النظام الجزائري مكلف بالدعاية وتنظيم في قلب العيون وإحياء “اكديم إزيك” في الكركرات للإرباك… هكذا يستدرج البوليساريو المغرب للحرب
فيما يبدو أنها خطة محكمة لاستفزاز السلطات المغربية وتكتيك متعمد ومقصود لاستدراج الجيش المغربي ليتدخل لفض “اعتصام” بعض العناصر الموالية لجبهة البوليساريو الانفصالية، على مقربة من معبر الكركرات، تواصل البوليساريو خطتها ومناورتها، لإثارة الرأي العام، ولِم لا حتى ولو تطلب الأمر الدخول في مناوشة عسكرية مع المغرب.
ومن خلال الإخراج الإعلامي لمناورات البوليساريو الجديدة، وكما هي العادة دائما، تبرز أيادي النظام الجزائري غير بعيدة عن المشهد، حيث لا يحتاج المراقب إلى الكثير من الاجتهاد ليكتشف تورط قصر المرادية في الحبكة الجديدة لإثارة القلاقل على الحدود بين المغرب وموريتانيا.
فقد تكلف التلفزيون الجزائري الرسمي، في ما يشبه دور المناولة وساعي البريد، بنقل تهديد الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم، للمغرب في حال ما تدخل الأخير لفض اعتصام بعض الموالين للبوليساريو على الحدود في نقطة الكركرات.
وخلال اللقاء لم يتردد زعيم الانفصاليين، وهو يهدد المغرب من مغبة “المساس” بالمعتصمين، الذي قد “يقود إلى الحرب”، كما قال من المقارنة بما جرى قبل سنوات في اعتصام “اكديم إزيك” بالصحراء المغربية، غير مستبعد “احتمال تكرار سيناريو إكديم إزيك في الكركرات”.
وقال غالي إنه “لا يستبعد أن يتكرر سيناريو إكديم ازيك في الكركرات، وأن هناك إجماعا لدى الجماهير الصحراوية على وجوب إغلاق المعبر”.
وحذر السلطات المغربية بصريح العبارة، من أن “أي ضرر يلحق بأي صحراوي يعني العودة إلى الحرب”، وإن كان أكد قوله: “لسنا دعاة حرب ولا نرغب في الرجوع إلى نقطة الصفر، و لا نرغب في إراقة الدماء”، لكنه استدرك فيما يشبه توجسه من ردة فعل عاصفة من الجيش المغربي بأن قال على “منظمة الأمم المتحدة أن تتحمل مسؤوليتها، وأن لا يخطو المغرب أية خطوة غير محسومة العواقب”.
ومهما كانت رغبة القيادة الانفصالية في القيام بمناوشة عسكرية على شكل مواجهة عسكرية خاطفة مع المغرب، لإعادة قضية الصحراء إلى الواجهة في ظل غض الطرف عليها من قبل المجتمع الدولي، لاسيما في ظل الحرب القائمة ضد فيروس كوفيد-19، إضافة إلى اشتعال بؤر توثر عالمية وإقليمية أكثر إلحاحا وأهمية، إلا أن قيادة الرابوني يبدو أنها تريد فقط إرضاء جناح الصقور الذي يقوده من يسمى وزير الدفاع، والذي يجنح إلى التصعيد مع المغرب، بعكس زعيم الانفصاليين وغالبية القيادات الذين يأتمرون بأوامر النظام الجزائري، الذي ليس في صالحه إشعال الحرب من جديد، بقدر ما يهمه استمرار الوضع على حاله، “لا حرب ولا سلم” لأن هذا ما يخدمه كنظام تأسس على عقدة اسمها المغرب، واستمرارها يكمن في استمرار الوضع الحالي كما هو.
ولعل النوايا الحقيقية لجناح إبراهيم غالي هو ما ترجمته تصريحاته للتلفزيون الجزائري، حين قال إن “القضية الصحراوية تعرف جمودا تاما، بالرغم من إلحاح الطرف الصحراوي على منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، على ضرورة العمل الجاد ومواصلة المساعي من أجل حل نهائي”، منبها إلى أن “قرار جبهة البوليساريو في إعادة النظر في طريقة التعاطي مع منظمة الأمم المتحدة بخصوص عملية السلام في المنطقة، اتخذ بسبب التوصية 24/94 الصادرة عن مجلس الأمن السنة الماضية، والتي تعتبر انحرافا عن مجهودات المنظمة الأممية”.
