أية أهداف لاحتضان النظام الجزائري لانفصاليين “ريفيين” مغاربة؟!*

0

نورالدين اليزيد

بينما التزمت الرباط بصمت مطبق ولم ترد على مبادرة للنظام الجزائري اعتبرها كثيرون “خطيرة”، بإعلانه علانية وبدون أدنى تحفظ احتضانَ “انفصاليين ريفيين” وفتح “تمثيلية” لهم وسط عاصمته الجزائر، فإن مواقع التواصل الاجتماعي ضجت بردود فعل غاضبة منددة بالتصرفات الخرقاء التي أقدم عليها نظام ما فتئ يعمل ما بوسعه لزعزعة استقرار المملكة، داعين الدولة المغربية إلى الرد عليه ولِمَ لا معاملته بالمثل، باستقبالها واحتضانها لحكومة “قائمة فيا لمنفى” أعلنتها منذ سنوات حركة “ماك” القبائلية.

نورالدين اليزيد

لم يكن حتى أكبر المتشائمين بإنهاء التوتر بين المغرب والجزائر، يتوقع أن تقدم الأخيرةُ على خطوةٍ أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مغامرة غير محسوبة العواقب، وهي تستقبل في عاصمتها بضعة “نشطاء انفصاليين” من الريف المغربي، قدّمهم الإعلام الجزائري العمومي والخاص بأنهم “لجنة منبثقة عن المجلس الوطني الريفي” كُلفوا بإنشاء مكتب تمثيلية ما سمّوه “جمهورية الريف” في الجزائر؛ وهي خطوة تسير في نفس اتجاه التصعيد الذي اعلنه صراحة كل من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ورئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، منذ تبوئهما صدارة الحكم في قصر المرادية، سنة 2019، حيث لم يتردد الجنرال شنقريحة في وصف المغرب بـ”العدو الكلاسيكي”، بينما الرئيس صرح أكثر من مرة بأن لا علاقات مع المغرب يمكن أن تجمعه بلادهم به، مع اتخذا خطوات عملية في هذا السياق من قبيل قطع العلاقات الدبلوماسية وغلق الأجواء على الطيران المغربي، وإنهاء العمل بأنبوب الغاز المغاربي، والانخراط في حملة دعاية إعلامية ضد المملكة ما فتئت تتأجج.

آلة البروباغندا الجزائرية روّجت لهذا الاستفزاز العدواني الجديد ضد المغرب، بفيديوهات منجزة بعناية وبإخراج وتوضيب مُحكمَين، مع تعاليق توحي للمتتبع وكأنه أمام كيان له وزن على الساحة الإقليمية والدولية، من خلال لفت الانتباه إلى أن الأمر يتعلق بـ”افتتاح تمثيلية” أشرف عليه أعضاء من “المجلس الوطني الريفي” المنتمين لـ”الحزب الوطني الريفي”، مع إلقاء كلمة مكتوبة مسبقا، بالمناسبة، “حول نضال منطقة الريف”، لتكتمل الصورة الدعائية بمراسيم رفع “علم جمهورية الريف على أنغام النشيد الوطني الريفي”، وفق الإعلام الجزائري.

وفي الرباط التي تعودت على الحملات التهجمية للنظام الجزائري، لم يصدر أي رد فعل رسمي إزاء هذه المغامرة الرعناء الجديدة لحُكام الجزائر، بالرغم من خطورتها وتهديدها للسيادة المغربية، اللهم إلا بعض ردود الفعل الصادرة عن بعض المعلقين والمحللين السياسيين المعروفين من أمثال الأستاذ الباحث في العلاقات الدولية تاج الدين الحسيني، الذي اعتبر ذلك “تصعيدا خطيرا في استهداف المغرب لا مبرر له”، قبل أن يضيف في تصريح لموقع “عربي21″، بأنه “خطوة تصعيدية ومتهورة، ولم يعد أمام النظام الجزائري سوى إعلان الحرب ضد المغرب”، متسائلا ما الذي يعنيه هذا الإعلان في وقت فيه العالم العربي في أمس الحاجة إلى التوحد نصرة للفلسطينيين؟”.

