الصحراء.. المغرب يواصل كسب النقط و”تبّون” مستمر في دعم البوليساريو من مال الجزائريين
=تحليل إخباري=
نورالدين اليزيد
يبدو أن قضية الصحراء آخذة في التطور بشكل متسارع، في الأيام المقبلة، وقد يكون شكلا دراماتيكيا ووبالا على أحد أطراف النزاع إذا لم يعرف كيف يدير قضية مصيرية تتحرك المعطيات بها تحرّك الرمال في العواصف الهوجاء التي قد تغير الجغرافيا والتاريخ بالمنطقة.
بداية الحكاية مِن عجز المجتمع الدولي حتى على إيجاد خلف للمبعوث الأممي الألماني هورست كوهلر، الذي بعدما فشل في تقريب وجهات نظر الأطراف أعاد المفتاح للأمين العام الأممي أونطونيو غوتيريس مرفوقة بشهادة طبية تثبت عجزه الصحي، وهو في الواقع عجزٌ عن إيجاد صيغة ممكنة تجمع الإخوة الأعداء (المغاربة والصحراويين والجزائريين والموريتانيين) على كلمة سواء، تحفظ لجميعهم الحد الأدنى ما ماء الوجه والكرامة، ويضعون السلاح والرصاص جانبا إلى ما لا نهاية!
فرض أمر الواقع
أمام هذا الغموض الذي رافق ويرافق عجز المجتمع الدولي على إدارة ملف الصحراء، بات على الاطراف اتخاذ المبادرة لتحقيق مكاسب على الأرض، وهو ما فعله المغرب تحديدا، الذي بعدما قرر منذ سنوات وضع “مقترح الحكم الذاتي” على طاولة المجتمع الدولي كأقصى ما يمكن قبوله كحل لقضية الصحراء، بدأ بالموازاة نهج دبلوماسية مغايرة تماما لنظيرتها التي نهجها منذ سنوات خلت، والتي كبدته فقدانه لمقعده في منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) في العام 1983، عندما فضّل الكرسي الشاغر بعدما اعترفت المنظمة الإفريقية بـ”الجمهورية الصحراوية” المعلنة من طرف البوليساريو والمؤيدَة مِن الجزائر؛ إنها الدبلوماسية المغربية الجديدة المعتمدة، حينا، على المبادرة إلى مد اليد حتى إلى الخصوم الذين يعترفون بـ”جمهورية” البوليساريو، من أجل بناء علاقات سياسية واقتصادية في ظل وجود ذاك الاعتراف المزعج للرباط، وفتح قنوات الاتصال وتبادل الزيارات، وهو ما أعطى نتيجته بصورة أسرع مما كان يتوقع، حيث بادرت بعض الدول ولاسيما من أمريكا اللاتينية -معقل النظم الاشتراكية التي ظلت تحمل شعار “الحركات التحررية” و”تقرير المصير” وتروج له- إلى سحب اعترافها ذاك أو على الأقل تجميده؛ وفي أحيان أخرى نهجت الدولة المغربية “الدبلوماسية الاقتصادية”، حيث قام الملك محمد السادس خلال السنوات القليلة الأخيرة بسلسلة زيارات مكوكية إلى عدد من الدول الإفريقية، مصطحبا معه ممثلي كبريات المؤسسات الاقتصادية والبنوك المغربية، ورافعا شعار رابح/رابح، الذي تفاعل معه معظم القادة الأفارقة الذين التقاهم الملك، فتم عقد اتفاقيات وشراكات استثمر خلالها المغرب، من خلال تلك المؤسسات الاقتصادية، العشرات من ملايين الدولارات بل المئات من الملايين، في مشاريع تعود بالربح على البلدين، وهي المبادرات التي سرعان ما أتت هي الأخرى بثمرها إزاء القضية المغربية الأولى، وهي قضية الصحراء، فسحبت العديد من البلدان اعترافها بجمهورية البوليساريو المزعومة.

