هل ينوي المغرب استرجاع الصحراء الشرقية المحتلة من طرف الجزائر؟
نورالدين اليزيد
كان مثيرا للاستغراب إعراض الصحافة “الوطنية”، العربية والمفرنسة، عن تناول موضوع هو غاية في الأهمية، ويحمل أكثر من إشارة ورسالة من الدولة المغربية للجهات التي يهمها الأمر؛ وهو الموضوع الذي عممتُه الوكالة الرسمية للأنباء (ومع)، قبل أسبوع، في إطار الندوات الثقافية والتنويرية التي تنظمها الوكالة، مع شخصيات من مختلف المشارب، حيث استضافت السيدة بهيجة سيمو، أستاذة التاريخ ومديرة مديرية الوثائق الملكية، لمناقشة موضوعة “الوثائق الملكية.. مؤسسة في خدمة تاريخ المغرب” !

مسألة الغرابة والاستغراب من تقاعس أو تكاسل أو غياب الإعلام الوطني عن تغطية هذا “الحدث” يكمن في قيمة التصريحات التي أدلت بها السيدة بهيجة سيمو، التي من المؤكد أن مهمتها الحساسة والاستراتيجية، باطلاعها على الوثائق الملكية وأرشيف تاريخ “المخزن”، يجعل أي تصريح لها أو موقف صادر عنها له ما بعده؛ وإلا فإن الذين بيدهم أمرُ هذه المملكة الشريفة، لن يسمحوا لها بالخروج إعلامية وإطلاق تصريحات قضّت مضْجع الجار الذي يتخذنا عدوا، وأخرست لسانه وجعلت فقط أبواق دعايته تطلق الكلام على عواهنه المألوف، واتهام هذا المغرب بما دأبت عليه منذ خروج نظامها إلى حيز الوجود في بداية ذات ستينيات من القرن الماضي !
ولأننا صحافيون يهمنا أكثر السؤال الأزلي “ما سبب النزول؟”، فإن الأوضاع الإقليمية والدولية، وتطورات الوضع في صحرائنا المغربية، وظهور مؤشرات على أن أطروحة الدفاع عن أقاليمنا الجنوبية بناء على الجنوح إلى السلم وعدم التصعيد، أظهرت عدم نجاعتها، أو في أفضل الأحوال، لم تُلزم الطرف الآخر/ الجزائر على التراجع عن عقيدتها “المَرضية” من خلال تهديد سيادة الوطن ووحدة أراضيه، فإن الظاهر والملاحظ، من خلال تصريح غير مسبوق لمسؤولة سامية مقربة من القصر الملكي، وقولها إن الدولة المغربية تملك ليس فقط وثائق عبارة عن مراسلات وخطابات وبيعات، وإنما حتى على وثائق هي عبارة عن رسومات وخرائط، تؤكد مغربية الصحراء؛ وأن الأمر -بحسبها- لا يتعلق بالصحراء الغربية فحسب، بل حتى الشرقية منها الممتدة إلى مناطق بشّار وتِندوف التي اقتطعتها فرنسا الاستعمارية من المملكة المغربية، وضمتها إلى الإيالة الجزائرية التي تسلمتها من الامبراطورية العثمانية وكانت تريد جعلها إقليما فرنسيا ما وراء البحار !
من الطبيعي جدا أن يكون المرتعشون الخائفون من التاريخ، سواء الذين يحكمون الجزائر أو أبواقهم أو الاكاديميون والمختصون المدلسون على الناس، يصرون على الإبقاء على الحدود التي خلفها الاستعمار، دون مس، ولكن هذا المبدأ الأممي ليس كتابا مُنزّلا من السماء، ولكن قواعد القانون الدولي التي شرّعته وتأخذ به وتعتبره من المبادئ المحافظة على السلم والأمن الدوليين، هي نفسها التي لا ترى أي مشكل في الاتفاق بين الدول لتغيير حدود الاستعمار أو تعديلها بما يوافق الحقوق التاريخية لهذا الطرف أو ذاك، ولا شك أن اتفاق المغرب ومن كان يمثل الجزائر في سنة 1961 يدخل في هذا الإطار..
تصريحات المسؤولة المغربية السامية، التي مرت عليها مرورَ الكرام صحافتُنا المشغولة بالتلميع والتطبيل والمواكبة لرئيس حكومة فاشل هو وحكومته، وهو ما لم يُخلّف أي صدى أو نقاش جدي مواكب للتصريحات القوية الصادرة عن واحدة من مسؤولي القصر الملكي، عدا عن إعادة نشر قصاصة الوكالة الرسمية في الموضوع، والتي كانت أبرد من برودة الجو هذه الأيام، أثارت (التصريحات) سعار الإعلام الجزائري، بينما لاذ حكام قصر المرادية إلى الصمت، والذي يفسره شيء واحد هو أن المغرب يملك الأدلة والوثائق على أحقيته في أراضيه الصحراوية الغربية منها والشرقية، بينما النظام العسكري لا يملك غير التصريحات الحماسية وبروباغندا هشة مدغدغة يُسوقها للداخل الجزائري..
