شيء يشبه الحب!

0

منار رامودة

كثيرا ما نسمع عن البيوت الآيلة للسقوط إما بسبب بنيانها القديم المهترئ أو بسبب الأمطار الغزيرة التي ما إن حلت حتى جرفتها معها في طريقها، وأسباب أخرى عديدة ومتباينة قد تهدد البيوت التي من هذا النوع.

لكن في الحقيقة لم يتساءل أحد يوما عما إذا كانت هناك أسباب أخرى قد تؤدي إلى خراب معظم البيوت حتى وإن كانت أعمدتها رصينة وبناؤها متقنا وديكورها فخما!

نعم، هناك بالطبع سبب أساسي يهدم البيوت ويجزئها ويقسمها إلى قسمين إن لم يكن إلى أقسام. هذا السبب هو غياب الحب داخل المنازل.

إن البيوت والأوساط الأسرية التي يغيب عنها الحب هي بدون شك بيوت على قول المصريين “أي كلام” . بمعنى أصح إنها بيوت قائمة المبنى ظاهريا لكنها مدمرة كليا من الباطن. والغريب في الأمر أن هذه الفئة من الناس التي يغيب عن أوساطها عبير الحب لا تدرك مدى خطورة الأمر ومدى تأثيره وانعكاسه السلبي على نفس الأفراد والجماعات التي تتشارك سقف المنزل الواحد.

إن غياب الحب داخل البيوت يفقد للحياة معناها وطعمها. بل إنه يجعل الناس تعيش وكأنها “قطعان” لا يوحدها سوى ساعة أو أقل حين يجتمع أفراد الأسرة من أجل النوم أو الأكل أو المطالبة بمصروف البيت!

والحقيقة أن تلك الوحدة زائفة في مضمونها، لأنها وحدة أجسام وليس وحدة قلوب ونفوس مطمئنة.

نعم إن النفس ترتاح للحب وتطمئن من خلاله على ذاتها وعلى مستقبلها أيضا.

وبداية دعونا نوضح معنى الحب المقصود هنا (علما أن الحب لا مفهوم محدد له، وإنما له صفات لا يخطئها معظمنا).

إن الحب داخل البيوت يعني أن يشعر أفراد المنزل بالأمان الحقيقي، إذ أن الأمان ليس هو الحماية من برد الدنيا وحرها بين أربعة جدران، وإنما وجود أشخاص يبادلونك إحساس الثقة والاحترام والتقدير. أشخاص تلمح في عيونهم وتلمس من خلال أفعالهم مدى حبهم وامتنانهم لوجودك في حياتهم.

ولا يخفى علينا حين ذكر الله في كتابه الكريم أهمية المحبة والمودة بين الزوجين (“ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”).

إن الحب هو التقدير أولا وأخيرا، فالزوج الذي يشكر زوجته على تحضيرها للطعام، يربت على كتفها شكرا، يحترم فكرة عشقها للورد فيفاجئها أحيانا بإحضاره لها دون أن تسيطر عليه فكرة أن كيلو الكفتة أو اللحم أكثر فائدة ورومانسية من الورود! وكذا الزوجة التي تحترم زوجها وتهتم بنفسها من أجلها أولا ومن أجله، تسهر على رضاه وخدمته، تخترع أعيادا خاصة بها من أجل إسعاده.

كل هذه ما هي إلا لمحات عن مظاهر الحب التي يجب ألا تخلو بيوتنا منها، ليس فقط لأهميتها بالنسبة للزوجين، وإنما لمدى انعكاسها على الأبناء والأطفال. فالبيوت التي “بتصبح وبتمسي ” بالصراخ والتعنيف، البيوت التي يلاحظ الطفل أو المراهق أو الابن عموما جو الموت البطيء الذي تعيش فيه أسرته، حيث الأب لا يطيق زوجته وينعتها بأسوإ الصفات بل ولا يطيق النظر بوجهها ويفضل الأكل وحيدا كبغل (وإن كنت لا أشكك في مدى رومانسية البغل لبغلته العزيزة). وبالمقابل الزوجة النكدية، الثرثارة، الغيورة حد الجنون، الأنانية، العديمة التفكير والتدبير، التي لا ترى في زوجها أكثر من ظل وصورة أمام الناس والمجتمع. هذه المرأة بدون شك يغيب عن فضائها الرحب الضيق داخل عقلها فقط نكهات الحب التي ما أن تعرج على البيوت حتى تملأها فرحا وتهون مطبات الحياة عليها.

هناك مقولة تقول: ” لو أحب الشيطان لتلاشى الشر”

وهذا واقع، فالشيطان لو من الله عليه بالحب لملأ الدنيا حبا وخيرا لا حدود الله. حسب علماء النفس، الأفكار عبارة عن مغناطيس يجلب إليه الأفكار المشابهة إما خيرا أو شرا.

إن الحب لا يحتاج لأن تمتلك المرأة لنزار القباني ولا لأن يمتلك الرجل لحورية بحر تغويه بجمالها وحلو كلامها، إن الحب أبسط من ذلك بكثير، إنه نظرة تقدير، كلمة شكر، ضمة حنان، مفاجئة ولو بسيطة، ابتسامة لا تغادر الشفاه…

يا سادة إن البيوت التي لا حب داخلها هي في أمس الحاجة إلى الترميم من تلك الأكواخ التي تعبق بالحب في معانيه الأساسية من: احترام، ثقة، تقدير، اهتمام ورعاية.

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.