دار الإفتاء المصرية.. أو المتاجرة بالدين للانتصار للسيسي ضد أردوغان+فيديو

0

“الرئيس مسؤول عن دين الدولة” هكذا عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي بوضوح ودون مواربة عن رؤيته للتعامل مع الدين في مصر، وهي الرؤية التي تحولت لاحقا من كلمات إلى سياسات جعلت من الدين أداة في يد النظام.

تصريح السيسي -الذي جاء وقت ترشحه للرئاسة عام 2014- تبعه حديث متواصل ومتكرر من الرئيس المصري عن رؤيته الدينية، ومطالبته المستمرة بـ”تجديد الخطاب الديني”، ومواجهة الجماعات الإسلامية، وضرورة تجييش مؤسسات الدولة الدينية والثقافية والإعلامية في هذا السياق.

وبعيدا عن الأزهر الذي لم يستجب شيخه أحمد الطيب لكل طلبات السيسي المتعلقة بالدين نجح الرئيس المصري في حملة التجييش الدينية للمؤسسات الرسمية ومن ورائها الطرق الصوفية وبعض السلفيين، وبات الدين ورقة سياسية يستخدمها النظام ترغيبا وترهيبا وتبريرا حتى بات مصطلح “تجار الدين” أقرب في الواقع للمؤسسات الرسمية، فيما استمرت السلطة على دأبها في توجيه هذه التهمة إلى معارضيها من المنتمين إلى التيار الإسلامي.

وتفرغت وزارة الأوقاف للسيطرة على المساجد وتنفيذ رؤية السيسي عبر الأئمة والخطباء، مع ظهور متكرر للوزير مختار جمعة دفاعا عن خيارات السيسي الدينية وغير الدينية وهجوما على معارضيه.

بدورها، اشتعلت دار الإفتاء المصرية نشاطا في إصدار الفتاوى ونشر الأبحاث والدراسات الداعمة للسيسي والمبررة لمواقفه، كما انتقلت من مجرد الدفاع والتبرير إلى مهاجمة خصوم الرئيس المصري ومعارضيه، ليس في الداخل فقط، بل حشرت نفسها في الأزمات الدولية والإقليمية بما يوافق هوى السيسي، لتصبح تركيا -خاصة رئيسها رجب طيب أردوغان- هدفا دائما لنيران دار الإفتاء المصرية.

دار الإفتاء

أحدث أزمات دار الإفتاء التي تورطت فيها دفاعا عن السيسي كان وصفها الفتح الإسلامي لمدينة القسطنطينية (إسطنبول) بالاحتلال العثماني، وذلك في معرض مهاجمة أردوغان.

وقال المؤشر العالمي للفتوى التابع لدار الإفتاء في بيان نشره على حسابه الرسمي بموقع فيسبوك “إن العثمانيين احتلوا إسطنبول عام 1453 وحولوا كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد بعد 916 سنة من اعتمادها كنيسة، وفي عام 1934 تحولت إلى متحف بموجب مرسوم صدر في ظل الجمهورية التركية الحديثة”.

وهاجم البيان رغبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إعادة آيا صوفيا إلى مسجد، مؤكدا أنه (أردوغان) يستخدم حاليا ورقة المساجد لكسب مؤيدين له من “المتشددين” في الانتخابات.

وأثارت تصريحات دار الإفتاء المصرية ردود فعل ساخطة في مواقع التواصل الاجتماعي، وانتقد مغردون تحولها إلى أداة في أيدي السلطات لتشويه الحقائق والانزلاق إلى مستوى مهاجمة الدولة العثمانية والفتوح الإسلامية بسبب الخلاف السياسي الحالي بين القاهرة وأنقرة.

وبعد ساعات اضطرت دار الإفتاء لكتابة منشور جديد تراجعت فيه عن وصف فتح القسطنطينية بالاحتلال، لكنها ظلت على حالها في التدخل بالسياسة لمسايرة السلطة المصرية في انتقاد تركيا ورئيسها.

مهاجمة أردوغان لم تكن الأخيرة من قبل دار الإفتاء، فقبل يومين وفي معرض إشادتها بإعلان القاهرة وقف إطلاق النار والدعوة للحل السياسي في ليبيا هاجمت دار الإفتاء تركيا مجددا، معتبرة أن الإعلان يأتي في توقيت مهم للغاية لـ”قطع الطريق على الأطماع والمخططات التركية ومليشياتها في المنطقة”.

