الجهل نور والعلم عار!

0

منار رامودة

في بعض الأحيان يبدو لي بأننا نعيش وهم التقدم والتطور في بلدنا، ويشتد لهيب الأسئلة داخل رأسي يكاد يحرقني كلما حاولت أن أتناسى بل وأتغافل عمدا مجموعة من الأشياء التي يظل ذكرها عالقا بذهني ويظل صدى أنينها عالقا في أذني.

وكلما كابدت نفسي لكي أصبح كفئة من بني البشر الذين لا يحفلون بنكباء ولا برمضاء اتجاه ما يحدث داخل مجتمعهم، وجدتني عاجزة عن تبني ذلك النمط الغبي للتعامل مع الأشياء في حياتي!

وأرجو أن تعذروني إذا تحدث باسم المتكلم في هذا المقال، لأنني بصراحة أريد أن أتقاسم معكم رأيي بكل وضوح دون حاجة لوسيط.

أذكر أيها السادة منذ طفولتي كيف كانت تمجد الأوساط التي ترعرعت بداخلها (من أسرة ومدرسة) دور التعليم والمعلم في الحياة، لدرجة أنني كطفلة كانت تميل إلى المحاكاة بل وكانت لعبتها المفضلة. كنت أميل إلى تقليد مُدرستي بالمدرسة كلما عدت أدراجي للبيت، وذلك حبا مني لدورها ولهبتها وشخصها الكريم. ولم أتفاجأ حين وجدت ابن أخي الصغير الذي أسعد كلما جمعتني به لحظات بوح منه، بأنه يخبرني بمدى عشقه للتعليم وكم يتمنى أن يصبح معلما.

ما أردت قوله بحديثي هذا ليس أن أشرع باب حياتي الخاصة لكم بل لكي نلقي الضوء سويا عن حقيقة مهمة ألا وهي حبنا واحترامنا جميعا نساء وأطفالا ورجالا، مثقفين وجهلاء لمهنة التربية والتعليم.

إنني متيقنة بأن حبي وحب ابن أخي الصغير لهذا المجال وحلمنا وميولنا الفطري إلى تمجيده ليس حكرا علينا، بل لأن فئة كبيرة منا إن لم يكن معظمنا وجدوا أنفسهم يقومون بلعب دور المعلم مع أبناء الجيران أو العائلة.

الحقيقة، إن التعليم لم يُنر عقولنا المظلمة فقط بل أنار أرواحنا وأفئدتنا أيضا، بل ساهم في جعلنا أكثر تفهما لذواتنا وللآخر، وساعدنا على التخلص من تفكير قد رث وبلي. ولا يخفى عليكم بأن أهم دور كان يقوم به التعليم في حياتنا هو أنه كان يوحدنا جميعا دون اعتبار للاختلافات الكبيرة والكثيرة بيننا، من لون وجنس و فئة اجتماعية. كلنا كنا نتوحد، ننسجم، وننغمس داخل قسم واحد تجمعنا جدرانه الأربع. وفجأة، نتفاجأ بمشروع رأي أصدرته الجمعية العامة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين تقضي من خلاله، بإلغاء مجانية التعليم في المدرسة العمومية!

هذا المشروع الذي تدلى لساني عند سماعه من شدة ذهولي. ولم يخطر ببالي حينها سوى شيء واحد أننا حقا كما قال المتنبي رحمه الله ” أمة ضحكت من جهلها الأمم” .

فكيف يعقل بأن يفكر المجلس في مثل هذه الفكرة وكيف يتجرأ على اتخاذها كمشروع مستقبلي؟؟

لقد عايشنا أزمات كثيرة في قطاع التربية والتكوين، ورغم اشمئزازنا نحوها إلا أننا كنا متفائلين بغد أفضل. ألم نتحمل مختلف الخطط التعليمية المتبنية من الغرب والتي جعلت منا فئرانا للتجارب متناسين بأن لكل مجتمع ما يلائمه من مناهج تربوية وتعليمية؟ ألم نتحمل كون أن معظم مدرسي المدارس الخصوصية غير مؤهلين لهذه الوظيفة، وأنهم لا يفقهون كيفية التعامل مع الطفل ولا علم لهم بنظرية منتسوري ولا بمختلف البيداغوجيات التي يجب احترامها عندما نتعامل مع طفل صغير؟ ألم نتحمل كيف يهان الأستاذ داخل قسمه وكيف نغض البصر أحيانا عن سلوك بعض التلاميذ الذين يسبون ويضربون أساتذتهم؟ ألم نتحمل عار المباريات التي تقوم بتوظيف الأساتذة بعقود وكأن الأستاذ أصبح مغنيا يتعاقد مع ملهى ليلي على مدة خدمته؟ ألم نتحمل مهزلة أن يكون داخل بلدنا أساتذة دون تكوين؟ ألم نتحمل منكم الكثير والكثير؟؟

بلى، تحملنا ورغم كبريائنا و تمردنا الكاذب تفاءلنا بغد أفضل. لكن إذا تحقق هذا المشروع فعلى الدنيا السلامة.

رحم الله لسان الصحفية حنان مفيد فوزي حين قالت:

” الوطن يقوم على كاهله ثلاثة: فلاح يغذيه ومعلم يربيه وجندي يحميه”

فماذا سيكون مصيرنا يا سادة إذا حرم ذلك الطفل الفقير من حقه المشروع في التعلم؟ ماذا لو شعر مبكرا جدا بمدى ظلم المجتمع له؟ ماذا لو امتنع الآباء عن تعليم أبنائهم؟ هل ستكونون أكثر فخرا بمشروعاتكم هذه التي ستساهم في إنجاب جيل من المجرمين والقتلة والجهلاء؟

إن كانت هذه هي رؤيتكم للتقدم والتطور فأنا أفضل ألا أنجب أطفالا وأن أعكس القول بأن الجهل نورٌ والعلم بسياستكم هذه بات عارا.

 

 

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.