وفي ظل هذا الزخم الدبلوماسي المغربي والتفاعل الإيجابي من لدن عديد من البلدان مع “مغربية الصحراء” وفق الخطاب الرسمي للمملكة، بادرت الأخيرة إلى السير بعيدا في تكريس هذا الخطاب، وذلك بحمل بلدانٍ وإقناعها بفتح قنصليات تابعة لها بالمدن الجنوبية الصحراوية، وفي فترة وجيزة لا تتعدى أسابيع معدودة فتح ما لا يقل عن خمسة بلدان إفريقية قنصليات تابعة لهم بمدينتي العيون والداخلة، وهي كل من دولة جزر القمر المتحدة والغابون وساو تومي وبرنسيب وإفريقيا الوسطى، ثم في الأسبوع الأخير ساحل العاج، هذه الأخيرة التي أثارت كثيرا حفيظة الجزائر، بإقدامها على خطوتها تلك، بل وتصريح وزير خارجيتها وهو يشرف على تدشين قنصلية بلاده الجديدة رفقة نظيره المغربي، بأن بلاده ترفض التدخل الأجنبي في شأنها الداخلي كما ترفض الضغوط التي تمارس عليها لثنيها على مثل هذه الخطوات، وهي التصريحات كان المقصود منها النظام الجزائري الذي سارع إلى استدعاء سفيره بالكوت ديفوار لـ”التشاور”.
رد فعل خصوم المغرب..
في الواقع فإن الخطوات الهجومية الصادرة عن الجانب المغربي، ليست إلا رد فعل طبيعي بعد كل الهجمات التي لطالما قام بها المعسكر الرافض لسيادة المغرب على صحرائه، والذي تقوده الجزائر وجنوب إفريقيا، اللتان ما فتئتا تعملان أكثر، ولاسيما في الأشهر الأخيرة، على تحريض الدول على عدم الرضوخ لسياسات المملكة الراغبة في كسبها وتأييدها لأطروحتها في الصحراء. وقد كانت النتائج والمكاسب التي حققتها الرباط في الآونة الأخيرة، ولاسيما منذ عودتها إلى منظمتها الإقليمية (الاتحاد الإفريقي)، التي يبدو أنها كانت استراتيجية ناجحة للمملكة من أجل اللعب في معسكر الخصوم من الداخل وليس من خارج أسواره بحيث تتاح له فرصة الاطلاع على الملفات عن قرب، (كانت هذه النتائج) مستفزة أكثر للأطراف الأخرى، التي تراجعت إلى الخلف لسنوات لأسباب داخلية (دخول النظام في حالة مرض وكمون بالنسبة للجزائر في عهد بوتفليقة)، فانبرى النظام الجزائر المثقل بالعُقد إزاء نظيره المغربي، والذي غيّر جلده قليلا بوصول عبدالمجيد تبون إلى كرسي الرئاسة بقصر المُرادية، إلى إعادة فتح خزينة بلاد الغاز الطبيعي والنفط لهدره على أطروحة الانفصال والدعاية والترويج لها، حيث سارع “تبون” بمجرد جلوسه على “عرش” الحُكم إلى تحويل أزيد من نصف مليار دولار (580 مليون)، وفق بعض المصادر الجزائرية، لحساب البوليساريو، كدعم أولي لمساعدتها على تجهيز مناطق يعتبرها الانفصاليون “مناطق محررة” في الصحراء وخاصة منها منطقة تيفاريتي، ومدها بالماء والكهرباء وقنوات الصرف الصحي في أُفق تأهيلها بالسكان الصحراويين الماكثين في مخيمات تندوف على التراب الجزائري.

وبالمقابل وبالرغم من أن حكام الجزائر الجُدد/القدامي يرفعون أمام الرأي العام المحلي شعار العوز والأزمة وشح الخزينة، فإنهم لم يترددوا أيضا في تحويل مبلغ ضخم لا يقل عن 2 مليار دولار، وفق مصادر جزائرية معارضة، لنظرائهم في جنوب إفريقيا، كعمولة لموقفهم الداعم لهم في “حربهم الضروس” ضد المغرب، ومن أجل تحرّك الآلة الدبلوماسية الجنوب إفريقية، للتأثير على الدول التي إما سحبت اعترافها من “الجمهورية الوهمية” أو أنها بصدد ذلك.
سباق نحو رقعة متحركة!
