دسّ السّمِّ في العسل للمغاربة !
نورالدين اليزيد
صديقَنا أو أصدقاءَنا “جبروت”…. نشرتَ/م وثائقَ تفضح تهريب عقارات من قبل مسؤولين سامين، وتهرّب مسؤولين سامين آخرين من الضرائب بطريقة جبانة وتدليسية على الخزينة العامة، وصدقناك وقلنا آمين، وأتبعناها بـ”اللهم إن هذا منكر”، بعدما أكد لنا هؤلاء المسؤولون صحة الوثائق بتهرّبهم ونهجهم سياسة “طلوع الجبل” والهروب إلى الأمام، بالتلبيس والتدليس على البلاد والعباد، دون أن ينفوا بمروءة وبصراحة المنسوب إليهم من تجاوزات واستغلال للمناصب…

ثم نشرتَ أو نشرتُم، يا أصدقاءنا المجهولين، وثائق تفضح ما يفترض أنها تجاوزات داخل أجهزة الأمن والدرك، وعلى أعلى مستوى، وانتظرنا أن يخرج مسؤولو الجهازين لينفيا ما نشرتم، ويُكذبوا تكذيبا المنسوب إلى كبار المشرفين على الجهازين، ولكنهم صمتوا صمت الأموات، وهو ما يجعل منشوراتكم إن لم تكن حقيقيةً فإنها تبقى مرشحة لذلك، وعلى الأقل تبقى صدقيتُها موقوفة التنفيذ إلى أن يثبت العكس وتُدحَض مِمّن يجب أن يدحضوها لنفي الشبهة عنهم، وهو ما لم يفعلوه لحد الآن، ما يضعف موقفَهم ويُقوي موقفَكم أيها “الجبروتيون”!!
ولكن أن تطال تسريباتكم أفرادَ الأسرة الملكية، وبفجاجة وخبث، تستهدفهم كأشخاص، وكرموز مؤسسات ورموز حُكُم، ناسجين سيناريوهات محبوكة بدقة تعتمد على عناصر تشويق من قبيل إقحام موظفين وعاملين أجانب في اللعبة، واتهام الأجهزة في مخطط جهنمي للإضرار بالأسرة الملكية، وذلك للتأثير على وعي وأفكار المواطنين وزرع بذور التشكيك في أنفسهم، فهذا ما يسمى “دس السم في العسل”…
عندما تلتقي مصلحة هؤلاء وأولئك، فلا بأس من وضع اليد في اليد، ولا بأس من تبادل الأدوار في الإساءة للوطن وللرموز الوطنية، كل من موقعه، وبالطريقة التي يتقنها. وسواء كانت طريقة الغموض المبني على التسريبات المجهولة المصدر باستغلال الفضاء الافتراضي، أو عبر الكتابة والفيديو وبالوجه المكشوف، باستغلال ممكنات وقنوات مواقع التواصل الاجتماعي، بعناوين ظاهرها حق وباطنها باطل وخبث ولُؤم وشر..
هناك فساد في أركان السلطة بالمغرب، وحتى على أعلى مستوى، أَي نعم، وهذا ما نعمل على فضحه وهذا دأبُنا نحن المغاربة الأحرار والأقلام الحرة، الذين لسنا بالضرورة ملزمين أن ندخل السجن ونخرج منه، أو نطلب اللجوء في أقرب سفارة غربية، فتمنحُنا إياه بالطرق التي نعرفها جميعا كصحافيين ومثقفين، حتى يمكننا “نحلّو فمنا” ونزعم أننا نخوض حروبا دنكشوتية ضد الحكومة وضد النظام.. لكن أن تكون هناك نية مبيتة تنبعث منها روائح عدائية كريهة ماكرة وخبيثة، تستهدف جوهرَ ولب النظام والدولة المغربية، فهذا ما يجعل المرء اللبيب يتساءل عن السر وراء كل هذا التهافت من قبل “جبروت”، على الرفع من إيقاع “تسريباته”، حتى بات سقفُها البلاط الملكي، بل الحياة الخاصة جدا لأفراد الأسرة الملكية !!
إن تأمُّلًا بسيطا في طبيعة ما تسمى تسريبات، يحيل على أن الهدف الجوهري والأساسي الأول منها هو الأجهزة الأمنية، وهذا وحده سببٌ كافٍ لجعل المواطن العادي يعرف ويفهم بأن لا مصلحته ولا هاجس الدفاع عنه -إن افترضنا ذلك تجاوزا وسذاجة- هي الدافع لجعل مَن هو أو هم من وراء “جبروت”، يتهافتون كل هذا التهافت المحموم، في رصد واستهداف الأجهزة الأمنية، ومحاولة خلق الشقاق بينها وبين المواطنين أولا، وهو ما يبدو قد تحقق بعض الشيء منه، على الأقل من خلال مؤشر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتزايد التفاعل مع المنشورات، ثم ثانيا استهداف العلاقة بين هذه الأجهزة وبين القصر، وهو ما يبدو أنه الخطوة الثانية والحاسمة في مخطط خبيث وجهنمي وعدائي، يستهدف الوطن ومؤسساته!!
