الإعلام الجزائري مستغرب مع عدم رد “المخزن” على تحرشات “تبّون” وهذا ردّنا
=تحليل إخباري=
نورالدين اليزيد
استغربتْ إحدى الصحف الجزائرية الواسعة الانتشار والمقربة من السلطة عن السر وراء التزام المغرب الصمت رغم كل التحرشات التي ما فتئ الرئيس الجزائري الجديد يكيلها ضد المغرب منذ مجيئه إلى السلطة عبر انتخابات رفضها وما يزال غالبية الجزائريين.
وساق أحد كُتاب الرأي المعروف ورئيس القسم السياسي بجريدة “الشروق”، آخر رد فعل مغربي رسمي إزاء تحرشات النظام الجزائري، وهو ما صدر عن وزير الخارجية، ناصر بوريطة، عندما سئل عن الانتقادات المتتالية التي وجهها الرئيس عبد المجيد تبون للمملكة المغربية، ليكتفي بوريطة بالرد بلهجة مغربية: “غايخصني نرد يوميا على الجزائر”، ليستنتج الكاتب أن ذلك يعني “توجها من قِبل المخزن لتفادي التصعيد مع جارتها الشرقية”.
والواقع الذي جهله أو تجاهله كاتب المقال ومعه جريدته والذين يعمل في فلكهم ويعمل بوقا لدعايتهم، هو أن الجملة التي تفوه بها ناصر بوريطة بدارجة مغربية مبينة، هي أبلغ من أن يتجاهلها أو لا يعرف فحواها كل من كان له قدر من عقل وقدر من مصلحة وطن، بل إن كلام بوريطة فيه نقد شديد وإفحام للأصوات النشاز الخرجة من قصر المرادية، لتزيد من تدير وتسميم الأجواء بين الإخوة الأشقاق في البلدين.
وبحسب كاتب المقال المدعو “محمد مسلم” فإن تصريح وزير الخارجية المغربي جاء بعد أربعة تصريحات قوية للرئيس “تبّونْ”، حملت انتقادا شديد اللهجة للمغرب، بسبب تعاطي المغرب مع قضايا عالقة كثيرا ما تسبب في تسميم العلاقات الثنائية، مثل فتح الحدود البرية والقضية الصحراوية وتهريب المخدرات، وآخر هذه التصريحات، يردف الكاتب، كان ما تضمنه حوار رئيس الجمهورية في الحوار الذي خص به يومية لوفيغارو المحسوبة على اليمين الفرنسي، والذي اتهم فيه أطرافا مغربية للسعي إلى توتير العلاقات الجزائرية الفرنسية لاعتبارات غير بريئة.
والواقع أن “تبّون” هذا الذي منذ بداية حملته الانتخابية الصورية لم يردد إلا ما ردده السابقون له على أعتاب قصر المرادية، من اتهامات يعرف الجزائريون مدى زيفها وتدليسها وكذبها على الرأي العام الجزائري، حيث إن ملف المخدرات المفترى عليه من قبل حكام العسكر، إن كان يحمل بعض الصدق بالنظر إلى أن تجارة المخدرات هي عملة رائجة في المغرب ولا تخفيها حتى السلطات التي ما فتئت مع ذلك تحاربها، فإن أباطرتها –وفق تقارير أمنية أوروبية- لا تغريهم سوقٌ غير السوق الأوروبية والأمريكولاتينية، ليس باعتبار هذه الدول توجد بها عملة صعبة تسيل لعاب الأباطرة، ولكن لأن السوق الجزائرية قد أغرقها العسكر بتجارة منافسة وبأثمنة زهيدة وهي تجارة الأقراص المهلوسة (القرقوبي) التي يمعن حكام الجزائر السابقون واللاحقون، بتوزيعها ب”عدل” على كافة الربوع الجزائرية وب”التساوي” على كل الشباب الجزائري المحبط والذي يعاني البطالة، ولو كان هؤلاء الحكام المرتعبون من “المخزن”، يطبقوه هذا “العدل” وهذا “التساوي” في تقسيم ثروات البلاد الهائلة على العباد الجزائريين، لما رأينا الشباب ينافسون شباب البلدان الإفريقية الفقيرة على امتطاء وركوب أمواج البحر وقوارب الموت من أجل الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
لنواصل مع بوق النظام العسكري نتعقب كبواته وهفواته التي يزعم أنه يقنع بها أحفاد المليون شهيد، بينما هو إنما يبرر الدنانير التي يمنحها له أسياده كل شهر مقابل كذبه البواح، فنجده يقر هو نفسه أن “السلطات المغربية ومنذ انتخاب تبون رئيسا للجمهورية، أظهرت نزوعا نحو ابتلاع غضبها، أملا في فتح صفحة جديدة مع جارتها الشرقية العائدة بقوة إلى المسرح الدولي، وهو الموقف الذي لم يكن معهودا لدى المخزن، حيث كان يختلق الأسباب لمهاجمة الجزائر بمناسبة أو دونها”.
