غضب غير مسبوق في الصين بعد وفاة الطبيب الصيني أولُ من حذر من فيروس كورونا
أثارت وفاة الطبيب الصيني الذي حاول التحذير من تفشّي فيروس كورونا، موجة غير مسبوقة من الغضب الشعبي والحزن في الصين.
وتوفي لي وينليانغ جرّاء إصابته بفيروس كورونا الذي انتقل إليه بينما كان يعالج المرضى في المستشفى المركزي بمدينة ووهان الصينية، مركز انتشار الفيروس، وفق ما أورد موقع بي بي سي عربي.
وكان وينليانغ قد بعث رسالة في ديسمبر/كانون الأول المنصرم إلى زملائه العاملين في المجال الطبي محذرا من فيروس كان يظنه فيروس “سارس”.
لكن الشرطة وجهت إليه تعليمات بـ “التوقف عن نشر تعليقات كاذبة” وخضع للتحقيق في تهمة “بث شائعات”.
وقوبل خبر وفاة وينليانغ بسيل جارف من الحزن على موقع التواصل الاجتماعي الصيني “ويبو” – لكن ذلك الحزن سرعان ما تحوّل إلى غضب.
وتواجه الحكومة الصينية اتهامات بالتهوين من خطورة الفيروس ومحاولة التكتيم على تفشّيه.
وأججت وفاة الطبيب وينليانغ هذه الاتهامات وأشعلت الحديث عن غياب حرية التعبير في الصين.
وقالت هيئة مكافحة الفساد في الصين إنها ستفتح تحقيقا في عدد من القضايا “بينها قضية الطبيب وينليانغ”.
وكانت الحكومة الصينية اعترفت في وقت سابق بوجود “أوجه قصورٍ” في تعاطيها مع الفيروس، الذي قتل حتى الآن 636 شخصا وأصاب 31,161 في أرجاء الصين.
وبحسب موقع إخباري محلي، فإن زوجة وينليانغ ستضع مولودها في يونيو/حزيران.
اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي الصينية بالغضب من الحكومة بقدرٍ لم تشهد البلاد مثيلا له في السنوات الأخيرة.
وتصدّر وسم “حكومة ووهان تدين لدكتور لي وينليانغ بالاعتذار” ووسم “نريد حرية التعبير”.
إلا أن هذين الوسمين سرعان ما خضعا للرقابة. وعندما أجرت بي بي سي بحثا على موقع “ويبو” اليوم الجمعة، كانت مئات الآلاف من التعليقات قد حُذفتْ، ولم يتبقَّ منها سوى عدد قليل.
وكتب أحدهم معلّقا على موقع ويبو: “لسنا بصدد موت شخص أبلغ عن مخالفات. إننا نتحدث عن بطل”.
واتجه العديد من المعلقين إلى هاشتاج “هل تستطيع تدبّر الأمر، هل هذا مفهوم؟” – في إشارة إلى الرسالة التي أمرت الشرطة وينليانغ بالتوقيع عليها لدى اتهامه بـ “الإخلال بالنظام العام”.
ولا يظهر اسم “وينليانغ” بشكل مباشر في التعليقات، لكن ما يظهر هو الغضب المتزايد وعدم الثقة في الحكومة.
وقال أحدهم معلقا على موقع ويبو: “لا تنسوا ما تشعرون به الآن. لا تنسوا هذا الغضب. يجب ألا ندع ذلك يتكرر”.
وقال آخر: “ستُعامَل الحقيقة دوما على اعتبار أنها شائعة. إلى متى ستكذبون؟ ماذا بجعبتكم غير ذلك لإخفائه؟”
وقال ثالث: “إذا أغضبكم ما تشهدون، فانهضوا. يا شباب هذا الجيل، أنتم قوة التغيير”.

إعلان الوفاة
لحظة وفاة الطبيب وينليانغ على وجه الدقة يحيطها الغموض؛ لكن المرة الأولى التي أعلنت فيها نوافذ إعلامية حكومية وفاته كانت يوم أمس الخميس في تمام الساعة 13:30 غرينتش.
