انتصار الجيش بين مبارك والسيسي.. إذا حضر الماء بطل التيمم!*

0

سليم عزوز**

لم أشاهد فيلم “الممر”، الذي عُرض تلفزيونياً، وتم تقديمه على أنه عمل وطني بامتياز، من لم يشاهده بعث يوم القيامة وقد كتب على جبينه: “آيس من رحمة الوطن”، والذي دفع أحد أبطاله وهو الممثل “أحمد عز”، إلى إعلان أنه يقف دائماً في انتظار نداء الوطن.

ولا يقلل من قيمة هذا الجهد الوطني إلا معلوماتنا أنه حصل على مقابل وطنيته عشرة ملايين جنيه، عداً ونقداً، في وقت يشكو زملاؤه من البطالة، وكان آخرهم الفنانة “نشوى مصطفى”.

فقد سيطر حكم العسكر على الإنتاج الدرامي، وصار من لم ترضى عنه الآلهة كما رضيت على “عز”، يعلن عبر مواقع التواصل عن حاجته للعمل كما فعلت “نشوى”!

سليم عزوز

ليس هذا موضوعنا، فلا جناح على صاحبنا، إن حصل على هذا المبلغ الكبير في هذا العمل الوطني، والذي رأى السيسي أنه نجح، وعليه أبدى رغبته في أن يكون هناك فيلم كل ستة شهور، يجسد انتصار الجيش في حرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول، وقد اختطف هذا النصر ونسبه لنفسه، مع أنه لم يكن قد تخرج في الكلية الحربية عندما تحقق، ولم يكن ممن شاركوا في أي حرب، بما في ذلك حرب الناموس، لكن ما دام الانتصار خاصا بالقوات المسلحة المصرية، وهو ولي أمرها الآن، فمن حقه ادعاء هذا النصر، وكان حرصه في هذا العام أكبر، لأنه وجده فرصة ليعود للناس، بعد القصف المدفعي الثقيل الذي وجهه له المقاول والفنان محمد علي، والذي هدم برنامج السيسي في الحكم، الذي يقوم على ادعاء أن مصر دولة الفقر والعوز، ولدرجة أنه مستعد لأن يعرض نفسه للبيع، لولا أنه لن يجد من يشتري، فإذا بالرأي العام يكتشف أن مصر ليست فقيرة، وأن مواردها يجري اهدارها على بناء القصور الرئاسية، وإذا بنا نكتشف أن هناك سلسلة من القصور بناها السيسي منافسا سلسلة مطاعم كنتاكي، واذا بنا نكتشف أنه أهدر ملياري جنيه على بناء فندق بدون قيمة سياحية مجاملة لجنرال صديقه، وأنه أهدر الملايين على تمهيد الطريق المؤدي لمقابر العائلة!

وإذ عقد مؤتمرا خصيصا من أجل الرد، فقد كان في حكم من جاء يكحلها فأصابها بالعمى، عندما اعترف بأنه بنى قصورا وسيبني، وكان رد أنصاره يقوم على الإنكار والطلب من محمد علي تقديم الدليل على صحة ما يقول، فإذا بهذا الاعتراف يغني عن أي دليل!

مندوب الجيش في الحكم

لا يستطيع أحد أن ينكر، أن السيسي قبل ظاهرة محمد علي ليس هو بعده، وصار هو يدرك تماماً أنه لولا استباحة كل من يتظاهر ضده، لخرج الملايين للشوارع، يقودهم في هذه المرة، ليسوا ثوار يناير، ولكن “حزب الكنبة”، الذي اشتهر بهذا الوصف لأنه لا يشارك في أي فعل سياسي. وقد وجد السيسي في ذكرى انتصار أكتوبر، فرصة للخروج على الناس، باعتباره صاحب هذا الانتصار، أو مندوب الجهة المالكة الحصرية له، فتحدث كما لو كان مندوب الجيش في مؤسسة الرئاسة، وأنه أفضل من لدى القوات المسلحة، وذلك بحسب قوله إنها اختارت أفضل ما عندها للحكم، ومادام هو مندوبها، فهو المنوط به احتكار هذا الانتصار التاريخي، يوشك أن يقول إن صاحب هذا الانتصار من حقه ليس فقط الحكم ولكن أن يحدد أولويات الانفاق، وأن يبني ما يشاء من القصور الرئاسية، فمن حكم في بلده فما ظلم!

