عن المال العام وعن المال الخاص كلمة!

0

د.محمد وراضي

طالما جرى الحديث على لسان الاقتصاديين والسياسيين والبرلمانيين، عن المال العام. ومفهوم المال إن نحن تحرينا الدقة والوضوح التامين، هو كل ما يملكه الفرد أو تملكه الجماعة من متاع، أو أراض، أو تجارة، أو عقار، أو حيوان، أو نقود. بحيث يتضح من هذا المفهوم الشامل للمال، كيف أن الشيوع كان هو أساس البدايات الأولى للمجتمعات البشرية، الآخذة في الاستقرار وترسيم الحدود، أي بعد مرور مرحلتي الترحال ومزاولة القنص. نعني قبل أن تظهر إلى الوجود الأراضي المملوكة للأفراد، بفعل التطور الناجم عن تقسيم العمل.

فالمتعاطون للفلاحة غير المتعاطين لباقي الحرف والمهن… حتى المتفرغون للقيام على الطقوس الدينية، أصبح وجودهم ضروريا لإتقان الربط بين الأرباب والمربوبين، لما للربط بينهما من تأثير مباشر على الحياة الجماعية المشتركة على أراضي مشتركة، تحدها اللغة والمصالح والعادات والأعراف ونوع الديانات، حتى وإن كانت المجموعات القبلية مغلقة، فإنها سوف تعرف الانفتاح المتبادل مع مرور الزمن.

وبما أن الصراعات التي هي من طبع البشر، سوف تحتدم لا محالة، فإن الأديان السماوية كلها، تتجه إلى ترسيخ الاقتناع بأن الأرض لله. وأن المال مال الله. مما يساهم في تخفيف المواجهات والاصطدامات بين المتطلعين إلى حيازة أكبر قدر ممكن من الأرض والمال كليهما، وبين المعارضين الرافضين لتجاوز حالة الشيوع البدائي.

فصح أن المواجهات سوف يتولد عنها ظهور الأقوياء والضعفاء. وصح أن وجود هذين الطرفين، لم يكن بمحض الصدفة والاتفاق، وإنما هو عبارة عن حتمية لا محيد عنها لكونها وقود للتطور والترقي، أي وقود لقطع خطوات في درب النمو العقلاني والمادي البشريين من جهة، وفي تقوية الجشع  الطبيعي من جهة ثانية.

وما الصراع الطبقي الذي بنى عليه كارل ماركس فلسفته، غير تصور لوضعين بشريين: وضع حالة الشيوع الأولى. ووضع حالة استفحال الملكية الفردية التي تم تحويلها إلى أداة للقهر والابتزاز، إلى حد الفظاعة في عصرنا الراهن.

وقبل انتهاء البشرية إلى الوضع الحالي الذي أوضحناه، قدم القرآن الكريم حلا وسطا ملائما للحيلولة دون مزيد من التوغل في العالم المجهول، إرضاء للأنانيات التي يدفع إليها حب التملك والسيادة والسيطرة، إلى الحد الذي نستطيع عنده قراءته في الأحداث العالمية التي لا تكف وسائل الإعلام عن إدخالها إلى بيوتنا في كل وقت وحين.

فكيف نوضح لقرائنا الأكارم، أن الأرض أرض الله، وأن المال مال الله؟ وكيف نبرهن على أن هاتين القناعتين لدى المتمسكين بهما، تشكلان حلا لما يتخبط فيه عالم اليوم، بخصوص الابتعاد عن الإنسانية، التي يلزم أن تنأى بقيمها السامية عن الدوابية الغابوية الموسومة بالهمجية، أوبما يعرف في الإسلام بالجاهلية، في غيبة عن العقلانية المميزة للإنسان عن غيره من موجودات العالم، والخاضعة لقانون الأقوى، الذي تحدث عنه بإمعان جان جاك روسو، واستهجنه أيما استهجان.

