مراكش.. المهرجان الوطني للفنون الشعبية، غوص متجدد في موروث المملكة العريق
يشكل المهرجان الوطني للفنون الشعبية، الذي يطفئ هذه السنة شمعته الـ53، تظاهرة فنية اعتادت عشاق ومحبو الفرجة انتظارها كل سنة، وانغماس متجدد من قلب الحاضرة الحمراء في موروث المملكة الساحر والعريق.
ويعد هذا المهرجان، الذي ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، من أقدم التظاهرات الثقافية بالمغرب، وهو بمثابة تكريم متوهج للتراث الوطني المادي واللامادي الغني والمتنوع. ويشهد كذلك على الجهود المبذولة باستمرار من أجل الحفاظ على الموروث الحضاري المغربي الغني ونقله للأجيال القادمة، وفق ما نقلت الوكالة الرسمية (ومع).
ويحتفي هذا المهرجان الوطني بإرث يعكس بوضوح غنى وأصالة وتنوع المغرب كبلد عريق قوي بجذوره الضاربة في عمق التاريخ وانتمائه.
وتشكل هذه التظاهرة، التي تعد ثمرة شراكة بين جمعية الأطلس الكبير ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، وتحظى بدعم من ولاية جهة مراكش-آسفي، ومجلس الجهة ومجلس المدينة وجماعة مشور القصبة، على مر السنين واجهة استثنائية ولحظة ممتعة للاحتفاء بجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية المتعددة والموحدة.
وتحت شعار “الإيقاعات والرموز الخالدة”، يجمع المهرجان الوطني للفنون الشعبية، الذي يعد مبعث فخر للجميع، كوكبة من الفنانين يتجاوز عددهم 600 فنان قدموا من كل ربوع المملكة، للاحتفال في مراكش في أجواء من الفرح والابتهاج بتفرد وطن يواصل تحت القيادة المستنيرة لجلالة الملك سيره نحو الحداثة والتقدم في ظل صون أصالته.
وهو بالطبع حدث ثقافي وفني كبير يهدف إلى إبراز تنوع وغنى التراث الفني المغربي، في ظل رغبة أكيدة قوامها تعزيز الأواصر بين الأجيال خدمة لتعريف الشباب بكنوز الفن الشعبي المغربي.
ومن خلال عروضه الآسرة، يقدم المهرجان الوطني للفنون الشعبية عرضا استثنائيا للمواهب التي تزخر بها مختلف مناطق المملكة مع تسليط الضوء على إبداعاتها الوفيرة.
كما أن هذا المهرجان الساحر، وبصرف النظر عن طابعه الرمزي والثقافي، يضفي على مراكش، الوجهة السياحية الأولى في المملكة، سحرا خاصا بالنظر للدينامية الاقتصادية التي يخلقها خلال هذه الفترة الصيفية التي تشهد فيها “مدينة سبعة رجال” تدفقا كبيرا للزوار من جميع أنحاء العالم.
ويعتبر المنظمون أن “الإيقاعات والرموز الخالدة” ليست مجرد شعار، بل دعوة للتعمق في تاريخ المغرب الحي والاحتفال بالهوية الوطنية من خلال الموسيقى والرقص والغناء والصناعة التقليدية.
وأصبح المهرجان بمثابة قصيدة لنقل المعارف القديمة والقصص التي عبرت بين العصور، مما يؤكد الأهمية الجوهرية للحفاظ على أشكال التعبير الثقافي هاته وتعزيزها.
ويتوخى من مواصلة الحفاظ على الفنون التقليدية ضمان إدامة التفاعل بين الماضي والحاضر. وفي عالم سريع التغير، تتقاطع فيه الثقافات وتؤثر على بعضها البعض، تبرز الحاجة الملحة للحفاظ على هذه الممارسات التي تحدد الهوية المغربية.
ومما لا شك فيه أن المهرجان الوطني للفنون الشعبية، من خلال الحفاظ على مكانته المرموقة في ساحة المهرجانات والفعاليات الكبرى على المستوى الوطني، أعطى لنفسه مهمة نبيلة تتمثل في المساهمة في الحفاظ على هذه الكنوز التي لا تقدر بثمن وضمان استدامتها وجعلها في متناول الجميع، ولا سيما الشباب المغربي، شعلة المستقبل.
ولعل الدليل على هذا النجاح الباهر هو الحماسة التي حافظ عليها هذا المهرجان طيلة الدورات الفائتة، حيث يمنح للجميع فرصة الاحتفال بهذا التراث الثمين، ويسمح بإلقاء الضوء على المكانة المركزية التي تحتلها هذه الفنون في قلوب المغاربة وقدرتها على السفر بهم خارج الزمن.
ومن خلال هذه التظاهرة فإن المغرب، باعتباره أرض السلام، ولكن أيضا أرض التباينات والالتقاءات، يفخر بأن يقدم للجميع بانوراما ثقافية غنية ومتنوعة من كل جهات المملكة، من الأطلس إلى الصحراء، إلى سواحل المحيط الأطلسي، إلى الضفة المتوسطية، تحمل في داخلها تراثا فريدا يتجلى من خلال الأغاني الآسرة والرقصات المتناغمة التي تفتح شهية الاكتشاف.
اكتشاف وانفتاح أيضا على العالم من خلال التركيز على تقاليد ورقصات وأغاني المجموعات الفنية من مناطق أخرى كما هو الحال خلال هذه الدورة، مع الفنانين الذين قدموا من الصين وإندونيسيا وبوركينا فاسو.
وبحسب المنظمين فإن الأمر يتعلق برقصات حيوية وتعبيرات فنية متجذرة في أعماق العصور، مشيرين إلى أن هذه التقاليد، التي تنتقل من جيل إلى جيل، هي أكثر من مجرد ذكرى، فهي النفس الحي لمجتمع يحتفي بالحياة بشغف وإبداع.
وعلى مختلف المنصات المقامة في عدة فضاءات من مدينة مراكش، وخصوصا المسرح الملكي، وساحة جامع الفنا الأسطورية، وحديقة الحارتي، يتمظهر الفولكلور من خلال تفتق الألوان والأصوات، في تناغم بين إيقاعات الدفوف وضربات الأقدام الراقصة، وترتفع الأصوات لتروي قصصا نسجت من الأساطير والواقع.
وتقدم العروض لوحات بصرية ملفتة للنظر ترسم مجتمعا سائرا على سكة التحديث في ظل محافظته بعناية على إرث ماضيه.
ويمكن القول إن الفن المغربي، بكل بهائه وتفرده، يظل إلى الأبد ركيزة للهوية الوطنية، ورباطا لا يفكك يجمع الأفئدة حول الجوهر الثابت لتراث الأجداد الأصيل.
الناس/وكالات