ونعلم أن من بين الأبطال الحقيقيين لنصر أكتوبر، سواء من قيادات الجيش أو الجنود، من ماتوا فقراء، فلم يكونوا يعيشون كما يعيش الإمبراطور عبد الفتاح السيسي، الذي لم يشارك في حرب، وليس بالتالي شريكاً في نصر، وأرجو مراجعة شهادة الوزير السابق حسب الله الكفراوي في إحدى القنوات التلفزيونية عن الظروف المعيشية للمشير محمد عبد الغني الجمسي، أما موت “الجندي مجند عبد العاطي” صائد الدبابات، فقيراً، فهو أمر يعرفه القاصي والداني، وقد نُشر كثيراً في وسائل الاعلام في حياته، مع طلب رد الاعتبار للرجل، ولكن لا حياة لمن تنادي!

وبينما يقوم عبد الفتاح السيسي باختطاف نصر أكتوبر ويحتكره لنفسه، لتبرير خروجه بعد أزمة محمد علي، إذا بحسني مبارك (أبو علاء) يضرب “كرسيا في الكلوب” بظهوره في بث عبر اليوتيوب يروي ذكرياته مع انتصار أكتوبر/ تشرين الأول، كونه أحد أبطاله، فكشف عن عملية السطو على هذا الإنجاز ممن لم يشارك فيه، بل شارك في العكس من أهداف الحرب التي كانت من أجل عودة الأرض، والسيسي فرط في التراب الوطني!

بهذا الظهور أكد مبارك أن لهذا النصر صاحبا، وقد بنى مبارك شرعيته على دوره في الحرب، والذي قام بتعظيمه على حساب أدوار أخرى، وقام بعملية تزوير عظيمة عندما رفع صورة رئيس أركان الجيش الفريق سعد الدين الشاذلي، من الصورة الخاصة بغرفة العمليات، ووضع صورته، وقد ظل ثلاثين سنة يختزل هذه النصر في الضربة الجوية، وهذه الضربة في شخصه، وكأنه لا أحد هناك، فلم يجرد الشاذلي فقط من هذا الانتصار، ولكنه جرد السادات أيضاً، يوشك أن يقول إنه صاحب قرار الحرب، ولأنها “دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا”، بحسب القصة التراثية، فقد جرده السيسي من هذا الانتصار، مع أنه كان طيلة السنوات الماضية من حكمه يتعامل مع هذا النصر على مضض، حيث يلقي خطاباً في الذكرى السنوية من تحت ضرسه، فيترك الحرب على العدو الإسرائيلي، إلى الحرب على الإرهاب، ولم يحدث في مرة أن ذكر من كنا نحارب في هذه الحرب، إلى درجة أن من يتابع خطابه السنوي يستقر في وجدانه، أنها كانت حرباً على تنظيم ولاية سيناء، وأن مصر انتصرت فيها على المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين!

ظهور مبارك

بيد أنه في هذه السنة، وبعد أن لعب له محمد علي في الثقة، بحسب وصف السيسي نفسه، اندفع ليسطوا على انتصار أكتوبر، لكن مبارك ذكره بأن لهذا النصر صاحبا على قيد الحياة!

