قضيتان حساستان تعكّران أجواء الود بين مدريد والرباط ما هُما؟
ترجمة /نورالدين اليزيد
يبدو أن التفاؤل المفرط من الجانبين الذي رافق زيارة رئيس الحكومة الاسبانية بيدرو سانشيز مطلع الأسبوع المنتهي للمغرب، وتعبير مسؤولي كل من الرباط ومدريد عن الرضا بشهر العسل السعيد الذي تمر به العلاقات بين البلدين، لا يمكن أن يخفي بعض الشوائب الهامة التي ما تزال تؤثر في العلاقات بين المملكة الإيبيرية وجارتها المملكة الشريفة.
معطيات نقلها موقع “الطيران الرقمي” (aviaciondigital)، أماطت اللثام عن موضوع قرار مدريد رفع الحظر على نقل إدارة المجال الجوي للصحراء (المغربية) إلى الرباط، بالرغم من كل الجدل الذي أثاره هذا القرار لدى سياسيين ومسؤولين اسبان.
ويورد الموقع نقلا عن “إلكونفدونسيال” (Elconfidencial) معلومات تفيد بأن زيارة بيدرو سانشيز الأخيرة إلى المغرب جلبت معها مجموعة من الالتزامات والخلافات في العلاقات بين البلدين، بحيث لا يزال ملف استئناف إدارة الجمارك في سبتة ومليلية، الثغرين المغلقين منذ عام 2018، قضيةً معلّقة، بسبب إشكالات مع وجود عقبات تقنية في الجانب المغربي؛ ومع ذلك فقد رفعت إسبانيا الحظر على نقل إدارة المجال الجوي الصحراوي إلى المغرب.
وبحسب معلومات Elconfidencial، فإن نقل إدارة المجال الجوي للصحراء الغربية (المغربية) كان شرطا من طرف العاهل المغربي محمد السادس شخصيا مقابل إعادة فتح مكاتب الجمارك في سبتة ومليلية. وقد قبلت الحكومة الإسبانية هذا الشرط كجزء من المفاوضات الدبلوماسية بين البلدين، ورغم أن سفيرة المغرب بإسبانيا أعربت عن التزام بلادها بفتح الجمارك قريبا، إلا أن هناك قضايا لا تزال بحاجة إلى حل.
تغيرات وتوترات السياسية
يمثل فتحُ الجمارك في سبتة ومليلية، من قبل بيدرو سانشيز، تغييرا في الموقف فيما يتعلق بالاتفاق الذي تم التوصل إليه سابقا مع محمد السادس في فبراير من العام الماضي (خلال اتصال هاتفي). وتسبب قرار وقف نقل إدارة المجال الجوي الصحراوي إلى المغرب، الصيف الماضي، في زيادة الضغط من طرف الرباط على سبتة ومليلية، وفق “إلكونفيدونسيال”.
ومع ذلك، يتم الآن استئناف هذا الإجراء كجزء من سياسة النقل التي تنتهجها حكومة سانشيز، على الرغم من أن الحكومة المغربية هي المشتبه به الرئيسي في التجسس على الهواتف المحمولة للعديد من أعضاء الحكومة الإسبانية، من خلال برنامج “بيغاسوس” (الإسرائيلي)، وكونها البلد الذي تأتي منه أكبر عمليات تهريب المخدرات إلى إسبانيا وأوروبا، يورد المصدر.
إدارة أجواء الصحراء والخلافات القانونية!
بحسب موقع “الطيران الرقمي” (aviaciondigital)، يدار المجال الجوي للصحراء انطلاقا من جزر الكناري من قبل إسبانيا، وفقا لِلوائح المنظمة الدولية للطيران المدني (إيكاو ICAO) التابعة للأمم المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، استخدم المغرب هذا الفضاء بشكل غير مشروع في السنوات الأخيرة، بما في ذلك استخدام الطائرات بدون طيار. ويثير هذا الوضع جدلا قانونيا، حيث تعتبر إسبانيا الدولة المكلفة بالإدارة، وليست المالكة للمجال الجوي الصحراوي وفقا للقانون الدولي.