لكن إحدى تلك النوافذ التي أعلنت وفاته عادت وقالت إن وينليانغ وُضع على أجهزة لدعم الحياة من خارج الجسم، ساعدت في استمرار النبض.
وقال صحفيون وأطباء مطلعون إن مسؤولين حكوميين تدخلوا وأصدروا تعليمات إلى وسائل الإعلام الرسمية بتغيير أقوالها والقول بدلا من ذلك إن الطبيب وينليانغ لا يزال يخضع للعلاج.
لكن في وقت مبكر من اليوم الجمعة، أفادت تقارير بأن الأطباء لم يتمكنوا من إنقاذ وينليانغ وأنه توفي في تمام الساعة 02:58 صباحا.
ماذا فعل وينليانغ؟
في الثلاثين من ديسمبر/كانون الأول، بعث طبيب العيون وينليانغ رسالة إلى زملائه خلال دردشة جماعية على إحدى وسائل التواصل الصينية، محذرا إياهم من تفشي الفيروس، وناصحا لهم بارتداء ألبسة واقية لتفادي العدوى.
ما لم يكن يعلمه وينليانغ حينها هو أن المرض الذي كان يتحدث عنه هو فيروس كورونا.
وكان وينليانغ يعمل في مركز تفشّي الفيروس في ديسمبر/كانون الأول عندما لاحظ إصابة سبع حالات ظنّها للوهلة الأولى مصابة بفيروس “سارس” – الذي تفشى كوباء عالمي عام 2003.
وبعد أربعة أيام زاره مسؤولون من مكتب الأمن العام وطالبوه بالتوقيع على خطاب نصّ على اتهامه “بالإدلاء بتعليقات غير صحيحة” ترتب عليها “إخلال جسيم بالنظام العام”.
ونشر وينليانغ قصته على موقع “ويبو”، ووصف فيها كيف عانى من السعال في العاشر من يناير/كانون الثاني، قبل أن يُصاب بالحمى ويُنقل إلى المستشفى حيث شُخّص بالإصابة بفيروس كورونا في الـ 30 من يناير/كانون الثاني.
طبيب عيون ولكنه استشعر الفيروس القاتل
طبيب عيون صيني ولكن عمله امتد إلى مجابهة الفيروسات، وكان أول المحذرين من انتشار فيروس كورونا الجديد، لكن بدل أن يُشكر ويُكرّم على ذلك، تعرض لتأنيب من السلطات الصينية، واليوم الجمعة توفي متأثرا بالفيروس.
تبدأ القصة مع بداية ظهور فيروس كورونا الجديد في مدينة ووهان بالصين في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في سوق للأطعمة كان يبيع حيوانات برية بطريقة غير نظامية.
كان الطبيب لي ون ليانغ (34 عاما) الذي يعمل في مستشفى ووهان، أول من بلغ عن ظهور الفيروس في مدينة ووهان، عاصمة مقاطعة هوبي أواخر ديسمبر/كانون الأول، وفقا لفرانس برس.
واعتقد لي في البداية أن المرض كان سلالة جديدة من متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس)، وهو مرض نشأ في الصين وأودى بحياة نحو ثمان مائة إنسان في أنحاء العالم في عامي 2002 و2003.
أبلغ لي مجموعة من الأطباء على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية وعبر منصة الرسائل “وي تشات” أنه تم التأكد من وجود صلة بين سبع حالات من متلازمة “سارس” وبين سوق للأطعمة البحرية في ووهان، يعتقد أنه مصدر الفيروس.
ونشر لي صورة لنتائج تحليل تؤكد وجود فيروس كورونا -الذي يشبه سارس- في عينة أحد المرضى، طبقا لما ظهر في لقطة شاشة للمحادثات التي جرت عبر منصة “وي تشات” واطلعت عليها رويترز وتحققت منها.
أرسل لي رسائل على مواقع التواصل الاجتماعي، وحذر فيها من فيروس كورونا الجديد، مما أثار غضب الشرطة.
