تواصُل زخم الحراك في الجزائر وسياسيون يعتبرون دعوة قائد الجيش “انقلابا” على إرادة الشعب
من جديد خرج مئات آلاف المحتجين الجزائريين مرة أخرى إلى شوارع وميادين كبريات المدن الجزائرية، في الجمعة السادسة من الحراك الشعبي، للمطالبة باستقالة الرئيس وتغيير النظام.
وتكتسي مظاهرات اليوم (الجمعة) أهمية خاصة بالنظر للسياق السياسي الذي جاءت فيه، حيث ستحدد بشكل كبير موقف الحراك الشعبي من تصريحات قائد أركان الجيش قايد صالح الأخيرة بشأن الفراغ الرئاسي.
ومن أهم ما ميز مظاهرات اليوم في جمعتها السادسة ما يلي:
استفتاء على مقترح صالح
تأتي مظاهرات اليوم بعد تخلي الجيش بشكل واضح ولأول مرة عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عبر تصريحات قائده الفريق أحمد قايد صالح التي دعا فيها إلى تطبيق المادة 102 من الدستور، المتعلقة بشغور منصب رئيس الجمهورية كحل للأزمة.
ولأن جمعة اليوم تمثل أول مظاهرات حاشدة بعد موقف الجيش وتصريحات صالح، فهي تمثل، نوعا ما، الاستفتاء الشعبي على “رؤية الجيش” وقائده لحل الأزمة.
انقلاب الموالين
كما تأتي مظاهرات اليوم بعد سلسلة من الانسحابات المتتالية من هيئات وشخصيات وازنة عرفتها الساحة الجزائرية في الأيام الماضية بعد موقف قائد الجيش. وقد أصابت هذه الاستقالات نظام الرئيس بوتفليقة في مقتل وجعلته وحيدا في وجه الضغوط الشعبية والسياسية المتصاعدة.
ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان بعض الموالين السابقين للرئيس شاركوا في مظاهرات اليوم، وإن كان من المستبعد مشاركة شخصيات ورموز بارزة في الحراك الشعبي بالنظر لموقف غالبية مكونات الحراك من رموز الحقبة الحالية.
مسح الطاولة
ورغم أن المتظاهرين رفعوا في الفترة الماضية شعارات تطالب بإسقاط النظام الحاكم كله، فإن شعاراتهم وهتافاتهم ركزت اليوم على ضرورة التخلص من كل المنظومة الحاكمة وليس بوتفليقة وحده، واتهموا النخبة الحاكمة بأنهم لصوص دمروا البلاد.
وذكرت وكالات الأنباء اليوم أن انتقادات المتظاهرين لم تقتصر فقط على بوتفليقة وحده وإنما طالت أيضا النظام السياسي الذي تركز على مدى عقود حول قدامى المحاربين في حرب الاستقلال عن فرنسا، التي دارت رحاها بين عامي 1954 و1962، وضباط الجيش ورجال الأعمال.
على الهواء
وكان لافتا أيضا في مظاهرات جمعة اليوم أن التلفزيون الحكومي أفرد تغطية خاصة لها، ونقلها عبر بث مباشر لأول مرة منذ اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط الماضي.
بحثا عن رئيس انتقالي
وكان لافتا أيضا في الجمعة السادسة للغضب الجزائري أن عددا من المحتجين اختاروا التجمع أمام منزل الرئيس الجزائري السابق اليمين زروال الذي جرى تداوله ضمن خيارات أخرى لقيادة آمنة للمرحلة الانتقالية، بينما رفضت فئات أخرى.
وكان زروال قد غادر الرئاسة بشكل طوعي في انتخابات رئاسية سابقة لأوانها في العام 1999.
وكان قائد الأركان اعتبر تطبيق المادة 102 حلا دستوريا يقبل به جميع الأطراف ويجنب البلد الانسداد الذي قد يحدث إذا ما استمر الرئيس في مكانه إلى غاية نهاية عهدته في 28 أبريل/ نيسان القادم.
وتنص المادة 102 من الدستور على إعلان حالة شغور منصب رئاسة الجمهورية الذي يتحقق إما بوفاة الرئيس، أو إصابته بمرض خطير ومزمن أو بالاستقالة.
