اليمين المتطرف الفرنسي على أبواب السلطة وماكرون يدعو إلى “تحالف واسع” ضده
أظهرت النتائج الأولية للدورة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة، التي جرت يوم 30 يونيو 2024 الأحد بفرنسا، تقدّمَ حزب “التجمع الوطني” (اليمين المتطرف) وحلفائه بـ33.2 بالمائة من الأصوات على “الجبهة الشعبية الجديدة” (وهو تحالف لقوى اليسار يضم “الحزب الاشتراكي” و”الحزب الشيوعي” و”الخضر” و”فرنسا الأبية”) بـ 28.1 بالمائة. فيما حاز التحالف الرئاسي (الذي يضم حزب “النهضة” و”آفاق” وحزب “الحركة الديمقراطية”) على 21 بالمائة من الأصوات، وفق ما نقل موقع قناة “فرانس 24”.
وشهدت هذه الانتخابات التاريخية نسبة مشاركة قياسية بلغت 69.5 بالمائة، وهي نسبة لم تشهدها فرنسا منذ 35 عاما وفق مدير معهد “إيلاب” لاستطلاعات الرأي برنار سنانيز.
أما حزب “الجمهوريون” اليميني، والذي لا زال يتزعمه إريك سيوتي رغم تحالفه مع “التجمع الوطني”، فقد جاء في المرتبة الرابعة بنسبة 10 بالمائة من الأصوات.
وعلى ضوء هذه النتائج الأولية، يمكن القول إن “التجمع الوطني” قد حقق فوزا كبيرا كما توقعه معهد “إبسوس تلان” لاستطلاعات الرأي والذي تنبأت بأنه قد يحصل على ما بين 230 إلى 280 مقعدا.
كما يبدو أيضا أن المشاركة القياسية التي شهدها الدور الأول عادت بالمنفعة على التكتلات الحزبية الثلاث التي تأهل العديد من مرشحيها إلى الجولة الثانية التي ستجري الأحد المقبل.
وفور الإعلان عن النتائج الأولية، تفجر أنصار “التجمع الوطني” فرحة بمقر زعيمتهم مارين لوبان، بمنطقة هينان بومون شمال فرنسا، رافعين شعارات موالية لها ومرددين “مارين رئيسة لفرنسا”.
مارين لوبان: “الفوز لم يتحقق بعد”!
علقت مارين لوبان على نتائج الجولة الأولى قائلة: “الديمقراطية تكلمت ووضعت التجمع الوطني في الطليعة ومحت حزب (الرئيس إيمانويل) ماكرون”.
وأضافت: “أشكر جميع الفرنسيين الذين أظهروا رغبتهم في طي صفحة ماكرون وأتباعه”، محذرة: “الفوز لم يتحقق بعد، بل يجب القيام بكل شيء لمنع نجاح جبهة معادية للسامية وللجمهورية” في إشارة إلى “الجبهة الشعبية الجديدة”.
وكررت لوبان دعوتها لأنصار حزبها لمنحه “الأغلبية الساحقة في جولة الإعادة ولكي يتم تعيين جوردان بارديلا رئيسا للحكومة المقبلة باسم مبدأ التناوب على السلطة ثم الشروع بعد ذلك في القيام بإصلاحات”.
وواصلت: “أدعوكم إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع بكثافة في الجولة الثانية”، داعية أولئك “الذين لم يصوتوا لصالح حزبها الاقتراع لصالح الحرية والأمن والوحدة”.
وفي ختام كلمتها، حاولت طمأنة الفرنسيين بالقول: “لن يفقد أي فرنسي حقوقه. الحقوق ستكون كلها مضمونة”، منهية: “في 7 يوليو/تموز المقبل جندوا أنفسكم لكي يفوز الشعب. عام 2024 سيشهد ولادة الأمل”.
ولم يختلف خطاب جوردان بارديلا، رئيس “التجمع الوطني” كثيرا عن خطاب لوبان، فقد شكر الفرنسيين الذين “تنقلوا بكثافة إلى مراكز التصويت وأكدوا مرة أخرى عبر التصويت طموحهم للتغيير”.
جوردان بارديلا، رئيس وزراء لجميع الفرنسيين؟
وقال بارديلا (29 عاما) الذي يملك حظوظا كبيرة لتولي منصب رئيس الحكومة بعد الجولة الثانية: “تصويت يوم الأحد المقبل سيكون تصويتا حاسما في تاريخ الجمهورية الخامسة”.
ووضع الفرنسيين أمام خيارين “إما أن تقبلوا فوز تحالف “السيئين” (يقصد “الجبهة الشعبية الجديدة” التي يقودها جان لوك ميلنشون) والتي تريد تدمير فرنسا والتلاعب بأمنها ومستقبلها، أم تُصوتوا لصالح التحالف الوطني الذي يعد الحصن الوحيد الذي سيدافع عن الجمهورية وعن مؤسسات الدولة والذي سيعيد الأمن ويكبح جماح الهجرة”.