في 3 يناير/كانون الثاني، أُجبر لي على توقيع خطاب قال فيه إنه ألحق “أضرارا كبيرة بالنظام العام”، وجرى تهديده بتوجيه اتهامات له.
كان لي واحدا من ثمانية أشخاص تعرضوا لترهيب من الشرطة في مدينة ووهان الشهر الماضي، بعد اتهامهم بنشر معلومات “كاذبة وغير قانونية” بشأن فيروس شبيه بالإنفلونزا.
لاحقا أبلغ لي وسائل الإعلام الحكومية أنه تعرض للتأنيب من إدارة المستشفيات والمسؤولين في الحزب الشيوعي، بعد أن نبّه زملاءه إلى مجموعة من الأعراض المرَضية المرتبطة بسوق للحيوانات في مدينة ووهان.
في يناير/كانون الثاني، انتقدت المحكمة العليا الصينية شرطة ووهان لمعاقبتها أول “المروجين للشائعات”، معتبرة أن الأزمة ما كانت لتصبح بهذا السوء “لو صدق الناس تلك (الشائعات) في ذلك الحين”.
في الأول من فبراير/شباط، قال لي على موقع ويبو إن نتائج التحاليل التي أجريت له أكدت إصابته بفيروس كورونا، ويُعتقد أنه أصيب في يناير/كانون الثاني الماضي بعد علاجه مريضا بالغلوكوما دون معرفته أنه كان يحمل فيروس كورونا.
بعد منتصف ليل الجمعة، قال مستشفى ووهان المركزي -حيث عمل لي- إنه في حالة حرجة، وبعد ذلك بحوالي ثلاث ساعات، أكد وفاته، وقال “لم تنجح الجهود الشاملة لإنقاذه، نحن نأسف بشدة ونشعر بالحزن على الخسارة”.
وأعلن المستشفى أن لي توفي الساعة 02:58 من ليلة الجمعة بالتوقيت المحلي (الساعة 18:58 من مساء الخميس بتوقيت غرينتش).
وكان لافتا أن وسائل إعلام رسمية -مثل تلفزيون “سي سي تي في” الوطني وصحيفة “غلوبال تايمز”- قد أعلنت عن وفاة لي مساء الخميس، قبل أن تسحب الخبر.
ودون انتظار تأكيد بأن الطبيب فارق الحياة، أعربت منظمة الصحة العالمية من جهتها عن حزنها.
وكتبت صحيفة الشعب اليومية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم على تويتر “ننعى وفاة لي ون ليانغ، طبيب ووهان.. رغم كل الجهود لإنقاذه توفي في الساعة 02:58”.
بطل وطني
بعد وفاة لي أعلنت هيئة تفتيش صينية الجمعة فتح تحقيق، وذكرت في بيان أن فريق التحقيق سيتوجه إلى ووهان “لإجراء تحقيق شامل في المسائل المتعلقة بالطبيب لي ون ليانغ والتي أثارها الناس”.
وقالت تقارير من بكين إن إعلان السلطات الصينية إجراء تحقيق ربما جاء منها لاحتواء ما يمكن إطلاق عليه اسم “ثورة” على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد انتشار خبر وفاة الطبيب.
الوضع في الصين وفي العالم
أخبر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، صباح اليوم الجمعة، نظيره الأمريكي دونالد ترامب بأن الصين “واثقة تماما وقادرة على هزيمة الوباء”.
واتخذت الصين المزيد من التدابير الصارمة في محاولة للسيطرة على تفشّي الفيروس.
وحظرت العاصمة بكين إقامة مآدب جماعية في الحفلات كأعياد الميلاد وغيرها. ووضعت مدنٌ صينية أخرى قيودا على عدد أفراد الأسرة المسموح لهم بالخروج من المنزل يوميا.
وثمة تقارير عن حالات إصابة مؤكدة بالفيروس في نحو 25 دولة. وتم الإبلاغ عن حالتي وفاة جرّاء الإصابة بالفيروس حتى الآن خارج الصين – إحداها في هونغ كونغ والأخرى في الفلبين.
الناس/وكالات