لا أعتقد أن هذا الظهور هو فكرة مبارك، فالرجل ومنذ أن أجبرته ثورة يناير/ كانون الثاني على التنحي صار غير مكترث بشيء، وذلك منذ دخوله قفص الاتهام في وضع المتوفي، فلم تشغله حتى بصورته أمام الرأي العام. ويبدو أن نجليه هما وراء شهادته الآن عن حرب أكتوبر/تشرين الأول، وهما يتحديان التغيب ويقاومانه، ويؤكدان أن لديهما شعبية في الشارع، وهو ما يقلق السيسي كثيراً، وصدرت تهديدات نقلها أعوانه إلى الإبن الأصغر “جمال”، صاحب الطموح السياسي، بأن يلزم بيته، فرضخ، ولم يظهر إلا في عزاء الفنان طلعت زكريا مؤخراً، بصحبة شقيقه الأكبر علاء، الذي سبق له تقديم العزاء منفرداً في والد محمد أبو تريكة، بعد هذا التهديد، ويبدو أن تهديداً جديداً صدر لعلاء أيضاً، من خلال الهجوم الإعلامي عليه.

لقد ظهر مبارك عبر الإعلام الجديد، في تسجيل يروي ذكرياته عن نصر أكتوبر، وهذا الظهور بهذه الطريقة كشف عن عمق الأزمة، وعن التحدي الذي يخشاه السيسي من هذا الحضور لنجلي مبارك، فدولة أبو علاء لم تسلم بالكامل للسيسي، ولا تعتبره تعبيراً عنها، أو مؤهلاً لتمثيلها، وهو لديه خوف من هذه الدولة يفوق خوفه من جماعة الإخوان، وإذا كان عمليا يخوف هذه الدولة بفزاعة الإخوان، فبوفاة الرئيس محمد مرسي، تبدو الجماعة وقد أخرجت نفسها من المعادلة السياسية في مصر بدون إعلان، وهو يزيد من خطر السيسي من هذه الدولة، ومن عموم الفرقاء السياسيين الذين كانوا يجدون في وجوده مبرراً للتصدي للبديل المرفوض!

وكشفت هذا الظهور لمبارك عبر السيوشيال ميديا عن أزمة، فمبارك هو في النهاية أحد أبطال حرب أكتوبر، وهو أولى بها من عبد الفتاح السيسي، الذي عندما يحتفل بها هذا العام باعتبارها أساس شرعيته، في الوقت الذي يعلن براءة من ثورة يناير/كانون الثاني، التي كشفت ظهر مصر وعرت كتفها، حسب تعبيره، فقد سقطت الحساسية باعتباره رمز العهد البائد الذي أسقطته الثورة المصرية، فلماذا لم يدع في الاحتفال بنصر أكتوبر كما دعي وزير دفاعه المشير محمد حسين طنطاوي، ولماذا لم يسلط الاعلام الضوء على دوره، ولم تستضيفه القنوات التلفزيونية بهذه المناسبة، فيضطر للظهور عبر مواقع التواصل ليذكر بدوره وبأنه على قيد الحياة؟

لقد أذاعت قناة “صدى البلد” هذه الشهادة بعد إذاعتها عبر قناة مبارك على اليوتيوب، فهل كان هذا لذر الرماد في العيون، ولتخفيف أثار ظهوره على من يقوم بتغييب مبارك بدون ضرورة ليستولي على الانتصار، أم أنه اجتهاد من القائمين على القناة كما فعل “وائل الإبراشي” من قبل بقبول مداخلة هاتفية من الفريق أحمد شفيق في موضوع تيران وصنافير، وهو التصرف الذي ترتب عليه وقف وائل عن العمل، وتدخل الجهات السيادية لإجبار صاحب القناة ورجل الأعمال أحمد بهجت على بيع نصفها للأجهزة الأمنية؟!

ومهما يكن، فبظهور مبارك فقد قطع الطريق على السيسي في الاستحواذ على انتصار أكتوبر/تشرين الأول والتعامل معه على أنه أساس شرعيته، فالقاعدة الفقهية تقول: “إذا حضر الماء بطل التيمم”.

فلا شرعية للسيسي.

*عن “القدس العربي”

**كاتب ومعارض مصري

 

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.