“هنا لندن”.. تغيب عن مستمعيها إلى الأبد!!

0
نورالدين اليزيد
ارتجافة نادرا ما أشعر بها هزت فؤادي هذه الصبيحة (الجمعة 30 سبتمبر 2022) وأنا أتلقى خبر إغلاق القسم العربي لإذاعة “بي بي سي” بعد مسيرة إعلامية حافلة استمرت 84 سنة.. المفاجأة غير السارة التي فاجأت كل محب لهذه الإذاعة مرده إلى أنها كانت أول مدرسة وأهم مدرسة لصاحب التدوينة، وهي التي شكلت وعيه وشغفه وحبه لمجال الصحافة وهو لم يزل طفلا يانعا في منتصف ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي..
نورالدين اليزيد
“هنا لندن” العبارة التي كان يطلقها ذات الصوت الرخيم سواء كان بتاء التأنيث أو لِرجل من العاملين في إذاعة لندن-بي بي سي، ثم تتبعها دقات جرس “بيغ بين”، معلنة عن بداية نشرة أخبار، كان كل ذلك يعني لي وأنا الفتى الغض، حينها، الشيءَ الكثير.. إنها باختصار لحظة تعلم وتلقن تدوم دقائق معدودات، لكن تقدم سيلا جارفا من المعلومات، تفوق قدرة استيعاب دماغ طفل أدمن على هاته الإذاعة منذ سن الثاني عشرة أو أقل بقليل..
لم أكن أعرف حينها أن هناك أنواعا من الصحافة والإعلام، وأن فيها العمومي/الرسمي والخاص/المستقل، والتابع وتابع التابع، والذي تشابه بين هؤلاء، ولكن جوارحي تعلقت أيما تعلق بهذه الإذاعة اللندنية الخارقة لعالم الإذاعات والإعلامات. وازداد شغفي بها أكثر مع الغزو العراقي للكويت في سنة 1990، وما أعقبه من تحرير للأخيرة، بداية السنة الموالية.. حيث شاركت العشرات من الدول، في حرب أشبه بالعالمية، عندما كانت غزارة الأخبار من هنا وهناك، لا تغنيني عن الالتصاق بالراديو لالتقاط الترددات الأثيرية التي تأتيني من عاصمة الضباب، تاركة في جوارحي شعورا رائعا، وإرواء لضمئي للمعلومة..
تأثير “بي بي سي” علي كان أكثر من ذلك، حيث استمر شغفي بالسياسة والأحداث الدولية فكان أن اقتحمت مجال الصحافة مسلحا برغبتي الجارفة وزادي المعرفي الأكاديمي وذاك الذي اكتسبته من سماع الإذاعات بما فيها الوطنية، طبعا، وبما استطعت اقتناصه من معلومات من الصحف الوطنية وبعض المجلات العربية عندما كنت أستطيع إليها سبيلا.. لكن حبي لإذاعة لندن (بي بي سي) كان استثنائيا، وكل يوم كان ينمو بداخلي، إلى أن اكتشفت في سنوات النضج المهني والمعرفي، أن الشبكة التي تنتمي إليها هذه الإذاعة هي المؤسسة الإعلامية الوحيدة في العالم التي لا تذيع وصلات إشهارية، وذلك للحفاظ على استقلاليتها الإعلامية..
في تلك الأشهر القليلة تلقفت مفاهيم سياسية عسيرة حتى على عقول الكبار والشيوخ بل والمختصين كذلك؛ من قبيل “عملية درع الصحراء” و”عاصفة الصحراء” كتسميات لحرب تحرير الكويت، و”أم المعارك” التي أطلقها الرئيس العراقي صدام حسين لمواجهة التحالف العسكري الدولي.. وغيرها من تفاصيل تلك الحرب، التي حفرت في ذاكرتي معلومات أثرت بشكل كبير على توجهي التعليمي وعلى شخصيتي، حيث ما هي إلا سنوات قلائل، حتى أنجزت في سنة 1999، بحثا أكاديميا، هو إجازة في العلاقات الدولية حول حرب الخليج الثانية (غزو الكويت وتحريرها)، لأتوج به نجاحي وتخرجي من جامعة المولى إسماعيل بمكناس..
تأثير “بي بي سي” علي كان أكثر من ذلك، حيث استمر شغفي بالسياسة والأحداث الدولية فكان أن اقتحمت مجال الصحافة مسلحا برغبتي الجارفة وزادي المعرفي الأكاديمي وذاك الذي اكتسبته من سماع الإذاعات بما فيها الوطنية، طبعا، وبما استطعت اقتناصه من معلومات من الصحف الوطنية وبعض المجلات العربية عندما كنت أستطيع إليها سبيلا.. لكن حبي لإذاعة لندن (بي بي سي) كان استثنائيا، وكل يوم كان ينمو بداخلي، إلى أن اكتشفت في سنوات النضج المهني والمعرفي، أن الشبكة التي تنتمي إليها هذه الإذاعة هي المؤسسة الإعلامية الوحيدة في العالم التي لا تذيع وصلات إشهارية، وذلك للحفاظ على استقلاليتها الإعلامية، وإن كان تمويلها يأتي من خزينة الدولة البريطانية.. هنا يبدو التأثير واضحا وصادقا ونقيا، على صاحب هذه الكلمات، الذي رفض بكل فخر أن يكون تابعا لأحد أو خاضعا لأجندة هذا أو ذاك من المسؤولين أو المؤسسات.. حب له ما يبرره !!
شكرا “بي بي سي” لأنك كنت مدرستي الأولى في الصحافة..
https://www.facebook.com/nourelyazid
ملحوظة: هذه المقالة نشرها كاتبها كتدوينة مطولة على حسابه وصفحته على فيسبوك 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.