في صحافة المغرب!*
سليمان جودة
قرأتُ في صحافة المغرب أن محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة الدولي، طلب من صندوق أبوظبي للتنمية تمويل إنشاء محطة لنقل الركاب في أصيلة، ومدرسة ابتدائية، ومتحف، وأكاديمية للفنون.. وقد جرى افتتاح المحطة بالفعل، وكان مجمل ما قدمه الصندوق من تمويل للإنشاءات الأربعة ١٧ مليون دولار! قرأت الخبر هنا فتذكرت الأستاذ مصطفى شردي، الذي لما أسس جريدة الوفد، وتولى رئاسة تحريرها، وصار نائباً في البرلمان، في منتصف ثمانينيات القرن الماضى، لم يشأ أن ينسى أنه ابن بورسعيد، وأنه نشأ فيها وعاش معاركها مواطناً وصحفياً، وأنه يجب أن يرد لها بعض جميلها عليه!
كان بورسعيدياً بقدر ما كان مصرياً، وكان ينحاز لبورسعيد على طول الخط وعرضه، ولكن بالمعنى الإيجابي للانحياز، وكان هو لسان حالها الفصيح في كل محفل، وكان في المقدمة من خط الدفاع عنها وعن قضاياها في كل المواقف!.
وكان إذا سمع تعليقاً على انحيازه لها بادر فقال ما معناه إن كل مدينة في مصر أنجبت مشاهير مثله في كل مجال، وإن كل واحد من هؤلاء لو بذل بعضاً من وقته في الصالح المباشر لمدينته فسوف يتبدل واقع الحال في الكثير من المدن!
وكان تقديره يرحمه الله أن ذلك سيحدث دون انتظار المدينة في طابور الموازنة العامة للدولة، ودون البحث لها عن باب في الميزانية يسمح، ودون الدخول في تعقيدات الروتين المعروفة.. فقط أن يتطوع كل واحد من المشاهير النافذين بجزء من وقته بما يحقق الصالح العام لقريته التي جاء منها، أو لمدينته التي تعلم في مدارسها، أو حتى لمحافظته التي ينتمى إليها ويتكلم لهجتها دون باقي اللهجات!
وكان نموذج شردي مع بورسعيد نموذجاً ناجحاً، وكان كثيرون في الصحافة وفى غير الصحافة يحاولون تقليده والمشي على هداه! وكذلك نموذج محمد بن عيسى في المغرب.. فالرجل كان سفيراً لبلاده في واشنطن، وكان وزيراً للثقافة، وكان وزيراً للخارجية، ولكنه بعد جولة واسعة من المناصب والمهام عاد رئيساً لبلدية أصيلة يحمل لواءها بين سائر المدن في المغرب، ويضعها في منافسة مع كل مدينة حولها!
والذين زاروها لم يجدوا فرقاً كبيراً بينها في موقعها على شاطئ المحيط الأطلنطي، وبين الرباط العاصمة نفسها التي تقع جنوبها.. وكان الوزير الراحل أحمد ماهر مغرماً بها للغاية، وكان إذا ذهب إلى منتداها تمسك بالإقامة فيها، ورفض الانتقال إلى طنجة الصاخبة على بُعد حجر منها!.. وكذلك كان يفعل الطيب صالح، أديب السودان الأسمر الجميل!. مثال بن عيسى يحتاج إلى تعميم.. وكذلك مثال شردي!
*عن “المصري اليوم”