بحُكم الواقع فإن المغرب يبسط سيادته على أزيد من ثلثي الصحراء المتنازع عليها، وأقل من الثلث هو خاضع لمراقبة بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء (مينورسو)، بينما تزعم البوليساريو أنها مناطقها “المحررة”؛ وضمن هذه المناطق باتت البوليساريو بتحريض وتمويل من الجزائر تُشيد مبانٍ ومؤسسات إدارية، لا تتردد في التصريح بأنها تنزيل لاستراتيجية بناء دولتها المزعومة، في ظل موقف مغربي غير حازم يقتصر على مجرد “إحاطة عِلم” عناصر البعثة الأممية بتلك “الخروقات” لوقف إطلاق النار الموقع مع البوليساريو في العام 1991.
هذه المواقف المغربية غير الرادعة لتحركات لبوليساريو جعلتهم يكسبون ثقة أكبر في أنفسهم، ويتمادون كلما أتيحت لهم مناسبة في كسب كيلومترات إضافية من الصحراء الخاضعة لبعثة أممية غير قادرة على مراقبة كل تلك المساحات المترامية الأطراف، وخاصة في ظل عجز ومعاناة منظمة الأمم المتحدة على تقديم الإمكانات البشرية واللوجيستيكية الكافية لعناصر البعثة، بسبب ضائقتها المالية؛ بل عن هذا الوضع جعل الانفصاليين لا يجدون أدنى حرج في نقل مناوراتهم العسكرية وكذا اجتماعات ما يسمونه “قيادة الأركان” بزعامة زعيمها إبراهيم غالي، إلى تلك المناطق، وآخر تلك الاجتماعات ما حصل هذا الأسبوع، حيث اشرف “القائد الأعلى للقوات المسلحة” (إبراهيم غالي) على اجتماع لـ”هيئة الأركان العامة لجيش التحرير الشعبي الصحراوي” بالناحية العسكرية الرابعة بمنطقة امهيريز (المحرر وفق تعبير البوليساريو).
على سبيل الختم..
النظام الجزائري الباحث له عن شرعية دولية يبدو أنه لا يستطيع الخروج من شرنقة الماضي وإيديولوجية الحرب الباردة التي انتهجها طيلة عشرات السنين، والقائمة على رفع الشعارات الاشتراكية البراقة من قبيل دعم الحركات التحررية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وغير ذلك، التي كان انهيار المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفياتي البائد عنوانا على اضمحلالها ونهايتها، ولم يعد يتبناها إلا “زعماء” متسلطون مستبدون ناهِبون لثروات بلدانهم. ولذلك فإن الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون بمجرد ضمانه ترؤس النظام سارع إلى شن هجومه على المغرب، الذي كعادته لم يقابله بهجوم ولا بمجرد التنديد بذلك، وهو موقف أكدت التجارب أنه ينقلب على صاحبه أكثر مما يضر المغرب، بحيث يظهر عاريا ومفضوحا أمام الرأي العام المحلي ببلاده الجزائر، التي يصر هذا النظام على تصوير المغرب لشعبها كـ”عدو”، وهو العدو الذي ما فتئ ملكه يمد له يده لطي صفحة الخلاف، ولا يكون حتى بمستوى سذاجته ويرد عليه بنفس الرعونة وقلة اللباقة.
هذا الوضع الموسوم باندفاع ساسة الجزائر وارتمائهم المستميت للدفاع عن انفصال الصحراء، مع ما يصاحب ذلك من إهدار مبالغ مالية خيالية من خزانة شعب ما أحوجه لضخها في مشاريع تنموية تنقذه من العوز والفاقة، وأمام دبلوماسية مغربية هادئة مهتمة أكثر بكسب النقاط ميدانيا بدل نهج سياسة الدعاية والبروباغندا للتأثير على المواطنين محليا أكثر من تحقيق نتائج خارجية، لن يؤدي في الأخير إلا إلى تكريس مقولة “المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها”، كما يردد ذلك المسؤولون المغاربة، لكن في ظل عدم نهج خصوم المغرب أية سياسة بديلة غير ترديد أسطوانة الماضي، جعل الكثيرين يؤمنون بفحوى هذه المقولة، ومن هؤلاء جيل بل أجيال بكاملها ازدادت بمخيمات تندوف ولا تعرف شيئا اسمه “وطن” إلا في خطابات جوفاء ما فتئ حُكام تلك المخيمات يرددونها على مسامعهم كلما انفضوا من اجتماع روتيني مُمِل.