ويوضح الموقع المتخصص ذاته أنه منذ سنوات مضت، تناول كمِنبر (الطيران الرقمي) هذه القضية بالفعل، نظراً لأهميتها وما تنطوي عليه من آثار. لقد كان الاهتمام بالأمن العملياتي وحماية المصالح الوطنية في المجال الجوي للصحراء الغربية، موضوعا للتحليل والنقاش في مجال الطيران والعلاقات الدولية.
كان ذلك يوم 12 أكتوبر 2015، عندما صدرت معلومات مثيرة للقلق تخالف قرارات المنظمة الدولية للطيران المدني (إيكاو)، وتسلط الضوء على احتلال المغرب للمجال الجوي الإسباني في الصحراء الغربية (المغربية)، بحسب ذات المصدر.
ويورد أنه وفقا لمنظمة الطيران المدني الدولي، فإن مملكة إسبانيا تخضع منطقة الصحراء الغربية، المعروفة باسم FIR/UIR Canarias، لمجالها الجوي. وتشمل هذه التسمية مطاري العيون والداخلة، تحت اسم “الصحراء الغربية”، دون الإشارة إلى أي تأكيد إقليمي. ويضيف أنه رغم هذا التعيين، فمن المثير للدهشة أن المعلومات حول هذه المنطقة لا تظهر في نشرة معلومات الطيران الاسبانية الرسمية (AIP Spain) وإنما في نشرة معلومات الطيران المغربية (AIP Morocco)، مما يمثل خطرا عملياتيا على الرحلات الجوية العابرة للمنطقة، حسب الخبراء.
وبالنظر لهذا الوضع فقد استجوب عُضوا مجلس الشيوخ في جزر الكناري، السيدتان مار جوليوسومِيليسا أرماس، الحكومة حول حل هذا الخلاف السياسي وعقد اجتماع بين إسبانيا والمغرب ومنظمة الطيران المدني الدولي لمعالجة هذا الاختلال العملياتي الخطير. وبحسب الخبراء، فإن هذا “الاختلال” جعل من المستحيل ضمان الأمن العملياتي من قبل مركز التحكم في جزر الكناري التابع للهيئة الاسبانية المكلفة بإدارة المدارات والطيران ENAIRE، مما يعرض الرحلات الجوية العاملة في المنطقة للخطر.
وبحسب الموقع المتخصص فإنه على الرغم من الصعوبات، واصلت إسبانيا ممارسة مراقبة الحركة الجوية في المنطقة عبر مركز مراقبة حركة الطيران في جزر الكناري. ومع ذلك، لا تزال المشاكل قائمة، مثل عدم وجود اتصال مباشر بين مركز المراقبة في جزير الكناري ACC Canarias وأبراج المراقبة في المنطقة، فضلا عن عدم وجود اتفاقيات رسمية بين هذه الهيئات.
وبالمثل، تم تسجيل العديد من الحوادث العملياتية التي تؤثر على سلامة العمليات الجوية في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بتنسيق عمليات الوصول والإقلاع في المطارات المذكورة أعلاه (العيون والداخلة)، وعدم وجود معلومات دقيقة في نشرة معلومات الطيران الاسبانية AIP Spain حول المناطق المحظورة التي أنشأها المغرب، أو عدم وجود اتصال مباشر بين مركز المراقبة الجوية في جزر الكناري وأبراج المراقبة، أو عدم وجود ضمانات في خدمة البحث والإنقاذ (SAR)، يقول المصدر.
المصالح السياسية والالتزامات الدولية!
يورد الموقع المتخصص في “الطيران الرقمي”، أن هذا الوضع لا يثير مخاوف عملية فحسب، بل يثير أيضًا قضايا جيوسياسية ومدى الامتثال للالتزامات الدولية، حيث تتحمل إسبانيا مسؤولية ضمان سلامة العمليات الجوية في المجال الذي تحدده منظمة الطيران المدني الدولي، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية. علاوة على ذلك، فإن قضية الصحراء الغربية (المغربية) تتطلب حلا عادلا ونهائيا من قبل مجلس الأمم المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار المسؤولية التاريخية لإسبانيا تجاه هذه المنطقة.