تدوينتان ترصدان حيثيات سقطة العسكر في استغلال الرياضة!
نورالدين اليزيد
الأولى.. رد هادئ من صحافي مغربي على صحافي جزائري “معارض” لاجئ بفرنسا على هامش ما جرى في مطار هواري بومدين..
ردّا على الزميل عبدو سمار الصحافي الاستقصائي اللاجئ الجزائري المقيم في فرنسا، الذي حلل موقف بلاده المشين اتجاه فريق نهضة بركان، في أحد فيديوهاته على قناته في يوتوب، (حلله) من منظور سياسي، وحاول بخبث “شرعنة” التصرف البليد لسلطات بلاده، عندما اعتبر أنها مجرد أمتعة رياضية يمكن تفتيشها، وليست “حقيبة دبلوماسية Valise diplomatique”؛ وكأن احتجاج المغاربة كان ضد التفتيش وليس ضد مصادرة الأمتعة؛ وأصر صاحبنا على إجراء المباراة بعيدا عن السياسية والبوليميك، وكل هذا تحت يافطة مفترى عليها هي تجنب “الفتنة بين الإخوة”؛ ونود الإدلاء بهذه الملاحظات:
أولا، الزميل يعتبر موقف بلاده “لا يخالف القوانين، وهو موقف يتماشى مع لوائح الأمم المتحدة، التي لم تحسم بعد في نزاع الصحراء، وبما أن الجزائر لها موقف معارض، فمن حقها أن تمنع قميص نهضة بركان”، أو هكذا لمّح، وهذا فيه تدليس وكذب ولعب بالكلمات، لأنه وإن كان صحيحا أن النزاع معروض على الأمم المتحدة، فمَا دخلُ الجزائر في الموضوع، بأن تمنع فريقا مغربيا من نشر خريطة بلاده على قميصه، مادام أن القميص صادقت عليه “كاف” واعتمدته. وكما نعلم فإن كاف لها مستشاروها القانونيون، وعندما صاغت قوانينها المنظمة لتظاهراتها الرياضية، فهي تعلم علم اليقين على ماذا تؤشر وتصادق وماذا ترفض! وأليس تدخل السلطات الجزائرية بهذه الطريقة يعتبر خرقا وانتهاكا لقوانين صادقت عليها البلاد مسبقا وهي قوانين الكنفيدرالية الإفريقية لكرة القدم؟
بقدر ما تسببت فيه واقعة نهضة بركان في مطار هواري بومدين في الجزائر، وكذا واقعة ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء وانسحاب المنتخب الجزائري للفتيان في كرة اليد (المنتخبات العربية تحت 17 سنة)، في إسقاط ورقة التوت الأخيرة عن سوءة هذا النظام الجزائري وفضحته أكثر أمام الرأي العام الإقليمي والدولي، بقدر ما جعله موقفه هذا يبدو فعلا أنه نظام ليست له هيبة ولا وزن ولا تأثير له، كما قال ذات تصريح وزير خارجية موسكو سيرجي لافروف، حين سألوه عن المعايير التي ينبغي توفرها في المرشح للانضمام إلى منظمة الـ”بريكس” غداة رفضها عضوية الجزائر!
ثانيا: حاولتَ يا سي عبدو التبرير لموقفك التضليلي والتأسيس له، بالمادتين 6 و7 من القانون الداخلي لكأس الكنفيدرالية الإفريقية، وهما المادتان اللتان استندت إليهما سلطات بلادك لاتخاذها ذاك الموقف الأرعن. وفي الواقع، وإذا كان هناك يوجد في المادة 6 ما يشير -إلى حد ما- إلى حادثة مطار هواري بومدين (يوم الجمعة 19 أبريل 2024)، فإننا نستغرب الإشارة إلى المادة 7 التي تتحدث كلها عن إنذار وطرد/توقيف اللاعبين والمسؤولين في مباريات التظاهرة الإفريقية، والمساطر التي يجب سلكها، ولا تتحدث مطلقا عن الأقمصة أو الأمتعة الرياضية!
