غيرت خريطة المغرب من جديد.. هل تلعب اسبانيا على الحبلين بخصوص قضية الصحراء؟
في ما يبدو أنه تكريس للموقف الملتبس لمدريد إزاء الصحراء، وعودة إلى موقفها ما قبل شهر مارس الماضي، المتسم بمسك العصا من الوسط بخصوص قضية الصحراء، أقدمت اسبانيا على تعديل خريطة المغرب، واجتزأت منه صحراءه، في إشارة واضحة إلى العودة إلى موقفها السابق.
فقد قامت وزارة الخارجية الإسبانية بتعديل خريطة المغرب، بحيث عزلت عنه أقاليمه الصحراوية، بشكل واضح، لتقصي من جديد الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية من الخريطة، ونشرت الأخيرة على الموقع الإلكتروني للوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية (AECID).
ويأتي هذا المستجد بعد أيام من خطاب لرئيس الوزراء الاسباني بيدرو ساناشيز، تجاهل فيه الحكم الذاتي والإشارة إلى المغرب بالاسم، وأكد فقط التمسك بالشرعية الدولية لحل نزاع الصحراء.
وأكدت وزارة الخارجية الإسبانية تصحيح الخريطة، في جواب خطي، إلى عضو مجلس الشيوخ، كارليس موليه، الذي سأل الحكومة عن الخريطة السابقة التي كانت تظهر المغرب والصحراء بدون خط فاصل.
وفي شهر يوليوز الماضي، سأل “موليه” الحكومة عما إذا كانت الخريطة المعنية “انتهاكا للشرعية الدولية” لتقديمها إلى السلطات المغرب.
وردت الحكومة الإسبانية حينئذ قائلة، بكثير من الالتباس، إن وكالة التعاون الإنمائي، خلال عملية تجديد وتحديث صفحات موقعها، “ظهرت مؤقتا إصدارات اختبارية مع محتويات غير نهائية، أو لم يتم التحقق منها”.
وأضافت أن “موقف إسبانيا من مسألة الصحراء الغربية، المتسق تماما مع الشرعية الدولية، يستند إلى الدعم المستمر للمبعوث الشخصي في جهوده للتوصل إلى حل سياسي مقبول للطرفين في إطار الأمم المتحدة”.
وفي سياق ذلك أكد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، يوم 23 سبتمبر 2022، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن إسبانيا تؤيد “حلا سياسيا مقبولا للطرفين”، فيما يتعلق بالصحراء، دون أن ينوه في حديثه إلى مبادرة الحكم الذاتي المقدمة من طرف المغرب كحل وحيد كما تراه لقضية الصحراء، وهو ما أثار تساؤلات لدى المراقبين حول ما إذا كانت تصريحاته تعني تراجعا لمدريد عن قرارها السابق الذي اتخذته في مارس بتأييدها للطرح المغربي.
وقال سانشيز، خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: إن “إسبانيا تؤيد حلاً سياسياً مقبولاً للطرفين، في إطار ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن” مضيفا قوله: “نؤيد تماما عمل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وهو العمل الذي نعتبره حاسما للغاية”.
وفي تعليقها على كلمة رئيس الوزراء الاسباني المفاجئ، كتبت صحيفة “بوبليكو” الإسبانية: الصيغة التي استخدمها رئيس الحكومة تشبه إلى حد بعيد تلك المستخدمة في السنوات الثلاث السابقة. في عام 2018، تضمنت الإشارة إلى حق الشعب الصحراوي في “تقرير المصير”، وهو ما أشارت إليه الأمم المتحدة في قراراتها، والذي ألغاه سانشيز في السنوات اللاحقة. لكن في هذه المناسبة، أضاف زعيم الاشتراكيين بضع جمل أكثر من السنوات الماضية، لإظهار دعم الحكومة للاجئين”، في إشارة إلى ساكنة مخيمات تندوف.
وحسب الصحيفة ذاتها فإن سانشيز “تجنَّبَ أي إشارة للمغرب، بعد أن أعلن في مارس الماضي دعمه لأطروحته، في رسالة إلى ملك البلاد، مما تسبب في تحول تاريخي في المواقف المتعلقة بالصحراء الغربية، لجميع الحكومات السابقة، وتسبب هذا القرار في عاصفة سياسية في كل من إسبانيا والجزائر، كما جمدت جبهة البوليساريو، ممثلة الصحراويين أمام الأمم المتحدة، العلاقات مع الحكومة”، وفق الصحيفة الاسبانية.
لكن الحكومة الاسبانية عادت بعد ذلك على لسان وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس، لتؤكد من جديد على دعم مبادرة الحكم الذاتي.
ونفى ألباريس، في حوار صحافي، أن يكون خطاب سانشيز يعكس تناقضا في الموقف الإسباني بخصوص الصحراء، وأصر على أن الإعلان الإسباني المغربي الصادر في 7 أبريل الماضي، والذي تضمن تأييد مدريد للحكم الذاتي هو الموقف الذي لدى إسبانيا مع المغرب.
وأضاف أن ما عبّر عنه سانشيز بوضوح في الأمم المتحدة، هو أن ذلك يتم بالسعي إلى حل سياسي مقبول للطرفين، في إطار قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها.
وأبرز رئيس الدبلوماسية الإسبانية، أن جميع نقاط ذلك الإعلان الإسباني المغربي يتم الوفاء بها، فهو خارطة طريق، تتطور بمرور الوقت مع الاستمرارية.
ويرى مراقبون أن اسبانيا وجدت نفسها في موقف المحرج، خاصة في ظل تزايد أزمة الطاقة ورغبة مدريد في ضخ المزيد من الغاز إلى سوقها الداخلية، وهو ما يتطلب كثيرا من الليونة والعودة خطوة إلى الوراء، بشأن موقفها إزاء المسألة الصحراوية، بما يمكن أن يلبي طموحات النظام الجزائري، الراغب في الإبقاء على موقف الملتبس إزاء النزاع. في الوقت الذي يساير لوبي اسباني وجانبٌ مما يسمى الدولة العميقة، هذا المنحى، ويدعو حكومة سانشيز إلى عدم وضع كل بيضه في سلة طرف واحد في النزاع، تماما كما فعل مع المغرب منذ شهر مارس الماضي.
إلى ذلك ليس من المستبعد، كما يرى بعض المراقبين، أن ترد الرباط، في حال تأكد تغيّر أو تراجع مدريد عن موقفها العلني في رسالة رسمية إلى الملك، على هذا المستجد، خاصة في ظل تجديد الرباط، عبر خطاب ملكي في الصيف الماضي، تأكيدها على أن قضية الصحراء تعتبر المحدد الرئيسي لعلاقاتها مع الدول.
عبدالله توفيق