وأنهى: “أتطلع أن أكون رئيس وزراء لجميع الفرنسيين وأحترم المؤسسات والمعارضة. وسأضمن الحقوق وأدافع عن شعار الجمهورية المتمثل في الحرية والعدالة والأخوة”.
ميلنشون: “لا يجب أن نعطي صوتا أو مقعدا واحدا للتجمع الوطني“
بدوره، وجه جان لوك ميلنشون زعيم “فرنسا الأبية” المتحالف ضمن “الجبهة الشعبية الجديدة”، انتقاده الأول لماكرون الذي كان يعتقد، حسب ميلنشون، بأن حل البرلمان سيضع الفرنسيين أمام خيارين اثنين فقط كما كان الأمر خلال الانتخابات الرئاسية، أي التصويت لتحالفه الرئاسي أو لصالح “التجمع الوطني”. وتابع: “لكن الفرنسيين أحبطوا المكيدة عبر الذهاب إلى مراكز التصويت بكثافة ولقنوا درسا كبيرا لماكرون وللتحالف الرئاسي على حد سواء”.
وأضاف أن فرنسا أمام خيارين: “إما تعميق الخلافات والانقسامات بين أفراد الشعب أو التصويت لصالح الجبهة الشعبية الجديدة التي تعد البديل الوحيد لليمين المتطرف”. وأوضح ميلنشون أن “الأمر لا يكمن فقط في التصويت ضد حزب أو تحالف ما، بل التصويت لصالح مستقبل آخر يحترم الكرامة الإنسانية”، داعيا الفرنسيين إلى اختيار “الجبهة الشعبية الجديدة” في الدوائر الانتخابية التي يتنافس فيها ثلاث كتل سياسية. وأنهى:” تعليماتنا واضحة: لا يجب أن نعطى صوتا أو مقعدا واحدا للتجمع الوطني”.
رافاييل غلوكسمان: “لا يجب السماح لعائلة لوبان الوصول إلى الحكم“
من جهته، أكد رافاييل غلوكسمان من “الحزب الاشتراكي” أن “الفرنسيين على موعد الأحد المقبل مع استفتاء شعبي، والسؤال الوحيد المطروح أمامهم: هل تريدون حكومة تكون فيها ماريون مارشال لوبان (حفيدة جان-ماري لوبان) وزيرة للتربية وتيري مرياني (النائب السابق في تيار اليمين الجمهوري) وزيرا للخارجية وإريك سيوتي (رئيس حزب “الجمهوريون”) وزيرا للداخلية؟ أم تريدون التصويت لصالح “الجبهة الشعبية الجديدة” التي تؤمن بالديمقراطية وبقيم الجمهورية وبالاتحاد الأوروبي والتي لا تفرق بين الفرنسيين ولا تنتقي المرضى في المستشفيات؟”. وختم قائلا: “التاريخ سيحاسبنا. لا يجب أن نترك عائلة لوبان تصل إلى سدة الحكم”.
وتبين بعض توقعات مراكز استطلاع الرأي أن الجولة الثانية ستكون حامية الوطيس بين “الجبهة الشعبية الجديدة” وحزب “التجمع الوطني” وحلفائه في العديد من الدوائر الانتخابية.
تنافس ثلاثي في الجولة الثانية
ووفق معطيات نشرها معهد “إيلاب” لسبر الآراء، ستحتدم المنافسة بين مرشحي “التجمع الوطني” و”الجبهة الشعبية الجديدة” و”التحالف الرئاسي” في حوالي 290 إلى 320 دائرة انتخابية. فيما تتوقع أن تكون المنافسة بين مرشحين اثنين فقط (الأول من “الجبهة الشعبية الجديدة” والثاني من “التجمع الوطني”) في نحو 210 دائرة انتخابية.
وأشارت استطلاعات الرأي حصول “التجمع الوطني” في الجولة الثانية على 260 إلى 310 مقعدا و”الجبهة الشعبية الجديدة” على 115 إلى 145 مقعدا والتحالف الرئاسي على 90 إلى 120 مقعدا في الجمعية الوطنية المقبلة. أما “الجمهوريون” فسيحصلون على 30 إلى 50 مقعدا، حسب التوقعات.
فرانسوا هولاند يدعو إلى قطع الطريق أمام اليمين المتطرف
وفور إعلان نتائج الجولة الأولى، أدلت الأحزاب المتنافسة التي تتجهز للدور الثاني الأحد المقبل بمواقف صريحة ومتباينة. فعلى سبيل المثال، دعا إريك سيوتي الناخبين الذين صوتوا لـ “الجمهوريين” في الدورة الأولى إلى التصويت لـ”التجمع الوطني” في الجولة الثانية لأن “الوضع خطير ولأن المؤسسات الفرنسية ستواجه أخطارا كبيرة في حال فاز اليسار المتطرف” وفق تعبيره.
ودعا الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند (يسار) إلى بناء “تجمع كبير يضم كل الذين يؤمنون بالديمقراطية وقيم الجمهورية لمنع اليمين المتطرف من الوصول إلى السلطة. يجب الحفاظ على وحدتنا”.
الناس/متابعة