ولم تخف القيادة الانفصالية إحباطها من مواقف بعض القوى الدولية، حين أشار “الزعيم” غالي أن “هناك قوى عظمى في مجلس الأمن مارست سياسة الابتزاز وحاولت عرقلة مهام بعثة المينورسو”، مؤكدا أن فرنسا هي من تريد أن تختصر مهام بعثة المينورسو في مراقبة وقف إطلاق النار فقط”.
وفيما يبدو أن السلطات المغربية تأخذ على محمل الجد تحرشات البوليساريو الأخيرة، لاسيما بالموازاة مع إعلان من يسمون “انفصاليي الداخل” عن تأسيس إطار حقوقي مناهض للسيادة المغربية على صحرائه، وهو ما ترجمته واقعا من خلال إعلان النيابة العامة بمدينة العيون عن فتح تحقيق في الموضوع مع تفعيل القانون، وكذا إصدار الأوامر للشرطة القضائية لإجراء تحرياتها؛ إلى جانب قيام المفتش العام للقوات المسلحة الملكية الجنرال دو كور دارمي عبد الفتاح الوراق بزيارة خاطفة إلى الصحراء وتحديدا إلى الجدار الأمني ولقائه مع كبار الضباط، للاطلاع عن الوضع عن كثب، كان لافتا أن يزور وفد رفيع عسكري موريتاني رفيع المستوى مخيمات تندوف للقاء قادة البوليساريو.
فقد كشفت بعض المصادر المطلعة عن زيارة وفد عسكري موريتاني رفيع المستوى لتندوف، لدراسة والتباحث بشأن التطورات الحاصلة في معبر الكركرات، خاصة في ظل تضرر الاقتصاد الموريتاني، المستفيد الأكبر من استمرار فتح المعبر في وجه حركة الشاحنات والناقلات للمواد الغذائية من المغرب إلى موريتانيا.
وأجرى الوفد الذي ترأسه الفريق محمد ولد مكت قائد الأركان العامة للجيش الموريتاني لقاءات موسعة مع زعيم البوليساريو إبراهيم غالي وقادة آخرين من الانفصاليين، دون أن تكشف عن ذلك أذرع الإعلام الانفصالي.
في سياق ذلك واصلت أبواق النظام الجزائري تغطيتها لتحركات انفصاليي الداخل الموالين للبوليساريو، حيث ربطت إذاعة الجزائر الرسمية الاتصال مباشرة بمن سمتها “المناضلة الحقوقية ورئيسة الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي”، الانفصالية المدعوة أميناتو حيدر، التي صرحت للإذاعة الجزائرية بأن ما يحدث اليوم في مدينة العيون المحتلة وفي غيرها من المدن الصحراوية الأخرى، هو حصار بوليسي مخابراتي شامل على منازل أعضاء الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي، وخاصة أعضاء المكتب التنفيذي للهيئة”، وتقصد الهيأة المعلن عنها مؤخرا، والتي هي موضوع بحث قضائي اليوم، وهو ما يستدعي تحرك أفراد الشرطة الوطنية.
وإذا كانت البوليساريو قد دأبت على مثل هذه التحرشات كلما اقترب مجلس الأمن من إصدار قراره حول الصحراء، وهو ما يتزامن مع كل بداية شهر أكتوبر من كل سنة، فإن الجديد هذه السنة الذي أعطى لتحرشات البوليساريو زخما أكثر وخطورة يجب الحساب لها جيدا، هو تزامنها مع إقدام عدد من انفصاليي الداخل على الإعلان عن إنشاء إطار سموه حقوقيا يصف المغرب بالبلد المحتل، بل بلغت بهم الجرأة والاستفزاز إلى حد تصوير مجريات اللقاء التأسيسي الذي جرى بمدينة العيون، ونشر صور للحاضرين وهم يحملون علم البوليساريو، بالإضافة إلى أسماء هؤلاء، ما يستدعي الكثير من الحيطة والحذر، وعدم السقوط في مثل الأخطاء التي وقعت في السلطات المغربية في أحداث مخيم إكديم إزيك التي تساهلت مع المعتصمين خلاله إلى أن تناسلت الخيام وكثر المعتصمون واندس بداخلهم مسلحون، فكانت عملية فض المعتصم مكلفة في الأرواح، إذ توفي ما لا يقل عن 11 فردا من قوات الأمن.
ويجدر التذكير أيضا أن اختيار هذه الفترة، لم يكن عبثا أو صدفة، بل في يوم 10 اكتوبر ستحل الذكرى الثامنة لفض اعتصام إكديم إزيك، وهو ما يشي برغبة دفينة للبوليساريو لمحاولة إعادة نفس السيناريو، إن لم يكن ذلك من أجل إرباط السلطات المغربية، فعلى الأقل لجذب انتباه الرأي العام الدولي.
عبد الله توفيق