أما بخصوص المادة السادسة، فباستثناء الفقرة 6 منها (من أصل 8 فقرات)، والتي تنص على التالي حرفيا: (قبل مباريات المجموعات، يُسمح بالإعلانات على معدات اللاعبين بشرط أن تتوافق مع تشريعات الدولة المنظمة وتتوافق مع لوائح CAF للمعدات، (Avant les matches de groupes, la publicité sur les équipements des joueurs est autorisée à condition de (i) être en conformité avec la législation du pays organisateur (ii) être en conformité avec les règlements de l’équipement de la CAF؛ فالمادة واضحة وضوح الشمس، فهي تتحدث عن الإعلانات الموجودة على الأمتعة التي لا يجب أن تخالف تشريعات البلد المنظم، ولا نظن أن في أمتعة نهضة بركان ما يخالف تشريعات الجزائر، اللهم إلا إذا كانت خريطة المغرب هي سبب ذلك، وفي هذه الحالة كان على الجزائر أن لا توافق على قوانين “كاف”، التي انطلاقا من هذا البند فإن تشريعاتها ولوائحها توافق على أقمصة النادي المغربي، وهو البند الذي لجأت إليه الكاف في الأخير للبث في الموضوع مساء هذا اليوم (السبت 20 أبريل 2024).
باقي بنود هذا الفصل (السادس) تشير فقط إلى ألوان الأقمصة ومتى يمكن للحكام أن يطلبوا من الفريق الضيف أو أحد الفريقين أن يغير لون قميصه (لون القميص وليس مكوناته)، ولاسيما إذا كان من شأن اللعب بأقمصة متشابهة أن يحدث خلطا. ثم يشير نفس الفصل إلى ضرورة توفر الفريق على قميصين أحدهما يحمل إعلانات وآخر بدون إعلانات، وهذه النقطة تحجج بها عبدو سمار -ولست أدري هل جهلا أم تدليسا-، وهو يحاول تبني موقف سلطات بلاده التي ألمحت إلى هذه الإمكانية التي حاولت فرضها على فريق نهضة بركان، وهي محاولة يائسة وبليدة!
أخيرا كنت أنوي نشر هذه التدوينة قبل صدور قرار الكاف، لكن لم أتمكن، ومع ذلك أتمنى من سي عبدو سمار أن تتوفر لديه الجرأة والمهنية ويعترف بخطئه الذي سقط فيه، وأفترض أنه سقوط بحسن نية!
الثانية.. لهذا السبب ثار النظام العسكري ضد أقمصة رياضية!
“الصحوة” المتأخرة للنظام الجزائري الذي “اكتشف” فجأة أن الأندية والمنتخبات المغربية تلبس أقمصة عليها خريطة البلاد كاملة بما فيها الصحراء، مع أن ذلك ليس جديدا، وقد سبق للمغاربة أن حملوا في عدة تظاهرات رياضية أقمصة من هذا القبيل، بل من تلك التظاهرات ما احتضنتها الجزائر، دون أن ينبس هذا النظام ببنت شفة، تعني -بحسب رأيي المتواضع-أمرا واحدا يُعتبر جوهريا وحاسما في عمر هذا النظام الذي بنى ديمومته واستمراريته على العداء للمملكة المغربية؛
هذا الأمر ذو بُعدين اثنين مُرتبطين ببعضهما البعض:
البُعد الأول: احتضان المغرب لكأس الأمم الإفريقية في السنة المقبلة 2025، واحتمال كبير بتأهل المنتخب الجزائري إلى نهائيات التظاهرة، وبالتالي فإن فرصة تواجد أنصار “ثعالب الصحراء” (المنتخب الجزائري) بالمملكة المغربية جد واردة، وهو ما سيتيح لهم الاطلاع عن كثب على حقيقة الأوضاع داخل المغرب، من حيث البلاد والعباد، والتي ليست هي الصورة طبعا التي رسخها النظام الجزائري لدى غالبية الجزائريين. مما قد يكون عاملا محفّزا للجزائريين -الذين لا شك سيصدمون بواقع المغرب الذي رأوه مباشرة بأعينهم- للتمرد ضد هذا النظام، أو على الأقل للبدء في تغيير رؤيتهم اتجاه البلد الجار/المغرب، والمساهمة في توعية الرأي العام الجزائري، وهذا في حد ذاته سيؤدي بالنتيجة إلى ضرب النظام في الصميم من خلال نسف الروايات التي يروجها الإعلام هناك، وبالتالي إن لم يؤد ذلك إلى العصف به فإن من شأن ذلك على الأقل أن يُسرع بإضعافه أكثر فأكثر..
