نورالدين اليزيد
لطالما سمعت من أصدقاء وحتى زملاء ومعارف يعملون في السلطة وفي الأجهزة الأمنية “نصائح” تنبهني بضرورة “نضرب ونقيس” (أكتب بحذر) في الكتابة، لأن “الوقت صعابت” (صعُبت). بل منهم حتى مَن حذرني ذات أيام -ومن موقعه السيادي الحيوي وانطلاقاً من علاقتي الإنسانية به- من عواقب وخيمة إذا أنا تماديت بطريقة الكتابة التي أكتب بها!!

واللافت في نصيحة معارفي وأحبتي هؤلاء، أنهم -وتحديدا الراسخون في المعرفة منهم- كانوا يرفقون نصائحهم الإنسانية المعتبرة والمؤثرة في نفسي تأثيرا جمّا، بجُملة بسيطة لكنها ذات دلالات عميقة عديدة، وهي: “بلا ما تصدع راسك راه عندهم اللي يدافع عليهم وتيتخلصو عليها” (لا داعي لأن تتعب، لأن لديهم من يدافع عنهم ويُؤجرون على ذلك)؛ وبمزيد من خُبث بعض أحبتي هؤلاء، يوضحون أكثر بالجملة المُتمّمة: “ماشي غي الإعلام ديالهم.. كاين زملاء بحالك في منابر خاصة وكاين أساتذة يقومون بالمهمة (ليس فقط إعلامهم الرسمي، هناك زملاء مثلك يعملون بمنابر خاصة وهناك أساتذة يقومون بالمهمة)”!!
المقصود طبعا أن السلطة لها “كلاب حراسة” (تعبير فلسفي ونظري وليس قدحا) تابعون لها، وهم “نخبة مثقفة” استنكر الكاتب الفرنسي “بول نيزان” في كتابه الشيق الصادر بهذا العنوان المثير “كلاب الحراسة” (في 1932)، أدوارَهم المتواطئة مع السلطة السياسية والاقتصادية القائمة، كما استنكر مجموعةَ القيم التي يدافع عنها هؤلاء “حراس المعبد” في أعمالهم للإبقاء في السلطة على الطبقة المهيمنة التي هُم فيها.
تماهيا مع هذا الاقتباس التاريخي للكاتب الفرنسي الذي ألّفه خلال حقبة الجمهورية الثالثة، وانتقد فيه بالخصوص الفلاسفة الأكاديميين الذين كانوا يعملون ما بوسعهم للحيلولة دون فتح أعين الشباب على الحقيقة والعالم، وانطلاقا من مهنته الإعلامية ووضعه الأكاديمي (دكتوراه في العلوم السياسية/التواصل السياسي)، فإن العبد الضعيف صاحب التدوينة/المقالة، يعلم علم اليقين ويعرف عن كثب وتجربة من يكُون “كلاب الحراسة” هؤلاء المتواجدون في هذا الزمن، وهم طبعا زملاء إعلاميون وأساتذة ونشطاء لا يحتاج المرء إلى كبير نباهة وذكاء ليميزهم مِن بين غيرهم من المثقفين، إضافة طبعا إلى منابر الإعلام الرسمية وشبه الرسمية ومن يتولى التحليل السياسي بها!
في مقابل ذلك فإن هناك من تحدث عن نظرية “الكلب الحارس”، والتي تركز على أن وسائل الإعلام -تحديدا- تعمل عادة على دعم المؤسسات السياسية المهيمنة والمجموعات الاقتصادية الرئيسية وتحاول إيصال قيمها ورؤيتها للجمهور!
وتماهيا مع هذا الاقتباس التاريخي للكاتب الفرنسي الذي ألّفه خلال حقبة الجمهورية الثالثة، وانتقد فيه بالخصوص الفلاسفة الأكاديميين الذين كانوا يعملون ما بوسعهم للحيلولة دون فتح أعين الشباب على الحقيقة والعالم، وانطلاقا من مهنته الإعلامية ووضعه الأكاديمي (دكتوراه في العلوم السياسية/التواصل السياسي)، فإن العبد الضعيف صاحب التدوينة/المقالة، يعلم علم اليقين ويعرف عن كثب وتجربة من يكُون “كلاب الحراسة” هؤلاء المتواجدون في هذا الزمن، وهم طبعا زملاء إعلاميون وأساتذة ونشطاء لا يحتاج المرء إلى كبير نباهة وذكاء ليميزهم مِن بين غيرهم من المثقفين، إضافة طبعا إلى منابر الإعلام الرسمية وشبه الرسمية ومن يتولى التحليل السياسي بها!
الهدف من هذه الكلمة/الملحوظة هو القول إننا عندما نلتقي مع “كلاب الحراسة” هؤلاء في عديد من النقاط المشتركة، لاسيما في الدفاع عن المشترك المقدس بين المغاربة جميعا، فذلك من طبيعة الأمور وحتميتها، ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أننا نتنازل أو تنازلنا عن دورنا التوعوي والإعلامي النبيل المنتصر دائما لمصلحة الوطن والتخندق في خندق المواطنين، كما لا يعني الانتصار للسلطة السياسية القائمة أو لمجموعة اقتصادية أو رجل أعمال مُعيّنين، وخاصة إذا كانت هاته الجهة أو تلك تجمع بين السلطتين السياسية والاقتصادية، كما هو الحال الذي نحن عليه هذه الأيام؛ وإنما التقاطع والالتقاء تفرضه الضرورة القصوى للحرص على الدفاع عن الصالح العام وللحفاظ عن دورنا الوسائطي في مجتمعنا السائر والتواق في/إلى الانتقال الديمقراطي. والفرق الحاسم هو المقابل المادي والتعويضات والامتيازات السخية المختلفة الأشكال والمصادر التي يتلقاها “الكلب الحارس” جزاءً له على “وظيفته” الموالية دائما وأبدا لمالكي السلطة (السياسية والاقتصادية)، بينما يكون دفاع الجانب الآخر من النخبة (ومنهم أيضا سياسيون وإعلاميون ونشطاء) بدون مقابل مادي، وفقط من أجل إبراء الذمة من أداء واجبهم الوطني والأخلاقي. ولعل ذلك هو ما يجعل الفئة الأخيرة لا تتردد في الانتقاد اللاذع للمسؤولين، والصدام مع السلطة مرارا وتكرارا، حتى ولو كان ذلك يهدد أرزاقهم بل وحتى حياتهم أحيانا!!
أخيرا أختم بما كتبه بول نيزان في نفس كتابه “كلاب الحراسة”، مِن أنه “في عالم مُنقسم بحماقة إلى أسياد وعبيد (خُدّام)، علينا الإقرار علناً بوجود تحالُف خفيّ وطويل الأمد مع الأسياد، أو الإعلان عن انحيازنا إلى معسكر الخدّام. لا مجال لعدم انحياز المثقّفين”.
لكم التعليق..
ملحوظة: هذه المقالة نشرها كاتبها بداية على حسابه على موقع “فيسبوك“