“تي في5 موند” تسأل وتجيب.. لماذا إعادة تطبيع العلاقات الفرنسية المغربية اليوم؟

0

نورالدين اليزيد/ عن موقع “TV5Monde

ما تزال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسية بداية الأسبوع للمغرب، تثير الكثير من الجدل والنقاش لدى السياسيين والباحثين الفرنسيين، حيث حاول ثلة من الخبراء في السياسية الدولية والشأن المغاربي الفرنسيين رصد الأسباب التي جعلت الدفء يعود إلى العلاقات المغربية الفرنسية.  

ويورد تقرير مفصل نشره موقع القناة التلفزيونية الفرنسية “تي في 5 موند” (TV5Monde)، فقد استُقبل وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني، يوم الاثنين 26 فبراير الجاري بالرباط، من قبل نظيره المغربي ناصر بوريطة، وأعربا عن رغبتهما في تحسين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد فترة صعبة بين الرباط وباريس.

ويرى لويس مارتينيز المتخصص في الاتحاد المغاربي ومدير الأبحاث في مركز “CERI” للعلوم السياسية فإنه “إذا كانت فرنسا والمغرب تتقاربان، فذلك لأنه ليس لديهما خيار آخر”، موضحا “أن البلدين بحاجة إلى بعضهما البعض حتى لا يجدا نفسيهما معزولين في المنطقة”.

وتشهد فرنسا أزمة دبلوماسية في جميع أنحاء القارة الإفريقية، ومن بين تجليات أزمتها رفضُها من قِبل دول الساحل، وأصداؤها السيئة في تونس، وفشلها في الصراع الليبي. وفي هذا الصدد يحذر لويس مارتينيز من أنه “إذا استمر هذا الوضع، فلن نكون متفقين إلا مع تشاد”!

وبحسب التقرير الموقع باسم أنطوان جوبو فإن المغرب لم يعد بإمكانه الاعتماد على اتفاقيات أبراهام بسبب الحرب في الشرق الأوسط؛ وللإشارة فإنه بمبادرة من إدارة ترامب، اعترفت أربع دول من بينها المغرب بدولة إسرائيل. وفي مقابل هذا الاعتراف الدبلوماسي، استفادت الرباط من الخبرة الأمنية والأمن السيبراني للشركات الإسرائيلية. ولكن قد غيرت الحرب في غزة الوضع؛ والرأي العام المغربي يظل متضامنا مع الفلسطينيين. وبرأي لويس مارتينيز فـ”لو نجحت هذه الاتفاقيات، لما احتاج المغرب أن يأتي إلينا”!

القضية الجزائرية

أحد أسباب هذا الانفراج هو الجزائر. وتواصل البلاد تقاربها مع روسيا والصين ومجموعة الـ”بريكس”، ومؤخراً مع إيطاليا. وخلال العامين الماضيين، حاولت فرنسا عبثا تعزيز علاقاتها مع الجزائر. ويتابع الباحث ذاته موضحا: “الجزائر تريد الاستثمارات، لكنها لا ترغب في إعطاء أسواقها لفرنسا”. ومحاولات التقارب متواصلة. ومن المقرر أن تلتقي الأمينة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية (Quai d’Orsay)، السيدة آن ماري ديسكوت، بنظيرها ووزير الشؤون الخارجية في العاصمة الجزائرية يوم الثلاثاء 28 فبراير (جرى اللقاء).

وانقطعت العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر منذ 24 غشت 2021، ويتنازع البلدان حول مسألة الصحراء والاعتراف بدولة إسرائيل.

“إنها العودة إلى الوضع الطبيعي”، يقول بيير فيرميرين، مؤرخ متخصص في شؤون الاتحاد المغاربي وأستاذ التاريخ المعاصر بجامعة باريس- بانثيون السوربون، ويضيف “لقد كانت لفرنسا دائما علاقات جيدة مع المغرب، وهناك التزام بالتفاهم الجيد بين هذين الشريكين، فهما مرتبطان ارتباطا وثيقا”، مبرزا أن “العديد من النخب في المجتمع المغربي يضغطون في اتجاه تسهيل التعاون، لأن النزاع له تأثير سلبي باعتباره نزاعا بين القادة، وليس بين الشعبين”.

