خائف من البلل! كما أفضل حمق من يزرع فوق السطح على بلادة من “يخمس” معه.

هناك خيط رفيع بين الصحة العقلية والمرض العقلي، كما هناك خيط رفيع بين الشجاعة والتهور. وفي حالتنا هاته، ربما راح مدير المعهد المذكور ضحية تهوره الأخرق، لكن من يجب مؤاخذتهم هو من رخصوا أو على الأقل مكنوا شخصا “أحمقا بأوراقه” من إجراء تدريبات شبه عسكرية استخدمت فيها فنون القتال والأسلحة البيضاء وغير البيضاء، حتى وإن قيل إنها “قشاوش عاشوراء”. عفواً ربما ليست مفردة “عاشوراء” مناسبة الآن، في هذه الظرفية “الحساسة” بين المغرب وإيران…موضوع آخر يستحق التتبع. فإلى اللقاء في مقال آخر!  

 

 

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.