قال تعالى: “ولله ملك السماوت والأرض وما بينهما”. وقال: “له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت”؟

هذا بخصوص الأرض التي هي مملوكة له وحده سبحانه. أما بخصوص المال فيقول تعالى: “ويمدكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا”. ويقول: “وآتوهم من مال الله الذي آتاكم”.

وإن نحن سلمنا بهذين المبدأين: الأرض أرض الله، والمال مال الله. فعلينا أن نسلم بأننا خلفاءه فيهما، بكل ما تحويه الأرض فوقها وتحتها، وبكل ما في بحارها المطلة على بلداننا. يعني أن الكل أصبح مملوكا لنا جميعنا كمجموعة    بشرية، لا كفرد أو كأفراد. مؤكدين هذه القناعة بقوله عز وجل: “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة. قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك”. كما نؤكدها بقوله تعالى: “ثم جلعناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون”.

فيكون هذا الثلاثي الذي له دلالته الفلسفية أساسا لدولة، أو حتى لدول يصح وصفها فعلا بأنها إسلامية. نقصد أن الأرض والمال لله، وأننا خلفاء له فيهما، حيث نملك حرية التصرف المقيدة فيما هو له سبحانه… وحرية التصرف هذه توصف بالاعتدال، فلا إفراط ولا تفريط. فمال الجماعة لا بد أن يحترم. ومال الفرد لا بد أن يحترم. فلا العودة إلى عهد الشيوع ممكنة. ولا التسليم بالحرية المطلقة في طغيان مال الفرد على طغيان مال الجماعة مسلم دينيا به، لا بمنطق الدين، ولا بمنطق العقل والتجربة، مع التسليم بأن القرآن الكريم خطاب عقل، لكونه موجها إلى العقلاء لا إلى السفهاء؟

إنما عن طريق قانون الأقوى، طغى المال الفردي على المال الجماعي أو على المال العام. إذ متى ركزنا تفكيرنا على عالم الاقتصاد والمال والاجتماع، لما وجدنا غير ما أكد الدين على وجوب تجنبه، معززا ما أكده بأدلة تاريخية محسوسة مجسدة في الطغاة والأثرياء؟ وما فرعون إلا صورة لمتجبر لا يعترف بالثالوث المتقدم ذكره. يكفي قوله السائر: “أنا ربكم الأعلى”؟ يعني أنه مالك للأرض وما عليها بما فيها مواطنو حدود امبراطوريته؟ وهذا الادعاء ملازم لكافة الطواغيت عبر التاريخ. ونعتقد جازمين أن وجودهم في حاضرنا واضح وضوح الشمس؟ وما علينا غير استقراء واقع قادة الدول في وقتنا الراهن من خلال حكمهم لشعوبهم، التي تعاني من ظلم ومن تهميش محسوسين؟ خاصة منهم قادة الدول العربية والإسلامية؟ وما مسمى الربيع العربي غير تعبير عن رفض ما يجري، بعيدا عن المراقبة والمحاسبة والمساءلة، التي ينبغي أن يفرد لها نص دستوري، يعتبر التصرف في المال العام من طرف أي كان من أكبر الجرائم التي لا بد أن تواجه بأشد العقوبات، هذه التي لا بد أن تكون عبرة لمن يعتبر؟

إن المال العام عندنا إذن هو كل ما يستخرج من أرضنا المشتركة من معادن، وما تتوفر عليه من أنواع المحروقات، أبرزها البترول والغاز، وما تحويه من فوسفاط، وفحم حجري، وكل ما يمكن الانتفاع به فوقها وتحتها. فضلا عن المنتوجات الفلاحية والمداخيل الجمركية والجبائية، وما يتم استخراجه من البحر المطل على بلداننا، وما يتم تحصيله من الزكاة التي فرض الشرع على حكامنا جبيها لكونها مساهمة مباشرة فعالة في الاقتصاد الوطني. هذا إن نحن اقتنعنا فعلا بأن الأرض أرض الله، وأن المال مال الله، وأنه سبحانه جعلنا خلفاء له لينظر كيف نتصرف. وله بعد ذلك وحده مكافأة كل منا على فعله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر؟؟؟

 

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.