لكن دعوة قائد الأركان لم تجد قبولا من جميع الأطراف بل رفضا وغضبا من بعضها خاصة نشطاء الحراك الشعبي.
“بوتفليقة الحاكم بأمره“
أثارت دعوة القايد صالح جدلا وتساؤلات فورية
هل قام بتسوية مع بوتفليقة ليكفل له مخرجا؟ أم أنه فاجأه وفاجأ محيطه بهذه الدعوة؟
سبب التساؤلات هي العلاقة القوية التي تجمع الرجلين عبد العزيز بوتفليقة والقايد صالح حليفه القوي الذي ضمن استقرار السلطة عندما خرج، محمد لعماري، الجنرال القوي من السلطة متقاعدا بعد خلافه مع بوتفليقة ثم “إحالة” مدير المخابرات السابق، محمد مدين، المعروف بالجنرال توفيق إلى التقاعد ووضع جنرالات آخرين وراء القضبان.
تغير دور الجيش عند ذاك، يقول الدكتور، أحمد عظيمي، العقيد السابق في الجيش الجزائري والأستاذ في الإعلام، “فمنذ ذلك الحين أصبح بوتفليقة هو الحاكم بأمره”.
مدير صحيفة الوطن الجزائرية الخاصة، عمر بلهوشات، قال في لقاء له مع موقع فرانس آنفو الفرنسي في السادس والعشرين من شهر مارس/ آذار الماضي، إن إعلان القايد صالح كان مفاجئا مستبعدا التسوية “ذلك أن عائلة بوتفليقة ومحيطه يتمسكون بالبقاء في السلطة كما نراه في الإعلام يوميا ناهيك عن تغير لهجة خطاب القايد صالح مع الشعب فبعد انتقاد المظاهرات عند بدايتها قال إن الشعب والجيش ينظران في اتجاه واحد”.
فهل تخلى الفريق قايد صالح عن بوتفليقة لإنقاذ النظام كما علق على دعوته كثيرون؟
تزكية متوقعة
زكى حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم دعوة القايد صالح كما كان متوقعا، وزكاها حزب التجمع الوطني الديموقراطي من خلال رئيس الحكومة المقال أحمد أويحي الذي دعا بوتفليقة إلى الاستقالة.
وحذت حذوهم الأحزاب الصغيرة التي تدور في فلك الرئيس الجزائري، بينما وقف حزب مجتمع السلم موقفا وسطيا، “نعم الدعوة مقبولة لكن بشروط “.
لكن الأحزاب المعارضة للسلطة رفضت هذه الدعوة بل ودفعت برئيسة حزب العمال، لويزة حنون، إلى الاستقالة بحزبها من البرلمان.
كما رفض دعوة صالح حزب جبهة العدالة والتنمية الإسلامي من خلال رئيسه، عبد الله جاب الله، فيما اتخذ حزب جبهة القوى الاشتراكية وحزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية نفس الموقف واصفين تلك الدعوة بـ “الانقلاب على إرادة الشعب”.
لا بديل عن المادة السابعة
وكانت ردود الفعل الأبرز هي لنشطاء في الحراك المدني.إذ دعا المحامي والسياسي، مصطفى بوشاشي، الذي يعد أحد أبرز الأسماء في هذا الحراك، رئيس الأركان إلى تطبيق المادة السابعة من الدستور الجزائري التي تنص على أن “الشعب مصدر كل سلطة، والسيادة الوطنية ملك الشعب وحده”.
وبينما وصف، كريم طابو، الناطق باسم الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي دعوة الفريق صالح بأنها تكسير لإرادة الشعب، وصفتها زبيدة عسول رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، بالتدخل غير الدستوري للجيش في السياسة، ودعت إلى خروج الملايين في المظاهرات للرد على دعوة قائد الأركان.
وعجت اليوم شوارع الجزائر بحشود ضخمة من المتظاهرين قال بعضهم إنها الأكبر منذ مظاهرات الثاني والعشرين من شهر فبراير/ شباط الماضي، هتفوا فيها “البلاد بلادنا وسنحقق ما نريد”، كما نقلت صحيفة “الخبر” الجزائرية، ووجهوا رسالة للرئيس بوتفليقة تقول “ارحلوا جميعا” حسب ما نقلته صحيفة لوموند الفرنسية.
الناس-وكالات