واعتبرت أن “انخراط تركيا ومليشياتها لدعم حكومة الوفاق هو لتحقيق مصالحها ومخططاتها الخاصة بالسيطرة على الموارد الطبيعية الليبية، ونشر الفوضى والعنف بالمنطقة العربية، حيث تسعى تركيا إلى الاستفادة بشكل كبير من خزينة الدولة الليبية بالدعوة لاستئناف عمل الحقول والموانئ النفطية، وهو ما تتحفظ عليه القبائل الليبية”.

وأضافت أن تركيا تسعى عبر التدخل في ليبيا إلى “إحياء الإمبراطورية العثمانية، وأن يتوج أردوغان سلطانا عليها، إضافة إلى العمل على زعزعة الاستقرار داخل مصر، والانتقام من مصر وجيشها الباسل الذي وقف بالمرصاد للمخططات الخبيثة التي تهدف إلى السيطرة على البلاد من خلال أذرعها المتمثلة في جماعة الإخوان”

كما سبق لدار الإفتاء المصرية أن هاجمت عملية “درع الربيع” التركية في الشمال السوري، معتبرة إياها انتهاكا للشرعية والقوانين الدولية.

وقال تقرير لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لها إن العملية التركية في سوريا تأتي استكمالا للأطماع التركية في الدول العربية، وإعادة الدولة العثمانية، على حد قوله.

ووجهت دائرة الإفتاء المصرية طلبا إلى المجتمع الدولي من أجل الضغط على تركيا، لإيقاف عمليتها التي تستهدف النظام السوري.

والملفت للنظر أن دار الإفتاء لم تتوقف عن التدخل في الشؤون السياسية الدولية والإقليمية، بل اقتحمت أيضا المجال الفني في سياق مواصلة الهجوم على تركيا ورئيسها، حيث قالت إن أردوغان يستخدم جميع أسلحته وكذلك قواه الناعمة لتحقيق الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، ويريد إعادة الإمبراطورية العثمانية من جديد.

وفي تقرير نشرته الصحف المحلية في فبراير/شباط الماضي، قال المؤشر العالمي للفتوى التابع لدار الإفتاء إن “أردوغان لم ولن يتوانى عن إحياء حلمه باستخدام كافة القوى، سياسيا أو دينيا، أو حتى عبر القوة الناعمة عن طريق الأعمال الثقافية والفنية”.

وتابع التقرير “وخير دليل على ذلك مسلسلا “وادي الذئاب” و”قيامة أرطغرل” اللذان أكد الرئيس التركي أنهما رد مهم على أولئك الذين يستخفون بقدرات تركيا وشعبها”.

ولم يتوقف الاهتمام الدرامي لدار الإفتاء عند مهاجمة المسلسلات التركية، حيث تبعته إشادة بمسلسل “الاختيار” الذي عرض في رمضان لتمجيد قوات الصاعقة بالجيش المصري، وهي الإشادة التي حظيت بتفاعل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي لكن غلبت عليها السخرية والاستنكار.

وعبر صفحتها الموثقة بموقع فيسبوك علقت دار الإفتاء على المسلسل قائلة “لا مانع من الفن الذي يرقق المشاعر ويهذب السلوك، لأن الدين يهدف لبناء الإنسان، وكل فكرة تصب في هذا الاتجاه تحمد”.

ولم تكتف الدار بهذه الإشادة العامة، حيث نشر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لها منشورا مطولا على صفحته بموقع فيسبوك عدّد فيه ما اعتبرها مزايا المسلسل وأهدافه النبيلة التي تحققت.

والأكثر لفتا للنظر في سياق مهاجمة أردوغان وتركيا كان مهاجمة الإفتاء المصرية هتافات “بالروح بالدم نفديك يا أقصى” التي أطلقها مواطنون أتراك خلال أدائهم مناسك العمرة.

وقال مرصد الإفتاء إن تلك الهتافات “استغلال للشعائر الدينية لتحقيق مكاسب إعلامية وشعبية لدى الجماهير البسيطة بادعاء مناصرة المسجد الأقصى والقضية الفلسطينية”.

كما هاجم المرصد الدعم التركي للمساجد في أوروبا بقوله إن “النظام التركي دأب على توظيف الدين في خدمة سياساته التوسعية في المنطقة، وقد ظهر ذلك جليا في توظيف المساجد التركية في أوروبا لتكون بوابة للتجنيد والعمل السياسي التركي هناك”.

الناس/عن “الجزيرة. نت”

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.