هل تُحرّك إيران والجزائر البوليساريو ضد المغرب خِدمة لروسيا؟

0

نورالدين اليزيد

تصريح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، يوم الاثنين 3 أكتوبر 2022، للصحافة بأن إيران بتمكينها للجماعات الانفصالية والمتطرفة من الأسلحة الحديثة، كالطائرات المسيرة (درون)، فإنها تكون تقوض السلم والأمن في المنطقة العربية، وبأنه ما دامات هذه الجماعات الانفصالية المتطرفة لا تتمتع بالشخصية القانونية والصفة الحكومية، فإنها لا تنطبق عليها مقتضيات القانون الدولي المتعلق باتفاقيات نزع السلاح أو استخدامه؛ وبالتالي فإن من يتحمل مسؤوليته أمام المجتمع الدولي، هو من يسلم مثل هذه الأسلحة لهذه الجماعات، في إشارة إلى كل من إيران والجزائر..

نورالدين اليزيد

هذا التصريح لا ينبغي أن يُؤخذ على أنه مجرد تصريح عابر اقتضته مناسبة حضور وزير يمني في نفس المكان، وهو الذي تعاني بلاده من ويلات حرب منذ سنوات، يعتبر فيها الحضور الإيراني عنصرا حاسما ومؤثرا، بدعمه اللامشروط والمتواصل لجماعة الحوثيين، ولكن تصريح المسؤول المغربي، يعتبر دق ناقوس خطر، للمغاربة أولا، وللعرب والأفارقة ثانيا، وللقوى والمجتمع الدوليين ثالثا؛ كيف؟

أولا: بخصوص كونه تحذيرا لكيان أمتنا المغربية، فإن تأكيد السيد بوريطة ضمنيا ما صرح به يوم الخميس الماضي قيادي انفصالي تابع للبوليساريو، من قلب نواكشوط، من أن جماعته الانفصالية باتت تتوفر على طائرات درون، وهو ما يتعلق في الغالب بطائرات كاميكاز الانتحارية الإيرانية الصنع؛ فإن ذلك يعتبر دعوة من المسؤول المغربي للمغاربة، ليأخذوا كلامه على محمل الجد، بأن الانفصاليين، الذين يحاولون منذ أزيد من سنة بدفعٍ ودعمٍ من النظام العسكري الجار، إلى جرّنا إلى حرب، دون أن يفلحوا لحد الآن، باتوا اليوم على وشك الإحباط، ما جعلهم بتحريض من داعميهم الإيرانيين والجزائريين، يعتزمون تغيير استراتيجية استفزازهم لبلادنا، وليس هناك من استفزاز مؤثر وفعال، غير التوفر على طائرات مسيرة انتحارية، يوجهونها إلى ما وراء الجدار الأمني من الناحية الغربية لتقصف العمق الوطني، وهو ما لطالما هددوا به وروجت له دعاية النظام الجزائري..

في ظل هذا الوضع لن تجد إيران الباحثة عن اللاستقرار وغياب الأمن، ورغبة منها في امتلاك أوراق لمخطابة الغرب والعالم، غير جماعة انفصالية ترعرعت في أحضان النظام العسكري الجزائري، واشتد عضدها في الانفصال والتخريب، هي البوليساريو، من أجل استعمالها كأداة؛ أولا لتمطيط وإدامة نزاع الصحراء، الذي سيسمح لها بضمان بقاء الجزائر حليفا لها في المنطقة العربية عموما، وثانيا للثأر من المغرب والانتقام منه على سلوكه الداعم لأشقائه الخليجيين الذين يعانون تغول وخطر هذا المارد الفارسي !

هنا لا بد من تذكير البعض، من بني جلدتنا، الرافضين لاتفاقياتنا الأمنية مع مختلف شركائنا بمن فيهم إسرائيل، وهي الاتفاقيات التي مكنت المغرب من امتلاك ترسانة من العتاد العسكري المتطور، ومن ذلك الطائرات بدون طيار (الدرون)، وكذا من أسلحة حديثة أخرى، منها بطاريات مضادة لهذا النوع من الطائرات، وهو ما يعتبر إجراء استباقيا لا يمكن إلا أن ننوه به لفائدة بلادنا.. لذلك، فإن على هذا البعض من الذين يتنفسون معنا هواء هذا الوطن ويتقاسمون معنا أرضه وسماءه، أن يقتنعوا بأن جارنا الشرقي لا يريد بنا إلا الشر، وإلا تهديدَ أمننا ووحدة أراضينا.. وبأن على هؤلاء الكف عن ترديد الكلام المدغدغ للعواطف، بأن مشاكلنا مع جيراننا الشرقيين، يمكن حلها بالاتفاق الثنائي معهم. وهو الكلام الذي بات لا يصدق مثله حتى أكثر المتفائلين بلازمة “الأخوة والمصير المشترك.. وغير ذلك”!! لأن وحدهم بعض مرددي مثل هذا الوهم من لازالوا يؤمنون به..

