اللباسُ لا يصنعُ الراهب!

0

زكية حادوش

خلال الأيام القليلة الماضية، قرأتُ أو شاهدتُ بعض الأخبار أستطيعُ القول إن الخط الرابط بينها هو “الخرقة”… خرق تختلف أسماؤها وأشكالها لكنها تظل قطع ثوب أثارت جدلا على مواقع اللااتصال الاجتماعية وأفردتْ لها الجرائد الورقية والالكترونية حيزاً ضمن موادها.

الخرقة الأولى على صلة بالنزهة الباريسية لوزير في “المحكومة” الحالية، حيث وقع لهذا الوزير القيم على تشغيل أبناء هذا الوطن اليتيم ما كان متوقعاً أن يحدث. فقد “حصَّلته” الكاميرا المعلومة وهو يتنزه في شوارع العاصمة الفرنسية ماسكاً بيد شابة “متبرجة” أو “سافرة” على حد تعبيره وإخوانه في حزب الدين السياسي وتنظيماته الموازية.

ما همنا أن تكون خطيبته أو صاحبته أو أنها في سن ابنته، فهذه أمور عادية تحدث في كل بلد محترم، لكن ما يهمنا هنا هو النفاق الاجتماعي لإخوانه وأخواته في “الملة” الذين سارعواْ إلى “التبرؤ” منه بالقول إنه أخطأ وإن ما آتاه ليس من شيمهم! يا سبحان الله! أليس من شيمهم الخطأ؟ أم أن القضية كلها تكمن في “خرقة” لا ترتديها الفتاة على رأسها؟ وبالتالي، وحسب “وعيهم الطبقي”، فهذه الفتاة ليستْ من طبقتهم، طبقة المتخذين الدين والآخرة (بنعيمها وجحيمها) مطية لبلوغ مقاصد دنيوية تبدأ بصناديق الاقتراع وتنتهي بالجلوس على كرسي في المحكومة وإطلاق اليد وأعضاء أخرى لشهوات الدنيا.

يبدو أن الحجاب للنساء عند الحركات الإسلاموية أصبح مثل “الكيبا” التي تحولتْ على مر العصور من غطاء رأس للرجال اليهود إلى رمز للانتماء إلى الحركة الصهيونية، بها يعرفون بعضهم وبها يقصون كل من ليس منهم.

ولا أدل على ذلك (وهي الخرقة الثانية هنا!) من إقدام “ناشطة يوتوبية” محسوبة على العدالة والتنمية (مايسة سلامة الناجي) على نزع حجابها وإعلان “توبتها” من التعاطف مع حزب العدالة والتنمية، وفضح بعض سلوكات محكومته “المنافقة” فيما يتعلق بمحاربة الفساد وأشياء أخرى.

الخرقة الثالثة التي استمرتْ المسطرة القضائية بشأنها ثلاث سنوات، هي “منديل” الفلسطينية رانيا العلول التي رفضتْ قاضية في المحكمة الكندية الاستماع إليها في قضية حجز سيارتها حتى تنزع حجابها. فرفضتْ رانيا ذلك، ولجأتْ إلى محكمة الاستئناف في الكيبيك التي أصدرت حكماً بعد ثلاثة سنين يقضي بحقها في ارتداء غطاءٍ للرأس داخل المحكمة إنْ شاءتْ ذلك. يحيا العدل في بلاد “الكفار”!

أما الخرقة الرابعة فهي “نقاب” رضوان الفايد الذي سمح له بالتواري عن الأنظار لمدة ثلاثة شهور بعد هروبه بطائرة هليكوبتر من سجن “ريو”  بمدينة “كريي” بفرنسا حيث كان يقبع بتهمة السطو المسلح وقتل شرطية. اِعتقلَ رضوان من جديد في شقة تقع على مقربة من السجن الذي سيعود إليه بالتأكيد. كما من المؤكد أنْ يستغل السياسيون وربما المشرع في فرنسا حادثة هذه “النقاب” الذي اختبأ تحته هذا “اللص” لتجذير موقف الجمهورية من “الهجرة” و”الإرهاب”… رغم أن “الخرقة” المعنية لا علاقة لها بكل هاته الأمور. لكن انظرواْ كيف تتحولُ مجرد قطعة ثوب إلى مدعاة للفتنة، حتى في الدول “المتقدمة”، فكيف لا في دول “متخلفة” قامتْ فيها حروب طويلة بسبب سباق للخيل، أو ناقة عجوز شمطاء، أو قطعة أرض بحجم “ضيعة” صغيرة، أو اختلاف  في تأويل جملة؟

بخلاف أبناء فرنسا الذين يتنكرون اليوم لمثلهم الشعبي: اللباس لا يصنع الراهب (l’habit ne fait pas le moine)، نجد أنفسنا نؤكد مثلنا الشعبي “إنْ لم تستحيِ فافعل ما شئت”، وليس فينا من يستحيي من نفاق الشعب بالخرق واللحي للحصول على أصوات انتخابية تسمنهم وتغنيهم من جوع، مقابل تفقير جل المغاربة أكثر ووضع المغرب ومستقبل أجياله على كف عفريت. كما ليس فينا من يستحيي من تملق الحاكم وتأبيد تسيير شؤون الأمة بوصفات مخزنية قديمة “راشية”، حتى صار هذا البلد شبيهاً ب”جوطية للخرق البالية”!

 

 

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.