… ولن نحصد إلا ما زرعنا؟

0

زكية حادوش

“مصائب قوم عند قوم فوائد”، هكذا قالت العرب قديماً، وربما استنسخنا نحن المغاربة هذه العبارة وطبقناها بالشكل المطلوب على مر العصور، أي بدون رحمة ولا شفقة. لكن بما أن العالم لم يكن قرية صغيرة كما هو الآن كانت “انتهازيتنا” مستورة.

الآن ومع “شوهة” وسائل الاتصال الحديثة، صار كل شيء مفضوحاً. هكذا سمعنا ورأينا ما يتقزز منه كل إنسان سوي نفسياً، أشخاص سماهم بعض الصحافيين والمعلقين بالمشرمِلين، وأنا أسميهم “الضباع”، انقضواْ على ضحايا حادث انقلاب قطار “بوقنادل” يوم الثلاثاء 16 أكتوبر، وسلبواْ مَنْ كانوا يحتضرون ما يملكونه من هواتف وساعات ونقود بل وحتى ملابس واكسسوارات (بشهادة شهود عيان من الناجين أو الجرحى أو المتفرجين). ولولا وصول رجال الدرك إلى عين المكان لَخلفواْ وراءهم جثثا عارية تماماً وضاعفواْ من عدد الجرحى وخطورة الإصابات وقد يجهزون على ضحية على قيد الحياة لأنها تمسكت بحقيبتها!

كان الأمر أشبه بساحة معركة للسلب والنهب، على حد قول فتاة كانت على متن القطار المنكوب في اتصال لها بإحدى الإذاعات، إلى درجة أنها سارعت إلى الاختباء داخل مرحاض العربة وإحكام إغلاق بابه، علماً أن تعليمات السلامة تنص في مثل هذه الحوادث على إخلاء القطار والابتعاد عنه لأن طبيعة الحادث لم تكن معروفة لحظة وقوعه واحتمال انفجار العربات وارد. فضلت المسكينة مواجهة أي خطر صادر عن القطار على مواجهة الوحوش الآدمية في الخارج.

قبل هذا، قال ملك البلاد في خطبته بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان يوم الجمعة 12 أكتوبر الجاري، إن “المغرب يجب أن يكون بلداً للفرص، لا بلداً للانتهازيين…”. ومباشرة بعد انتهاء مراسيم الافتتاح انقض بعض نواب الأمة على “الحلوى” ونهبوها وربما سرقوا حتى الماعون، حسب ما تداولته وسائل الإعلام من صور وفيديوهات للواقعة.

قد يقول قائل سرقة الموتى والجرحى ليست كسرقة الأحياء والأصحاء، وعندي جوابه: هل تعتقدون أن من يتعرض للسرقة نهاراً جهاراً، ولا يدافع عن نفسه حي فعلاً؟

والحال أن كل من عبر عن استنكاره للنهب الممنهج الذي يخضع له المال العام أو قدم إثباتات عليه يتعرض للانتقام من طرف اللصوص الكبار الذين سلمت لهم زمام أمور الرعية، من قبيل استئمان الذئب على قطيع الغنم!

الأدهى هو أن تلك الصور التي أشعرتنا بالغثيان، سواء حكايات الإغارة على ضحايا القطار أو الإغارة على حلوى البرلمان، فيها نوع من المغالطة وتحاول إقناعنا أن الشعب هو المذنب في إطار قاعدة المخزن القديمة/الجديدة: “على نفسها جنت براقش”!

البروباغاندا الرسمية والموالية لها عن قصد أو غير قصد، تريدنا أن نقتنع بأننا نحن من فشلنا في تربية أبنائنا وبالتالي أنتجنا ظاهرة “التشرميل”. ونحن من لم نحسن الاختيار حين صوتنا في الانتخابات على تلك الأحزاب وأولئك الأشخاص، وحقيقة الأمر أننا لم نخترهم. فبنسبة مشاركة بلغت 43 بالمائة في انتخابات 2016، يمكن القول أن أحزاب ما يسمى بالأغلبية الحكومية لم تحصل حتى على ربع أصوات المسجلين في اللوائح الانتخابية وحتى المسجلون ليسوا أغلبية البالغين سن التصويت، أما المعارضة فتقاسمت بالتساوي مع أحزاب المحكومة نحو 6 ملايين صوت ونصف. فهل هذه الأرقام تعني أننا اخترناهم ونتحمل وزر ذلك؟ حاشا ولله!

حتى إن افترضنا أننا اخترنا “سارقي الحلوى”، فهل يمثل هؤلاء جميع الأحزاب والبرلمان بغرفتيه؟ لا، ففي البرلمان أشخاص لا يأكلون الحلوى وفي الأحزاب مناضلون لا يعرفون من أين تؤكل الكتف ولا يريدون أن يعرفوا. كفى مغالطة، فشخصياً أعرف هؤلاء وأعرف أولئك! وأقصد بأولئك “المظليين” الذين ينزلون علينا بتعيينات فوقية، لا باقتراع ولا بانتخاب، ويتسلطون على قطاعات حساسة وعلى أرزاقنا ويتعاملون مع هذه البلاد كبقرة حلوب “الماكلة فيها واللعنة فيها”. وقد رأيت بأم عيني وعندي ما يثبت ذلك كيف ينقضون على “الحلوى والعصير وكابسولات القهوة والسيارات ووقودها وزيد وزيد…” ولا أستغرب أن يكون من بينهم من ينمقون الخطب بعبارات مثل “مغرب الفرص”.

هذا ليس دفاعاً عن الأحزاب وما أنتجته، لكن السياسيين عندنا ليسواْ أسوأ ولا أحسن من “غير السياسيين” المحسوبين على المؤسسة الملكية أو المحتمين بالشاشية المخزنية. الخطير هو التعميم وضرب مصداقية المؤسسات بسبب تصرف بعض الأشخاص أو حتى جلهم. ليس من مصلحة الوطن القضاء على مصداقية المؤسسة التشريعية، ولا الضرب في جدوى الأحزاب والمنظمات غير الحكومية والنقابات، وترك الفوضى تعم مشهدنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي. تلك الفوضى التي يخلقها اللصوص الكبار هي التي أنتجت “الضباع”.

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.