محامي الشيطان والمحامون!

0

نورالدين اليزيد 

النقطة المثيرة للتأمل في “نضال” المحامين الذين خرجوا بالمئات، وقيل بالآلاف للاحتجاج يوم الجمعة 21 أكتوبر، على مسودة مشروع القانون الجديد المنظم للمهنة، هو أن هذه المسودة جاءت لتضرب “المكتسبات”، وتمس باستقلالية المحامين في “الدفاع عن حريات وحقوق المواطنين”، كما قال بعض مرتدي البدلة السوداء، على هامش الوقفة الاحتجاجية، للصحافيين، الذين التقطوا أيضا تصريحات لأحدهم، ترمي وزير العدل بالمرض النفسي والعقلي، وبأنه يخدم جهات سرية… هكذا! علما أن الوزير هو محام في الأصل، وفي أي وقت يمكن أن يُعفى من منصبه، أو تنتهي مهامُه ويعود إلى مكتبه ليمارس مهنة الدفاع، ما يعني أنه لن يريد أي سوء لمهنته الأصلية، اللهم إلا إذا كان أحمق..

أيها السادة المحامون، ومنكم خِلاني وأصدقائي، دعوني أكون محامي الشيطان هنا، لو سمحتم، بصفتي الصحافية، لأقول لكم: أن تتحدثوا عن المكتسبات، فهذا شيء طبيعي ومن حقكم، وكذلك أن تستنكروا وتنددوا بإبعادكم من صياغة المسودة، عند مدخلاتها ومخرجاتها، وإن كانت وزارة العدل أكدت على لسان أحد أطرها، أن الوزير وجّه نسخا من المسودة للسادة النقباء المحامين في أفق الاجتماع بهم لمناقشتها!

لكن ألا ترون أن أبرز ما أثار حفيظتكم هو التنصيص في المسودة على مستجدات بإمكانها أن تسحب البساط منكم، ولو قليلا، لتصبح الحكومة/الوزارة تتقاسم معكم تكوين “الطلبة المحامين”، الذين سيصبحون يمرون عبر تكوين لمدة سنة، في معهد، سيكون في الغالب تابعا للوزارة الوصية، أو على الأقل يدار بمشاركتها إلى جانب هيئات المحامين، إضافة إلى قضاء أربعة أشهر، كفترة تدريب في مؤسسات عامة وخاصة. ثم بعدما يُمنح الطالب المحامي شهادة الكفاءة، ليلتحق بعدها بالهيئات للخضوع لتدريب مقابل دفع ثمن الانخراط، وهذا ما مِن شأنه أن يقلل من و”طأة” و”احتكار” هيئات المحامين لاختيار زملائهم الجدد؟

ارتضيت أن أكون محامي الشيطان هنا، لأني ربما أكثر من يشعر بما يشعر به الحامل للشهادة الجامعية، الباحث عن شغل -ما دمت مررت من نفس المرحلة- من مرارة وهو يرى كل المهن يعمل أهلها ما بوسعهم لبناء أسوار سميكة ومنيعة حولها، ويجد الذين سبقوه يصرون على صد كل الأبواب في وجهه، بمزاعم تحصين المهنة المفترى عليه، علما أن ما يمكن أن يحصنها، هو الكفاءة والنزاهة والمنافسة الحرة والشريفة..

أليس غضب جمعية هيئات المحامين، كما جاء في بلاغ لها بداية شهر أكتوبر، واستنكارها لإعلان وزارة عبداللطيف وهبي، عن تنظيم الامتحان الخاص بمنح شهادة الأهلية/الكفاءة لمزاولة مهنة المحاماة، هو ناتج عن اعتماد الوزارة منهجية الأسئلة ذات الأجوبة المتعددة في إجراء الاختبارات الكتابية لامتحانات الأهلية المهنية، وهو ما قد يتيح إمكانية نجاح أعداد كبيرة من المترشحين بعكس السابق، ما قد يجعلكم تخشون من إغراق المهنة بجيوش من المحامين الجدد؟

أليس تخوفكم هذا يشبه تخوف المنافحين الآخرين عن مِهنهم الحرة التي تنظمها قوانين مستقلة، من قبيل الصيادلة والأطباء والعدول والمحسابين والنوطيرات (الكُتاب العدول) وغيرهم، وكلهم يعملون ما بوسعهم للحد ما أمكن من ولوج المهنة من طرف جحافل الخِريجين سنويا من مختلف مدارس ومعاهد وكليات المملكة الشريفة؟

أليس في هذا الدفاع، بشراسة، من الاقتراب من سياجات مِهنكم -وأمثالكم- تشابهٌ بل تماهٍ مع ما يفعله أيضا لوبي المحروقات، الذي للأسف ضِمنه رئيس الحكومة المالك لواحدة من العلامات المعنية، والذي يستميت للذود على مصالحه الربحية؟

ألستم أنتم أيضا لوبي، وهذا تحصيل حاصل، يحافظ على مصالحه، ويريد أن يبني ويدعّم أكثر السياج المحيط بالمهنة، وهو ما يكفي لإثباته النظر فقط خلال العقدين الماضيين، كيف كانت المهنة مشرعة على أبوابها لخريجي كليات الحقوق، ويكفي فقط اجتياز فترة تمرين لسنتين، قبل أن تتحول لثلاث، ثم قبل أن يُفرض امتحان الأهلية مع سنتي تمرين، ثم امتحان الأهلية مع ثلاث سنوات تمرين، وفي كل هذه المراحل كانت الهيئات وحدها الآمر الناهي في المهنة، وكانت الوزارة فقط مانحة للتأشير والضوء الأخضر، ليصبح من المنطقي اليوم تدخلُها مثيرا لغضبكم؟

أخيرا، ارتضيت أن أكون محامي الشيطان هنا، لأني ربما أكثر من يشعر بما يشعر به الحامل للشهادة الجامعية، الباحث عن شغل -ما دمت مررت من نفس المرحلة- من مرارة وهو يرى كل المهن يعمل أهلها ما بوسعهم لبناء أسوار سميكة ومنيعة حولها، ويجد الذين سبقوه يصرون على صد كل الأبواب في وجهه، بمزاعم تحصين المهنة المفترى عليه، علما أن ما يمكن أن يحصنها، هو الكفاءة والنزاهة والمنافسة الحرة والشريفة..

فكَم هي المفارقة شاسعة، والموازينُ مختلة، والعدالة زائفة، أن يكون الذين سبقوا وصعدوا يعملون ما بوسعهم لإزالة السلالم..

ولكم واسع النظر… والسلام

و #خليونا_ساكتين

[email protected]

https://www.facebook.com/nourelyazid

ملحوظة: هذه المقالة نشرها كاتبها بداية على شكل تدوينة في حسابه وصفحته على فيسبوك

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.