أحكام القانون الدولي الإنساني بين النظر الشرعي والنظر الوضعي

0

شهدت قاعة الندوات بمؤسسة دار الحديث الحسنية، ندوة دولية حول موضوع “أحكام القانون الدولي الإنساني في الإسلام”، وذلك يومي 27و28 أكتوبر الجاري، بشراكة مع اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني ورئاسة جامعة القرويين ومؤسسة دار الحديث الحسنية.

وقد افتتح هذه الندوة أمال جلال، رئيس جامعة القرويين، الذي نوه بداية إلى راهنية هذا الموضوع في ظل تصاعد وتيرة النزاعات المسلحة في كل بقاع العالم، مبرزا أن هذه الندوة ستبين لا محالة غنى قواعد الفقه الإسلامي، في ظل مقاصد الإسلام، والتي تروم إلى الحفاظ على كرامة الإنسان، وتحقيق مبدأ العدل.

وقد شهدت هذه الندوة مداخلات متعددة، من أساتذة وفقهاء وخبراء في القانون الدولي الإنساني، إذ تناول رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة، شريف عثلم، موضوع عالمية أحكام القانون الدولي الإنساني، وكيف يمكن استثمار مبادئه في تنقية بعض المفاهيم، كمفهوم الجهاد، والقتال، في حين تناول رئيس المجلس العلمي المحلي لأكادير مبارك جميل، قضية التأصيل لمبادئ القانون الدولي الإنساني، من خلال اعتبار أن مقصد الشريعة هو حماية الإنسان، وأن الإسلام هو دين الإنسان.

من جهته أشار أحمد حمدي مراد، أستاذ بجامعة العلوم الإسلامية العالمية بعمان، إلى الضوابط الأخلاقية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، وكيف تتمازج مع قواعد القانون الدولي الإنساني قصد تحقيق حماية الإنسان، وتابع مستشار القانون الإسلامي باللجنة الدولية للصليب الأحمر بجنيف، أحمد الداودي، ببيانه نقاط هذا التمازج بين القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية، فيما نبه نائب رئيس جامعة القرويين، محمد أديوان، إلى التحديات التي تواجه القانون الدولي الإنساني، في القرن 21م، وكيف يمكن الاستفادة من الشريعة الإسلامية في الإجابة عن هذه التحديات، مشيرا إلى نموذج فتوى الإرهاب التي أصدرها المجلس العلمي الأعلى، في بيان حقيقة مفهوم الجهاد وأنواعه، وكيف يمكن استثمار التراث الفقهي بكلياته، والمقاصد الشرعية  للإجابة عن هذه التحديات، بعيدا عن آفة التأويل الفاسد والتجزيء للنصوص الشرعية، والذي تستخدمه بعض الجماعات المارقة عن روح الدين الإسلامي، دين الرحمة والسلام.

أما الجلسة الثانية فقد عالجت مسألة الفئات والممتلكات المحمية، زمن النزاعات بين الرؤية الإسلامية، والقانون الدولي الإنساني، إذ تناولت بهيجة السيمو نماذج من المواقف الإنسانية والإحسانية لسلاطين وملوك العلويين إبان الحروب، والنزاعات المسلحة، عن طريق عرض بعض الصور الرقمية لهذه الرسائل السلطانية والوثائق العسكرية. في حين قارب إدريس الفاسي الفهري قضية “التترس” بالمدنيين، من نظر أصولي مقاصدي، يعتمد التدقيق المفهومي للمصطلحات، وفقه الموازنة بين المصالح والمفاسد، فيما بينت أستاذة التفسير وعلومه، فريدة زمرد، مكانة المرأة في الخطاب القرآني، والعمل على حمايتها، خصوصا في النزاعات المسلحة من كل الممارسات غير الأخلاقية، باعتبارها الحلقة الأضعف في مثل هذه المواقف، لينتقل بعد ذلك محمد البزار عضو اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني،  إلى مسألة حماية  الأسرى والمحتجزين بين الرؤية الإسلامية، وفلسفة قواعد القانون الإنساني.

وفي الجلسة الثالثة فقد عالجت واقع النزعات المسلحة، والحاجة الملحة إلى تجديد النظر الفقهي في بعض القضايا المتعلقة بهذه النزاعات، إذ ناقش المستشار القانوني الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر بالشرق الأوسط وشمال افريقيا، عمر مكي، التحديات التي تواجه التنزيل السليم لمقتضيات القانون الدولي الإنساني، في النزاعات والحروب في العالم.

فيما عالج أستاذ الفقه والأصول عبد الرزاق ورقية مسألة النظر الفقهي وتحقيق المناط في بعض الوسائل المستعملة في النزاعات المسلحة، فيما أشادت جوني فريزو، أستاذة بجامعة أوتريخت بهولندا، بغنى القانون الإسلامي في محاكمة انتهاك القانون الدولي الإنساني بالمحكمة الجنائية الدولية، واعتباره مصدرا هاما من مصادر التشريع لأحكام القانون الدولي الإنساني.

أما الجلسة الرابعة، فقد خصصت لنماذج مشرقة في الحضارة الإسلامية، لكيفية التعامل زمن الحرب، وبعد انتهائها، إذ استحضر المتخصص في التاريخ العسكري المغربي، محمد براص، نماذج في حماية الفئات والأعيان في زمن النزاعات المسلحة، من خلال الوثائق التاريخية.  كما استقرأ جمال أحمد زيد الكيلاني، عميد كلية الشريعة الإسلامية بفلسطين، نماذج مضيئة من السيرة النبوية للتعامل الإنساني، زمن الحروب والأزمات. فيما نبه أستاذ التاريخ أحمد الخاطب، إلى دور علم التاريخ في دراسة هذه النماذج والوثائق التاريخية قصد استخلاص قواعد وضوابط لهذا التعامل الإنساني والعمل على نشرها. وتناول أحمد السنوني المكانة التي تحظى بها دور العبادة اثناء الحرب والنزعات المسلحة.

وأسدل الستار عن هذا الحفل العلمي الدولي، بتلاوة التقرير العام من لدن عبد الحميد عشاق، والذي اعتبر هذه الندوة فرصة للبحث عن المنطلقات والأسس المنهجية لتبيان العلاقة الجامعة بين قواعد الفقه الإسلامي، وقواعد القانون الدولي الإنساني، مشيرا إلى أهمية الوعي والتعليم في نشر قيم ومبادئ القانون الدولي الإنساني، ومدى غنى التراث الفقهي على مستوى الضوابط والنظريات زمن النزاعات والحروب.

الناس/ فهد العيساوي (باحث في الخطاب الديني)

 

 

 

 

 

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.