ولعل في هذا الكلام كثير من الصدق، وكثير أيضا من التدليس على الناس، فكتم الغيض لدى السلطات المغربية إزاء تحرشات النظام الجزائري، هو منذ زمان يعتبر السمة الأساسية في استراتيجيتها المتبعة، ليس فقط مع الجزائر ولكن حتى مع كل الخصوم، وحتى أثناء توثر العلاقات مع الأشقاء أحيانا، كما وقع ولازال مع بعض الدول الخليجية في السنوات القليلة الأخيرة، حيث تظهر الدولة المغربية الكثير من الحلم والهدوء إزاء أي استفزاز مهما كان مصدره، ولعل ذلك ما أكسبها صفة بلد “الدبلوماسية الهادئة”، بعكس نظام العكسر، الذي آخر مثال على اندفاعه ورعونته، هو ما أقدم عليه مؤخرا عندما استدعى سفيره في العاصمة الإيفوارية، لمجرد أن ساحل العاجل مارست حقها في ممارسة سيادتها على قراراتها، وفتحت قنصلية تابعة لها بالصحراء المغربية، وهو ما أغضب الجزائريين (النظام نقصد)، المطالبين بانفصال هذا الإقليم عن السيادة الترابية المغربية.
إقرار آخر ولعله فضح جديد لأسياده بقصر المرادية، من حيث لا يدري كاتب المقال، عندما خط بيده أنه “يبدو أن الطرف المغربي لا يزال يأمل في أن يحدث الرئيس الجديد للجزائر، تحولا في علاقات بلاده مع المغرب، لأن نحو ربع قرن من القطيعة بين الجارين اللدودين، سبّب للمغرب أضرارا على جميع المستويات، صعب عليه تخطيها، وخاصة الاقتصادية منها بسبب غلق الحدود البرية بينهما”.
ولا نحتاج إلى كبير عناء هنا لدحض هذه الأكذوبة التي ما يزال يرددها الإعلام الجزائري على أسماع مواطنيه الذين فطنوا لها منذ سنوات، بحيث يزعم أن الليترات المعدودات من الغازوال والبنزين التي كان يهربها أشخاص بسطاء من البلدين على الحدود، لبيعها بالمغرب مقابل دريهمات ودينارات معدودات، قد تشكل أي خطر على الاقتصاد الوطني، الذي لا يجرؤ لا كاتب المقال ولا أسياده وكمل إعلامهم على إجراء مقاربة ومقارنة بسيطة بين هذا الاقتصاد المغربي والاقتصاد الجزائري، خلال الفترة الممتدة منذ إغلاق الحدود سنة 1994، ولتكن لهم المروءة الكافية ويكشفوا النتائج لمواطنيهم، ليروا أي الاقتصادين حقق نتائج متقدمة رغم أن لا موارد غازية أو بترولية يمتلك، وأيهما حقق عجزا وتضخما وتأخرا رغم كل الملايير التي تضخها ثروات البلاد.
