الدّرسُ المَلكي لِبنكيران

0

نورالدين اليزيد

خطاب العرش هذه السنة التي توافق الذكرى الخامسة عشر لتولي الملك محمد السادس حكم الدولة العلوية تَميز بخاصيتين أساسيتين، وحمل رسالةً واضحة إلى الحكومة التي يقودها “زعيم” حزب يزعم أنه إسلامي !

فأما الرسالة التي لا تحتاج إلى بحث عميق لمعرفة المُرسلة إليه والسياق، وكذا المغزى من إرسالها في هذا الوقت بالذات، فهي أن هذا البلد المسمى المغرب هو فسيح لأبنائه جميعا لتولي الحُكم ولتدبير الشأن العام، لكن بشرط أن يكون هذا الذي تولى إدارة شأن البلاد قادرا على نقد الذات والاعتراف والإقرار بالخطإ حين يخطئ بعيدا عن أية مزاعم بالطهرانية والعصامية، لأن ذلك هو الغرور بعينه المؤدي إلى المتاهات والضلال بكل تأكيد.

وأما الخاصيتان اللتان ميّزتا خطاب العرش لهذه السنة فهما الآتيتان:

الأولى اتسام الخطاب بواقعية كبرى تكاد تكون غير مسبوقة، وذلك عندما لم يجد رئيس الدولة وسليل الأسرة العلوية التي لطالما تحاشى ملوكُها الإشارة بالبنان إلى الفوارق الاجتماعية التي ميزت على مر التاريخ المملكة الشريفة؛ بحيث تواجد بها الأغنياء لحد الغنى الفاحش الذين يسكنون القصور والبنايات الشاهقات وينعمون برغد العيش، إلى جانب الفقراء العديمي الدخل الذين يفتقدون إلى أبسط مرافق الحياة الكريمة ويأوون أماكن تسمى ظُلما وتجاوزا مساكن، تكون مراتع خصبة لإنتاج مختلف مظاهر الانحراف الاجتماعي التي تجر المجتمع برمته إلى الخلف بدل أن تدفعه إلى تقدم درجات إلى التنمية. واقعية جعلت الملك بقدر ما يمدح الإنجازات بقدر ما يضع أصبعه على مكامن الضعف والوهن التي تعتري جسد  المجتمع، بعكس رئيس الحكومة الحالي عبدالإله بنكيران الذي كلما خرج يخطب إلى الناس إلا وتمادى في جرد المحاسن دون ذكر المساوئ الكثيرة، بل ولربما ذهب إلى إخفاء الأخيرة بشعارات تبتعد عن الواقع.         

انتبهوا.. فالملك الذي لُقب بـ”ملك الفقراء”، الآن يقول صراحة وبدون أي حرج أن هناك فئات من الشعب المغربي ما يزالون يعيشون على عتبة الفقر، وما يزالون يحيون على الاقصاء والتهميش، بالرغم من كل مظاهر التقدم التي ميزت، بالخصوص، حقبة محمد السادس، وهو ما جعل الأخير يقولها بدون أدنى مركب نقص، بعكس رئيس الحكومة، الذي يطنب كثيرا في الحديث عما يسميها إنجازات حكومته في ظرفية وجيزة، دون أن تكون له الجرأة الكافية للكشف للناس بأن فئات عريضة من المجتمع، بقيت ليست فقط بعيدة عن أي تنمية مفترضة، بل إنها باتت وقودَ وحطبَ الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى للدولة، وذلك من خلال إثقال كاهل الطبقات المتوسطة والفقيرة بمزيد من رفع الأسعار في عديد من المواد الأكثر استهلاكا !

الخاصية الثانية التي ميزت الخطاب الملكي لسنة 2014، والتي وإن كانت تدل على شيء فإنما تدل على ما يشبه أزمة ثقة أو لنقُل غياب ضمانة نجاعة في الحكومة الحالية، لأسباب عدة، فهي )الخاصية( أن الملك يعود من جديد ليُكلف إحدى المؤسسات الدستورية الموازية )هذه المرة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي( لجس نبض تنمية المجتمع وما إذا كانت الثروة تمس كل شرائحه وإلى أي درجة، بعدما رأى –على ما يبدو- أن الحكومة الحالية ليست فقط تفتقد إلى الشجاعة السياسية والأدبية لتسمية الأمور بمسمياتها، وإخبار المواطن بحقيقة تهميشه عن الثروة وعن مقدرات وخيرات بلاده، وبأنها فشلت بعد أزيد من ثلاث سنوات في تحقيق الكرامة له باستفادته من الثروة الوطنية، بل إنها تتمادى –وهذا هو الأخطر- في تعليل وتبرير فشلها ذاك برفع شعارات المظلومية والمؤامرة، تارة، وتارة أخرى بتبرير عجزها أو تقاعسها عن تحقيق ما وعدت به الناخب برد ذلك إلى أمور غيبية لا تمت إلى الواقع السياسي والاجتماعي بصلة، ومرتبطة بعوالم الجن والحيوان. وفي أصدق مواقفها المعبرة عن عدم قدرتها على إعادة توزيع الثروة الوطنية أو على الأقل بجعل غالبية المواطنين يستفيدون منها، فإن الحكومة تقر بوجود الفساد الذي يضر بالثروة الوطنية ويجعل فئة قليلة فقط تسيطر عليها، لكنها بدل أن تحاربه فإنها ترفع في وجهه الراية البيضاء وتهادنه، بل تلتمس له العذر والعفو بمبرر “عفا الله عما سلف”.

الخلاصة التي يمكن الخروج بها، على ضوء الخطاب الخامس عشرة لمحمد السادس وهو يحتفل بتوليه العرش، هي أن للملك القدرة على أن يكون مبادرا ومفاجئا، حتى وإن كانت المبادرة أو المفاجأة لا تسر سامعيها، لكنها الحقيقة التي لا يريد السياسيون تبيانها للناس، ويغلفونها بالبروباغاندا حينا، وحينا آخر بالمزايدات السياسوية، لكن الأخطر هي حين يخفونها خلف طهرانية مفترى عليها باسم الدين، فيرفعون شعار الأيادي البيضاء لاستمرارهم في الحُكم حتى وإن باتوا والفساد صنوين لا فرق بينهما !

[email protected]     

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.