التجهيل يقتل…!

0

زكية حادوش

لا حول ولا قوة إلا بالله! نزل علينا خبر العثور على جثتي سائحتين اسكندنافيتين بنواحي إمليل مراكش كالصاعقة، في بداية هذا الأسبوع.

الفادح هو تناسل الشائعات والتداعيات الإعلامية لهذه الجريمة وآثارها على سمعة البلد، ولو أني شبه متأكدة أن سمعة المغرب لن تتأثر كثيراً لأننا سمعتنا طين (والحمد لله) منذ زمان بسبب ما اقترفه الجهلاء منا داخل وخارج أرض الوطن وبسبب ما روجه الجهلاء الأجانب عنا.

أما الأفدح فهي الجريمة في حد ذاتها. لا حاجة للخوض في تفاصيلها البشعة فكلما فتحتم أي وسيلة إعلامية تطالعكم كل التفاصيل، الحقيقية منها والمزورة، المبنية على تصريحات مصادر رسمية أو على مرضى اليوتوب والفيس الذين يزيدون معاناة الضحايا ومتصفحي النيتْ بالأخبار الزائفة أو الفيديوهات المفبركة أو التعليقات غير اللائقة. قد تصابون بالغثيان من فظاعة الجريمة وفظاعات الجهالة الالكترونية، لكن لا بد من الإنصات إلى بعض الحقائق المرة:

ربطت المصادر الأمنية والقضائية بين جريمة نحر السائحتين على الطريقة “الداعشية” واحتمال عمل إرهابي، واعتقلت أربعة مشتبه بهم يستنتج من سحنتهم الانتماء إلى “تنظيم إرهابي” أو على الأقل التطرف “الديني”.

كما حذرت بعض المصادر الديبلوماسية المأذونة مواطنيها من التجوال فرادى في المغرب، وانهمرت تعليقات مؤازرة عائلتي الضحيتين من طرف المغاربة الذين انقسموا في رأيهم بين من يقول بأن تلك المنطقة التي اختارها الجناة كمسرح لجريمتهم الوحشية آمنة وسكانها مسالمون من جهة، ومن يؤكد من جهة أخرى أنه ليس في المغرب أمن وأمان حتى بالنسبة لسكانه، إذ لا يستطيع حتى الرجل “الشْلاغْمي” التجول لوحده في الخلاء فكيف بفتاتين شابتين جميلتين!

كل ردود الفعل هذه طبيعية، لكن ما هو ليس طبيعي هو ما صار يطبع تعاملنا كدولة وكمجتمع وحتى كأفراد مع كل فعل أو سلوك ينسب إلى الإسلام، كأننا جميعا نتحاشى هذا الموضوع كمن يحمل جمرة يلقيها على أي واحد قريب منه للتخلص من لظاها. إلا كيف نفسر مهادنة “المخزن” للتطرف بشتى أنواعه حتى صار يمشي بيننا في الشوارع والأسواق والمؤسسات وكيف نفهم تملص “النخبة” المثقفة والسياسية(…) من مسؤوليتها في التنوير ومحاربة الظلامية، والأهم كيف يمكن لنا شرح “رقابتنا الذاتية” أو “نفاقنا الاجتماعي” كلما أشهر أحدهم “سيف الإسلام” في وجهنا؟

“الإرهاب” الذي يرتدي عباءة الإسلام يظل إجراماً، ولا علاقة له بتاتاً بأي دين ولا بأي إيديولوجيا. ولا ينبغي أن نفتح المجال، بسلوكنا الجبان هذا، لكل شخصية سيكوباتية لم تجد سبيلاً للعلاج للتسلط علينا وعلى غيرنا من البشر، وارتكاب الفظاعات ونشر الحقد والقبح والتعاسة، فقط لأنها تتدثر بغطاء الإسلام أو تحتمي بمظلة تقاليد وأعراف المجتمع.

ارتكب من نحر السائحتين الإسكندنافيتين، رحمة الله عليهما، جريمة ليس فقط ضد بلدنا ولكن ضد الإنسانية، وهنا لا أفرق بين قتل المغاربة والأجانب لأن “من قتل نفساً بغير حق كأنما قتل الناس جميعا”. ومهما بحثنا لهم عن ظروف التخفيف (غسل الدماغ، الكبت الجنسي، الفقر…) لا نجد أياً منها، ربما هناك ظرف واحد: تهاوننا كدولة وكأشخاص مع الجهالة وتمظهراتها!

 

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.