تلك البروباغندا الرعناء التي تجعل من مبدأ “الحدود الموروثة عن الاستعمار”، لازمتها وشعارها ودليلها الأوحد على استيلاء الجزائري على أرض الغير؛ هذا المبدأ الذي، وإن كان المجتمع الدولي يحترمه ويراعيه، فإن دويلاتٍ إما صنعها الاستعمار أو خدمها هذا الاستعمار بأن اقتطع من أراضي الغير وضمها إلى مستعمرته، تقدسه أيما تقديس؛ والبلاد الجارة المسماة الجزائر اليوم توفّر فيها السّبَبَان؛ أي أنها من صنع الاستعمار الفرنسي، أولا، وثانيا خدمها هذا الاستعمار خدمةً عظيمةً عندما اقتطع أراضي شاسعة من الدول الجارة، وخاصة المغرب وتونس وليبيا وضمها إلى مستعمرته، ليس حبا في شعب لم يكن لهم وطن، بعدما سلمهم العثمانيون للمحتل الفرنسي، ولكن توسيعا وترسيخا للرقعة الجغرافية التي كان يحتلها، ولم يكن يريد مغادرتها، بل وكان يعتبرها إداراتٍ وأقاليمَ فرنسيةً ما وراء البحارDépartements d’outre-mer et Territoires d’outre-mer أو DOM-TOM) بما فيها الجزائر، التي ما يزال لحد الآن ينفي تمتعها بصفة الوطن/الدولة الأمة، ويعتبر أنها مجرد أراضي اقتطعت من الإمبراطورية العثمانية، التي تكالبت عليها القوى الاستعمارية كفرنسا وبريطانيا، خاصة في فترة وهَن وضُعف العثمانيين عندما باتوا يُشبَّهون بـ”الرجل المريض”!
وإذا كان بعض أبواق النظام الجزائري يتحدثُ عن “اتفاقات” وقعتها الجزائر مع الجيران، حول الحدود، ويحترمها هذا النظام، فلماذا وقفت هذه الأبواق عند “ويل للمصلين” ولم تكن لديها الجرأة لتكملة الآية المعروفة، أم أن الشجاعة والمروءة، تجعل مثل هذه الأصوات المدلّسة والمزيفة للتاريخ، تتغاضى بالخصوص عن اتفاقية الإشكال الحدودي الموقعة بين الحكومة المغربية، وحكومتهم في المنفى في يوليوز 1961، بشأن الإشكالات التي خلفها اقتطاع منطقتي بشار وتندوف ومناطق أخرى من المغرب، وفضّل السلطان محمد الخامس، بحسن نية، عدم التفاوض مع المستعمر الفرنسي بشأنها، وأجّل ذلك إلى أن يحصل الجيران على دولة، بعدما فطِن “المخزن” إلى أن مقاومتَهم التي كان يُدعّمها بالمال والرجال سترغم فرنسا على المغادرة كما غادرت المغرب وتونس. ولكن بمجرد أن حصّل الجيران على المراد والانفصال عن إدارة الاحتلال، حتى انقلبوا على عقبيهم واصطنعوا نزاعا مع المغرب سمي “حرب الرمال”، في العام 1963، ما يزالون يلوحون به، ليكون سببا لتنكّرهِم وجُحودهم ومكرهِم وغدرهِم، والتنصل من كل الالتزامات..
من الطبيعي جدا أن يكون المرتعشون الخائفون من التاريخ، سواء الذين يحكمون الجزائر أو أبواقهم أو الاكاديميون والمختصون المدلسون على الناس، يصرون على الإبقاء على الحدود التي خلفها الاستعمار، دون مس، ولكن هذا المبدأ الأممي ليس كتابا مُنزّلا من السماء، ولكن قواعد القانون الدولي التي شرّعته وتأخذ به وتعتبره من المبادئ المحافظة على السلم والأمن الدوليين، هي نفسها التي لا ترى أي مشكل في الاتفاق بين الدول لتغيير حدود الاستعمار أو تعديلها بما يوافق الحقوق التاريخية لهذا الطرف أو ذاك، ولا شك أن اتفاق المغرب ومن كان يمثل الجزائر في سنة 1961 يدخل في هذا الإطار..
ما يرعب النظام الجزائري، جنرالاتٍ وسياسيين ونخبة متواطئة، ويقض مضجعهم، هو أن المغرب، وربما هي المرة الأولى التي يعلنها صراحة، وعلى لسان مديرة الوثائق الملكية المغربية السيدة بهيجة سيمو، وعبر الوكالة الرسمية للأخبار، بأن للمملكة الشريفة أرضا مسروقة ويستولي عليها جيرانٌ منها الصحراء الشرقية، بل أكثر من ذلك، فإن الدولة المغربية/”المخزن” بصدد إنشاء بوابة الكترونية، هي الأولى من نوعها ستنشر وثائق تاريخية حول الدولة/الامبراطورية المغربية، ولاشك أن جيران المملكة الشرقيين فهموا الرسالة غير المشفرة؛ وهذا الموقف المغربي الجديد بخصوص أراضيه له ما بعده بكل تأكيد، ولياتي الجيران برهانهم إن كانت لهم أرض!
فهل بدأ “المخزن”، بهذا الخروج الإعلامي والسياسي والتاريخي غير المسبوق، فِعليا في نهج سياسة جديدة بناء على مقولة “أحسن خطة للدفاع هي الهجوم”، بِلُغة أهل كرة القدم، أم أن الأمر يتعلق باستراتيجية جديدة ومغايرة جذريا، تعتزم مملكة محمد السادس نهجها للدفاع عن سيادته على أراضيه، بل واستعادة “حدوده الحقّة” كما ينص على ذلك الدستور حرفيا؟
https://web.facebook.com/nourelyazid
ملحوظة: هذه المقالة ثمرة لتدوينتين نشرهما الكاتب على حسابه وصفحته في فيسبوك