في فهْم امتناع واشنطن والاتحاد الأوروبي عن الإشادة بـ”العرس الديمقراطي” المغربي !

0

نورالدين اليزيد

الإعلام الرسمي والإعلام التابع، ومردّدُ الصدى، ركز فقط على الجانب الإيجابي لما سماه بشكل مبالغ فيه ولحد التخمة “العرس الديمقراطي”، قاصدا الاقتراع الثلاثي الذي جرى يوم 8 سبتمبر 2021، ولم يسلط أضواء كاميراته وميكروفوناته على الجوانب السلبية المؤسفة التي حدثت في عديد من الدوائر الانتخابية، والتي تكلفت عدسات هواتف الناس بنقل بعضها للرأي العام؛ فرأينا كيف تم اقتحام مكاتب تصويت، وسرقة صناديق انتخابية والعبث بالأوراق الحاوية لها، بل وحتى استعمال المال غير المشروع كرشاوى لإغراء الناخبين.. بينما تكلف مرشحون بالتنديد بتدخلات سافرة لممثلي السلطة، هنا أو هناك، وبشكل إيجابي أو سلبي، سواء إما عبر منعهم منح محاضر التصويت بشكل تام أو بتأخير ذلك، أو من خلال رفض التدخل لوقف تهديدات مرشحين أو عصابات (بلطجية) ممثلين لهم، وهددوا حتى مرشحين منافسين من الترشح، وأحيانا بطرد ممثليهم الملاحظين من مكاتب التصويت؛ وإما من خلال الغياب غير المبرر وغير المفهوم في التواجد في عين المكان حيث كان يحدث العبث والخروقات..

على حد علمي لم يصدر لحد كتابة هاته السطور أي قرار عقابي، أو على الأقل مجرد استدعاء، من وزارة الداخلية لأحد مسؤوليها بإحدى الدوائر التي شهدت خروقات وانتهاكات للقانون ولحق المواطنين في الترشح والتصويت، من طرف جهة رسمية أو من جهة مرشح معين !

هناك مؤشران مهِمان يفيدان أن هذا “العرس الديمقراطي” أصيبت النزاهة والشفافية فيه بغير قليل من الشوائب وربما القاتلة في بعض المواقع:

المؤشر الأول: الولايات المتحدة عبر سفارتها بالرباط اكتفت بـ”تهنئة” المملكة المغربية على ما سمته “النجاح في إجراء انتخابات 2021″، أي أن التهنئة بالنجاح انصبت على الجانب التنظيمي، وليس على فحوى ومغزى العملية الانتخابية. ومثل هاته التهنئات تحظى بها حتى الأنظمة التي تشهد انقلابات عسكرية وتنظم بعدها انتخابات، فتسارع الأنظمة الغربية على تهنئتها بالخطوة، أملا فقط ورغبة في استقرار تلك البلاد. قبل أن تضيف السفارة الأمريكية، في تغريدتها على “تويتر”، في ما يشبه التذكير والتحذير من أن “التزامنا المشترك بالإجراءات الديمقراطية يعزز شراكتنا لمدة 200 عام”؛ أي أن واشنطن، تُذكّر  الرباط بضرورة “الالتزام” بالإجراءات الديمقراطية لتعزيز الشراكة بين البلدين؛ ما يحتمل طرح أكثر من علامة استفهام، وخاصة عمّا إذا كان هذا “العرس الديمقراطي”، كما يُروّج له رسميا، لم يقنع الولايات المتحدة الأمريكية كالتزام ديمقراطي!

المؤشر الثاني: الاتحاد الأوروبي هو الآخر لم يتضمن تعليقه على انتخابات يوم الأربعاء 8 سبتمبر 2021 أية إشادة أو تنويه بشفافية ونزاهة العملية الانتخابية، حتى ولو أشار إلى “ارتفاع نسبة المشاركة” فيها، وهذا يعتبر تحصيل حاصل، ووصفَ الموصوف وتسميتَه بالتسمية التي هو مسمى بها، مع أن ذلك لا يعني أن العملية كانت ناجحة من حيث الحرية في المشاركة ومن حيث التنافس الحر ومن حيث حياد السلطة إزاءها. لأن العبرة ليس في ارتفاع نسبة المشاركة في العملية الانتخابية؛ فقد تكون أقل بكثير من 50 بالمائة، ولكن قد تنال احترام وإشادة المراقبين المحليين والدوليين، ومعهم الفرقاء السياسيون المتنافسون في الانتخابات.

موقف الاتحاد الأوروبي، الذي عبر عنه المتحدث باسمه، بيتر ستانو، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء (الرسمية)، وبعد أن أشار إلى أن الاتحاد تابع “باهتمام كبير” الانتخابات المغربية، أورد أن الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن جوزيب بوريل “تحدث بالفعل مع وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة لمناقشة المواضيع ذات الاهتمام المشترك، ومن بينها الانتخابات”، دون أي تلميح بإشادة أو تنويه، بل وقد يكون عدم الإشارة إلى ذلك، صمتا حمّال أوجه، قد يكون من بينها “عدم رضا” على الطريقة والكيفية.

العرس الديمقراطي لا يكون بالإصرار على جلد الحزب الإسلامي الخاسر في الانتخابات، وإظهاره بأنه حزب منبوذ من طرف الرأي العام، وبالمقابل إبراز باقي الفاعلين السياسيين، على أنهم أطهار ومرحب بهم؛ هذا تضليل وكذب على الرأي العام، وتدليس وتلبيس للحقائق، وترويض للجماهير، التي يبدو أنها ذات ذاكرة قوية، وأكثر وعيا من صناع القرار أنفسهم، وبالنتيجة من السياسيين والحزبيين. لأن هذه الجماهير التي عاقبت بشدة وقسوة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (اليساري) في 2007، هي نفسها التي أقبلت على المشاركة الانتخابية بكثافة لمعاقبة “العدالة والتننمية” (الإسلامي) في 2021؛ أولا لتناقض الخطاب السياسي لهذين الحزبين، بين المرجعية المدغدغة لعواطف الناس وبين الممارسة في الواقع، وثانيا لأن هذه الجماهير عندما تغضب على الفاعلين السياسيين وكذا الاقتصاديين، سواء كانت الدولة أو الأحزاب أو أصحاب رؤوس الأموال، فإنها تعاقب وتكون لها ردة فعلها حتى بدون توقّع أكثر الخبراء دراية بتفاعلات وانفعالات الإنسان؛ فتأتي ردة الفعل تلك إما على شكل حراكات شعبية عفوية، أو إقبالا استثنائيا على المشاركة في الانتخابات، أو بتنظيم مقاطعة شعبية لمنتوجات مؤسسات اقتصادية بعينها.

في كلمة وجيزة؛ ليكتمل “العرس”، مهما كانت طبيعته، ولينجح النجاح المنشود والمأمول، لا يجب إخفاء جوانب القصور في الحفل، وإنما تقتضي معالجتها وتدارك النقائص، كما لا ينبغي المبالغة في تلميع صورة وشخصية “العريس”، إذا كان الناس يعرفون بشكل جيد أن له ما له وعليه ما عليه.. حتى لا نقول أكثر، وسنقوله في حينه.. و #خليونا_ساكتين

[email protected]

https://www.facebook.com/nourelyazid

ملحوظة: هذه المقالة نشرها كاتبها كتدوينة أول الأمر على حسابه في فيسبوك

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.