بغض النظر عن وجاهة وصدقية مبررات النظام الجزائري في استعمال ورقة “الانفصال”، من جديد، ضد المغرب، وما إذا كان هذا المسلك راشدا ومقبولا في العلاقات الدولية حاليا في سنة 2024، حيث العالم يشهد الكثير من بؤر التوتر وهو ما قد يكون سببا لتفجير المنطقة المغاربية، فإن الثابت هو أن النظام الجزائري يعاني أزمة عزلة دولية غير مسبوقة، حتى من أقرب حلفائه، ولاسيما روسيا، التي اعتقد هذا النظام أنها لن تتخلى عليه في مسعاه لانضمام إلى منظمة “البريكس”، في السنة الماضية في قمتها بجنوب إفريقيا، فكانت الصدمة أن قبلت المنظمة دولا عديدة، بينما الجزائر التي تعتبِر نفسها حليفا استراتيجيا لموسكو، لم تقبل عضويتُها، ولم تجد حليفا يدعمها لأجل ذلك.

ومن جهتهم برر مراقبون جزائريون إعلان تأسيس “مكتب جمهورية الريف” في الجزائر، بأنه جاء رداً على ما بدر من ممثل المغرب في الأمم المتحدة السفير عمر هلال، الذي يعيد في كل مرة -بحسبهم- الحديث عن استقلال منطقة القبائل في الجزائر.

جدير بالإشارة أن السفير الممثل الدائم للمغرب في الأمم المتحدة عمر هلال سبق أن سلّم مذكرة، في اجتماع على مستوى حركة عدم الانحياز، تدعم تقرير مصير “شعب القبائل الشجاع” في الجزائر، في رد على ممثل الجزائر بإصراره على ترديد لازمة منح تقرير مصير “الشعب الصحراوي”، فكان من نتائج ذلك قطع الجزائر لعلاقاتها مع الرباط في غشت 2021، ولكن بعد سلسلة من التصريحات الجزائرية الرسمية ضد المغرب، اشتدت أكثر مع إبرام الرباط وتل أبيب اتفاق التطبيع بينهما في ديسمبر 2020، الذي بمقتضاه اعترفت واشنطن بمغربية الصحراء.

وبغض النظر عن وجاهة وصدقية مبررات النظام الجزائري في استعمال ورقة “الانفصال”، من جديد، ضد المغرب، وما إذا كان هذا المسلك راشدا ومقبولا في العلاقات الدولية حاليا في سنة 2024، حيث العالم يشهد الكثير من بؤر التوتر وهو ما قد يكون سببا لتفجير المنطقة المغاربية، فإن الثابت هو أن النظام الجزائري يعاني أزمة عزلة دولية غير مسبوقة، حتى من أقرب حلفائه، ولاسيما روسيا، التي اعتقد هذا النظام أنها لن تتخلى عليه في مسعاه لانضمام إلى منظمة “البريكس”، في السنة الماضية في قمتها بجنوب إفريقيا، فكانت الصدمة أن قبلت المنظمة دولا عديدة، بينما الجزائر التي تعتبِر نفسها حليفا استراتيجيا لموسكو، لم تقبل عضويتُها، ولم تجد حليفا يدعمها لأجل ذلك.

هذه العزلة تكرست أكثر بتحول المغرب إلى مركز إقليمي تسعى القوى الدولية تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية واسبانيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا -التي تحاول إعادة الدفء إلى علاقاتها بالمملكة- كما دول إقليمية أيضا، لاسيما دول الساحل، التي دخلت غالبيتها في أزمات مع الجزائر، ومع إطلاق المغرب لمبادرات ذكية وفعالة، من قبيل مبادرة الأطلسي التي تجمع الدول المطلة على المحيط الأطلسي من القارة الامريكية والإفريقية والأوروبية، ومبادرة تمكين دول الساحل من الوصول إلى المحيط الأطلسي، وأنوب الغاز نيجيريا المغرب، كلها خطوات عملية زادت وستزيد من عزلة الجزائر، التي بدت معزولة وشبه منبوذة، فلم ير مسؤولوها إلا الأخذ بمقولة أحسن “خطة للدفاع هي الهجوم”، التي يعمل بها مدربو كرة القدم، وأحذ بها النظام الجزائري الذي يعتقد أنه سيربح من خلالها بعض النقط بالرغم من إيمانه اليقيني بأن استعمال ورقة الانفصال التي فشل فيها أو يكاد طيلة نحو نصف قرن، في جنوب المملكة، لن ينجح فيها في شمال المملكة، هذا عدا عن أن خطوته الجنونية تلك ستظهره أمام العالم بأنه نظام مُهدد للسلم والأمن، ولكنها خطوة ستنفعه في شيء واحد فقط، وهو النفخ في حملاته الدعائية وتحشيد الرأي العام الداخلي، لتنفيذ مخططاته في الحُكم وأبرزها استمرار هذا الجناح المسيطر حاليا، إلى حين.

*هذه المقالة نشرت سابقا على موقع “نيشان”

[email protected]

تابعنا على حسابنا التالي في فيسبوك:

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.