هذه ليس تبرئة لساحة الفاسدين، أو صك غفران نساهم من موقعنا بمنحهم إياه، ونقصد مختلف المسؤولين الفاسدين، وحيثما كانوا بمن فيهم مسؤولو الأجهزة الأمنية، ولكنه ناقوس خطر، وتنبيه للمواطنين، بأن هذا الوطن، كما هو مستهدف من قبل بعض المسؤولين الانتهازيين الفاسدين، من حيث تحقيق المآرب الشخصية والمغانم لهم ولأهلهم وزبانيتهم، فإنه مستهدف أيضا، وبقوة، من لدن أعداء خارجيين، ولاسيما عدونا المجاور لنا جهة الشرق؛ الذي لا يخفي عداءه الصريح الصّراح لنا، ويردد ذلك بُكرة وأصيلا، ويصر على فعل الأذى إزاءنا بكل ما أوتي من قوة ومال وخبث وحقد. ومِن قِبل أعداء داخليين قد يكونون من بني جلدتنا، ولاسيما الذين انخرطوا وينخرطون، لأسباب قد تتعلق بخيانة، أو بمحاولات يائسة لانتقام ونكاية مزعومين، إزاء الدولة نتيجة حسابات شخصية رخيصة..
وطبعا عندما تلتقي مصلحة هؤلاء وأولئك، فلا بأس من وضع اليد في اليد، ولا بأس من تبادل الأدوار في الإساءة للوطن وللرموز الوطنية، كل من موقعه، وبالطريقة التي يتقنها. وسواء كانت طريقة الغموض المبني على التسريبات المجهولة المصدر باستغلال الفضاء الافتراضي، أو عبر الكتابة والفيديو وبالوجه المكشوف، باستغلال ممكنات وقنوات مواقع التواصل الاجتماعي، بعناوين ظاهرها حق وباطنها باطل وخبث ولُؤم وشر..
إنه تحالف الشيطان الذي لن يتردد في دس السم في العسل، لأجل هدف الإساءة إلى الوطن والمواطنين!
ومن الطبيعي أن تُواصِل تلك الجهات المنزعجة من المغرب انزعاجها، ويكفيها لتكون منزعة وحانقةً وحاقدةً، أن يستطيع المواطن المغربي تصفحَ صحيفة دولية (لوموند)، تسيء بإصرار وترصد إلى رموزه، ويقرؤها ويقرأ كل ما كتبت من إساءات غير مبررة، وما حفلت به من استلهامات مستفزة لحد الشك، بأن المكتوب هو إما مُؤدّى عنه من قِبل جهات تعادي مملكتنا العصية على الاستفزاز، وإما أن سوادَ المِداد يعكس سواد قلوب قوى إقليمية ودولية اتجاه المغرب الآخذ في التموقع ضمن الكبار المحترمين..
أجل، يكفيهم سبباً ليخوضوا في حبْك السيناريوهات البليدة ضد نظامنا السياسي، وضد رموزنا، معتقدين، غباءً وجهلًا، بأن مَلكيتَنا الراسخة جذورها في عمق التاريخ، هي مثل جمهوريات الموز المرتجفة دوما، (يكفيهم) أن يكون بإمكان المواطن قراءة صُحفهم حتى ولو كانت تسيء إلى رموزهم، ولا تَمنع دخولَها الدولةُ، ما يعكس فضاء الحرية الشاسع والرحب الذي ينعم به المغاربة، بعكس جيرانهم الذين يحكمهم العسكر بقبضة من حديد، ويمنع عنهم حتى قول “اللهم إن هذا منكر” في الفيسبوك..
ويكفيهم ليُصيب هؤلاء السُّعار، أن المغربي المقتنع بمَلكيته والمَلكي حتى أكثر من الملك نفسه ومن آلِه، ومن صُحبه طبعا، ومن بطانته ومن مسؤوليه الحكوميين، يقرأ ما يقرأ من خُبث وسُم مدسوس في لبوس الإعلام، ويتابع عن كثب كل ما يروج في صحف وتلفزيونات العالم، ثم يضحك ضحكته الساخرة تلك التي تشبه الضحك على الأغبياء، ويلعن الشياطين الكَتَبة الرِّجام وإخوانَهم الّلئام المرددين للصدى، ومنهم حتى مِن بني جلدته، ثم يمضي ليَحيَا في وطنه الآمن المؤتمَن من حامي حِماه، مرددا: “بالرّوح، بالجسد، هبّ فتاك، لبّى نداك”!
ملحوظة: هذه المقالة هي ثمرة تدوينتين مطولتين للكاتب نشرهما على حسابيه في فيسبوك وإكس