ولذلك، ومن أجل تفادي هذه “الصحوة” أو الوعي الذي قد تتيحه التظاهرة للجزائريين، فإن النظام العسكري لا مشكلة لديه في أن يستعمل ورقة مقاطعة المباريات الرياضية التي يلعبها مغاربة بأقمصة من هذا النوع، ليس انطلاقا من موقف ومبادئ، ولكن أملا ورجاءً في أن يكون ذلك سببا في عقوبات من “الكاف” تحرم الأندية والمنتخبات الجزائرية من المشاركة في التظاهرات القارية؛ وحتى إذا مرت مناسبة مطار بومدين مع نهضة بركان بسلام، فإن النظام لا يضيره أن يبحث عن مناصبة وفرصة أخرى ليثير حفيظة أجهزة الكونفدرالية الإفريقية لاتخاذ عقوبة في هذا الاتجاه!ففي الأول والأخير، فإن وحدها مثل هذه العقوبة ما قد يجنبه وجع الرأس، وفي نفس الوقت قد تجعله يحشد الرأي العام حوله وهو المقبل على انتخابات سابقة لأوانها ليمررها كما هو مخطط لها وبسلاسة وربح عهدة أخرى إضافية تطيل من عمره ولو قليلا إلى حين!
البعد الثاني: تخوف النظام العسكري من حضور الجزائريين بكثافة إلى المغرب في السنة المقبلة، مما سيدحض آلته الدعائية وكذبه على شعبه، جعله يسقط في ارتباك غير مسبوق، بحيث بدا وهو يستعمل الخريطة المغربية كمبرر لرفضه مواجهة المغاربة رياضيا، (بدا) في قمة التناقض والبلادة؛ فهو يرفض، من جهة، الأقمصة المغربية التي سبق لأندية بلاده ومنتخباتها قد واجهوها في تظاهرات سابقة وحديثة، بل وحتى على أراضيه، ما يفضحه ويزيل عنه ما تبقى من احترام قد يكون البعض ما يزال يحتفظ به له. ومن جهة أخرى فإن اعتباره خريطة المغرب كاملة تمس بسيادته، تفضح أيضا أطروحته التي ما فتئ يُلوح ويدفع بها للتهرب من مواجهة ومخاطبة المغرب مباشرة في قضية الصحراء، ويزعم أنه غير معني بالنزاع، حيث إن إصراره اليوم على تسييس مباريات رياضية لمجرد أن الفُرق المغربية ترتدي أقمصة عليها خريطة المملكة وتقرها اتحادات رياضية قارية وإقليمية، يظهر أنه هو المعني الأول والأخير بقضية الصحراء وليس دميته البوليساريو، وهذا ما ينضاف إلى موقفه السابق من إعلانه القطيعة مع اسبانيا، عندما رفض موقفها المنتصر للأطروحة المغربية!
خلاصة القول.. بقدر ما تسببت فيه واقعة نهضة بركان في مطار هواري بومدين في الجزائر، وكذا واقعة ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء وانسحاب المنتخب الجزائري للفتيان في كرة اليد (المنتخبات العربية تحت 17 سنة)، في إسقاط ورقة التوت الأخيرة عن سوءة هذا النظام الجزائري وفضحته أكثر أمام الرأي العام الإقليمي والدولي، بقدر ما جعله موقفه هذا يبدو فعلا أنه نظام ليست له هيبة ولا وزن ولا تأثير له، كما قال ذات تصريح وزير خارجية موسكو سيرجي لافروف، حين سألوه عن المعايير التي ينبغي توفرها في المرشح للانضمام إلى منظمة الـ”بريكس” غداة رفضها عضوية الجزائر!
ملحوظة: هذه المقالة هي ثمرة تدوينتين نشرهما الكاتب على حسابيه في فيسبوك وتويتر