ويُعتبر المغرب بشكل خاص أرضية اقتصادية مهمة للشركات الفرنسية؛ وهناك أكثر من ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم (..). الروابط مهمة أيضًا من خلال تاريخ ووجود جالية مغربية كبيرة في المدن الفرنسية، والتي تضم أكثر من 836 ألف شخص، وفقًا لبيانات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (l’Insee) لعام 2022.

زيارة دبلوماسية إلى الرباط

أكد وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورني، خلال زيارته للرباط يوم الاثنين الماضي 26 فبراير، أن زيارته الرسمية للمغرب هي الأولى له إلى المنطقة المغاربية منذ توليه منصبه في الشهر الماضي. وأعلن الوزير، خلال ندوة صحفية، أن هناك “رابطا استثنائيا بين فرنسا والمغرب ويريد إيمانويل ماكرون أن يظل هذا الرابط فريدا وأن يتعمق أكثر في الأشهر المقبلة”.

من جانبه، اعتبر نظيره المغربي ناصر بوريطة أن العلاقة الثنائية “ليس لها مثيل”. ويشير لويس مارتينيز إلى أن “البلدين ما زالا يتوخيان الحذر وهو ما ظهر خلال لقاء وزيريهما، وليس لقاء الرئيس الفرنسي مع العاهل المغربي مباشرة”!

وكان البلدان على خلاف دبلوماسي لعدة سنوات؛ وفي سبتمبر 2021، نددت الرباط بالقرار الفرنسي بتخفيض التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف. إضافة إلى ذلك، فإن سياسة التقارب التي نهجتها فرنسا مع الجزائر أزعجت المغرب، فيما قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط عام 2021. وأثير جدل آخرٌ في سبتمبر عندما تجاهلت الرباط المساعدات التي أبدت فرنسا تقديمها على إثر الزلزال المأساوي الذي تسبب في مقتل ما لا يقل عن 3000 شخص.

من ناحية أخرى، كشفت منظمة “فوربيدن ستوريز” (Forbidden Stories) أن هواتف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبعض وزرائه قد تم استهدافها عام 2019 من قبل المغرب ببرنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس Pegasus”، رغم نفي الرباط ذلك.

تهدئة العلاقات الدبلوماسية

ويسعى البلدان إلى تهدئة علاقاتهما منذ نوفمبر 2023، عندما أقرّ السفير الفرنسي في المغرب بالخطأ في ما يتعلق برفض الرباط المساعدات الإنسانية الفرنسية. كما تم تعيين سفيرة مغربية بفرنسا (..).

وفي دليل على الرغبة في مواصلة هذا التقارب، جدد ستيفان سيجورني تأكيد دعم باريس لمخطط المغرب للحكم الذاتي في الصحراء. وشدد الوزير على أن “هذه مسألة وجودية بالنسبة للمغرب ونحن نعرف ذلك”، موضحا قوله: “لقد قلنا ذلك وأقوله مرة أخرى اليوم ربما بقوة أكبر: لقد حان الوقت الآن للمضي قدمًا، وسأعمل على ذلك شخصيًا”.

فالصحراء الغربية (المغربية)، وهي مستعمرة إسبانية سابقة، تخضع لسيطرة المغرب بحكم الأمر الواقع، لكن المنطقة يطالب بها الانفصاليون الصحراويون التابعون لجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، وتعتبرها الأمم المتحدة “إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي”.

ويوضح المختص بيار فيرميرين أنه ليس هناك ما يثير الاستغراب في هذا الاختيار: “لم تغير فرنسا سياستها في الصحراء منذ 2007، وهي خطة الحكم الذاتي المُوسعة. لقد أقرته الهيئات الدولية وكان هذا الحد الأدنى الذي أراده المغرب”.

ولمواصلة التقارب، دعا ستيفان سيجورني الوزراء المغاربة لزيارة باريس. كما أعلن عن زيارة وزيري الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير والثقافة رشيدة داتي إلى المغرب خلال الأسابيع المقبلة.

واستقبلت زوجة الرئيس الفرنسي، بريجيت ماكرون، يوم الاثنين 19 فبراير 2024، الأميرات المغربيات الثلاث، شقيقات ملك المغرب محمد السادس، على وجبة غداء. وأعلن الإليزيه على موقع إنستغرام أن هذا اللقاء هو “استمرار لعلاقات الصداقة التاريخية بين فرنسا والمملكة المغربية”.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.