الدبلوماسية الروحية للمملكة المغربية في العمق الإفريقي
فهد العيساوي*
تعد إفريقيا منبعا من منابع هوية المغرب التاريخية والحضارية والجغرافية والدينية والبشرية، ويشكل الانتماء لها أحد أعمدة الهوية الوطنية كما ينص على ذلك دستور2011م للمملكة المغربية.
وليس هذا الامتداد وليد العصر بل هو نتاج تاريخي قديم، ولا يخفى على أحد، خصوصا الباحثين في تاريخ شمال إفريقيا، هذا الدور التاريخي للمغرب منذ ظهور دولة “المرابطين، إلى عهد الموحدين والسعديين، والمرينين”، إلا أن هذا الدور سيتعاظم مع الملك أمير المؤمنين محمد السادس، والذي ما فتئ يولي أهمية خاصة لإفريقيا في جميع المجالات الحيوية الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية.
وقد استطاعت مؤسسة إمارة المؤمنين الحفاظ على الدور الديني والروحي في القارة السمراء، من خلال نشر الإسلام الوسطي المعتدل، الرافض لكل أشكال التطرف والتعصب الإيديولوجي.
وتعد بهذه المناسبة مدينة فاس منطلق هذا الامتداد الديني والروحي، إذ تحتضن ضريح مؤسس الزاوية التيجانية سيدي أحمد التيجاني، واعتبارا لمكانتها العلمية في تحقيق التواصل الديني بين المغرب وجنوب الصحراء.
وقد برز هذا التواصل جليا من خلال عدة مستويات، مما خلق نوعا من التمازج الثقافي والهوياتي بين المملكة المغربية وباقي دول إفريقيا؛ فقد سعت المملكة المغربية، إلى تحقيق تواصل في الجانب العقدي، من خلال نشر أسس العقيدة الأشعرية القائم على منهج التفويض والتسليم، فيما يتعلق بالصفات الإلهية، مستندا إلى النقل المسدد بالعقل، الذي هو منهج أهل السنة والجماعة.
أما على المستوى المذهبي، فقد استطاع العلماء المغاربة نشر أمهات كتب المذهب المالكي (المدونة، مختصر خليل، المدخل لابن حاج)، وتدريسها في ربوع القارة الإفريقية، مما ساهم في إنتاج علماء متشبعين بأصول المذهب المالكي، القائم على مقاصد الشريعة في جلب المصالح ودرء المفاسد، بل ساهم علماء إفريقيا في توليف هذه الأمهات والعمل على نظمها واختصارها من أجل تسهيل عملية التعلم والتعليم.
أما ما له علاقة بالتواصل الروحي، فقد ساهمت المملكة المغربية في نشر علم التزكية في ربوع العالم الإسلامي والإفريقي، باعتبار هذه المملكة “مملكة الأولياء” ومدرسة لكبار علماء التربية والأخلاق (مولاي عبد السلام بن مشيش، سيدي أحمد التيجاني)، من أجل تزكية النفوس وتحليتها بالأخلاق السنية، وتخليتها من الأخلاق الدنيئة، مصداقا لقوله تعالى: قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها” سورة الشمس.
وقد مكنت مؤسسة الزوايا بالمملكة المغربية من الحفاظ على هذه الريادة الروحية، على مستوى دول إفريقيا، عن طريق مجموعة من الطرق الصوفية (القادرية، التيجانية، الشاذلية، الفاضلية، المعينية).
ويتضح لنا مما سبق أن هذه الريادة الروحية حاضرة من خلال دعوة أمير المؤمنين محمد السادس، مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، إلى عقد ندوة دولية في حوار الأديان، في موضوع “الرسالة الخالدة للأديان”، بشراكة مع المجلس الأعلى للائمة والمساجد والشؤون الإسلامية، بالكوت ديفوار، وذلك من أجل ترسيخ قيم الحوار والتعارف بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، وإزالة التمثلات الخاطئة عن القارة السمراء، وجعلها منبعا من منابع نشر السلم والسلام في العالم، وإشاعة قيم التواصل والحوار بين الحضارات.
*صحفي وباحث في الخطاب الديني