ثانيا: يوجه السيد بوريطة، من خلال تصريحه الصريح عن دعم وتمويل إيران للانفصال والتطرف، كلامه للأشقاء والأصدقاء في الرقعتين الممتدتين عربيا وإفريقيا. ويحذرهم من جديد، لكن هذه المرة بأدلة دامغة جديدة وخطيرة، بأن النفوذ الإيراني الذي تحدث عنه المغرب منذ سنوات، وكان سببا لقطع العلاقات بين الرباط وطهران، ما فتئ يتمدد، ولم يكتف فقط بـ”احتلال” أراض عربية، مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن، جعل بعض هذه الدول سافِلها عاليَها، وعديدا من مدنها شبيهة بالأطلال والأشباح، من شدة الدمار الذي ألحقه أتباع النظام الملالي في بعض هذه البلدان، ولكن وجد له موطئ قدم في أقصى الغرب العربي والغرب الإفريقي؛ فبالإضافة إلى رصد اختراقات ملحوظة ومثبتة للعقيدة الشيعية التي تروجه لها طهران، في بعض دول غرب إفريقيا -بالخصوص- مستغلة الحاجة والفاقة لبعض الشعوب المعوزة هناك، لمقايضتهم بمساعدات إنسانية كمقابل لاعتناق مذهبهم الذي يؤمنون به، تماما كما كانت تعمل الحملات التبشيرية لنشر النصرانية، في البلدان الفقيرة، فإن إيران وجدت أيضا في النظام الجزائري حليفها النموذجي -وقد كان منذ سنوات- ليتحقق لها تواجدٌ معتبر في منطقة مغاربية تعاني الوهن والتفكك، سنة بعد أخرى. وكذا لتكون قريبة من منطقة غير مستقرة ومشتعلة وتعتبر مرتعا خصبا للجماعات الإرهابية، لبعضها امتدادات داخل التراب الجزائري، بل لا يستبعد بعض المراقبين حتى ارتباط بعضها بالأجهزة الأمنية والاستخباراتية الجزائرية..

وفي ظل هذا الوضع لن تجد إيران الباحثة عن اللاستقرار وغياب الأمن، ورغبة منها في امتلاك أوراق لمخطابة الغرب والعالم، غير جماعة انفصالية ترعرعت في أحضان النظام العسكري الجزائري، واشتد عضدها في الانفصال والتخريب، هي البوليساريو، من أجل استعمالها كأداة؛ أولا لتمطيط وإدامة نزاع الصحراء، الذي سيسمح لها بضمان بقاء الجزائر حليفا لها في المنطقة العربية عموما، وثانيا للثأر من المغرب والانتقام منه على سلوكه الداعم لأشقائه الخليجيين الذين يعانون تغول وخطر هذا المارد الفارسي !

ثالثا: ويتعلق الأمر برسالة يُذكّر بها المغرب من خلال السيد ناصر بوريطة شركاءه الغربيين والمجتمع الدولي، وينبههم إلى المدى الخطير الذي وصلته إيران بتغلغلها في منطقة تعيش وضعا عاصفا، من الناحية الأمنية ونشاط الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر؛ بحيث تجاوز دعمها المعنوي والمادي لجماعات الانفصال والتطرف كل الخطوط الحمر، عندما مكنتها من أسلحة متطورة ليست متاحة حتى لعديد من الدول، وهو ما سيشكل خطرا يزعزع ليس فقط أمن واستقرار المنطقة المغاربية والعربية والإفريقية، بل حتى الأمن العالمي، لاسيما في ظل ما ثبت من تحالف، بطريقة أو أخرى، ما بين روسيا من جهة، وبينها وبين كل من إيران والجزائر، من جهة ثانية.

أخيرا، فإن الرد الإيراني ليوم أمس الثلاثاء 4 أكتوبر على اتهام الرباط لها بالعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو الرد الذي جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الذي أرجع ما سماها “هواجس انعدام الأمن في المنطقة إلى تطبيع المغرب مع الاحتلال”، هو ردّ غني عن أي تحليل أو بحث عن أسباب وخلفيات سعي طهران لترسيخ تواجدها غير بعيد عن الحدود المغربية الشرقية والجنوب شرقية. وهو سعي بالإضافة إلى أنه يتماهى مع الخطاب الرسمي الجزائري، المتهِم للمغرب بإدخال إسرائيل إلى المنطقة، فإنه يأتي بالتزامن مع إصرار النظام العسكري الجزائري على إبقاء القطيعة مع جارته الغربية، بل والتصعيد ضدها، عبر تحريض ودعم البوليساريو لنفض يدها من اتفاقية وقف إطلاق النار، المعمول بها منذ 6 سبتمبر 1991، ضدا على توصيات وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي حول الصحراء؛ وتزامنا أيضا مع تزايد الحضور الروسي، عبر مرتزقة “الفاغنر”، في منطقة الساحل والصحراء، وفي الصحراء الجزائرية. وهو ما لا يُستبعد أن يكون الهدف هو تأجيج الأوضاع في هذه المنطقة، لتوجيه الرأي العام الدولي، ولتخفيف الضغط العالمي على الدب الروسي الذي يعاني كثيرا هذه الأيام في الأراضي الأوكرانية التي احتلها، ويتكبد هناك الخسائر تلو الأخرى!

[email protected]

https://www.facebook.com/nourelyazid

ملحوظة: هذه المقالة نشرها كانبها بداية على شكل تدوينة مطولة على حسابه وصفحته في فيسبوك                             

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.