الفضح مستمر ومتواصل من بين أيدي هذا الكاتب، ومن خلاله تسقط أوراق التوت عن النظام العسكري البائد، فيزعم بقوله “لأن المخزن استفاد من غياب الجزائر عن المشهد الدولي بسبب نظام العصابة الذي تمسك برئيس مقعد عاجز عن أداء دوره طيلة نحو عقد من الزمن، إلا أن انتخاب رئيس جديد أعاد البلاد إلى دورها الريادي في ظرف وجيز، وبالمقابل أدت هذه العودة إلى إعادة المغرب إلى حجمها الطبيعي”، ومن الطريف لحد السخرية السوداء أن يكون هذا الكاتب وهذه الصحيفة وهذا الـ”تبون”، كلهم كانوا مصطفين وراء ذاك الرئيس المقعد ووراء العصابة يسبحون بحمدههم ويزينون مساوئهم، ليعلنوا اليوم براءتهم منهم، بل ليمجدوا “تبون” هذا الذي خدم هذه العصابة ولازال منذ العام 1975، وهو ما يعني مزيدا من الضحك على ذقون الجزائريين ونفاقا ما بعده ولا قبله نفاق!
وإذا كانت الصحيفة المذكورة تقصد بالحجم الطبيعي للمغرب حجما آخر غير هذا التوسع على مستوى القارة الأمريكية اللاتينة، وهذا التغلغل الإفريقي، وهذه الاعترافات المتزايدة بمغربية الصحراء، وهذه المصداقية الإقليمية والدولية التي تحظى بها الدولة المغربية، وهذه المرتبة الاقتصادية المرموقة إفريقيا، فإن هذه الأبواق الدعائية إنما تحاول يائسة تبرير ما لا مبرر له، واسألوا المدونين واليوتبورز الجزائريين، الذين باتوا يفضلون زيارة مختلف مدن المغرب وتصويرها ومقارنتها بواقعهم المعيشي الميؤوس من حاله، ويقارنون حالهم وأحوالهم بأشقائهم المغاربة، ليخلصوا إلى أن المشكل هو في نظامهم الفاسد الذي ما فتئ يبيع لهم الوهم، بينما يواصل نهب ثرواتهم.
ثم يحاول الكاتب الظهور بمظهر الباحث العارف بخبايا الأمور ويكتب أن “العارفين بالشؤون الاستراتيجية وبخصوصيات المنطقة المغاربية يؤكدون أنه كلما قويت إحدى الدولتين المحوريتين في المغرب العربي، ضعفت الأخرى، وقد لاحظ الجميع كيف تراجع الدور الجزائري في العقد الثاني من حكم بوتفليقة لصالح المغرب، بسبب ضياع الدولة بين قوى غير دستورية وعصابات الفساد والجهوية”، واللافت للانتباه هو إقرار هذا القلم المسخر للعسكر في كل مرة وحين بفشل هؤلاء ودولتهم وضياعها وتيهانها الذي ما فتئ قائما ومتواصلا، وأما حديثه عن كون قوة أحد البلدين يعني أوتوماتيكا ضعف الأخرى، فهذا فقط وهْم ومرض وعقدة أصابت أسياده وحكام قصر المرادية على طول التاريخ ومنذ استقلالهم في العام 1962، إزاء المغرب، وأما بالنسبة للمغرب، فإنه ما فتئ يمد يده من أجل بناء مغاربي إقليمي موحد تكون فيه القوة والريادة والسيادة للشعوب لا للحكام.
ونخلص مع هذا البيدق الدعائي إلى ما خلص إليه من أن “الأسابيع الأولى من حكم الرئيس تبون تشير إلى أن الأمور تسير عكس ما كان حاصلا في عهد بوتفليقة، ولعل صمت المغرب إزاء ما يصدر عن تبون، يمكن اعتبارها استراتيجية جديدة تحاول المغرب انتهاجها، وهي الدفاع ليقينها بغياب الأوراق التي يمكن أن تدفع بها، لا سيما وأن السلطات الجديدة في الجزائر لا تعاني من أزمة شرعية من شاكلة ما يعانيه المخزن، لأن طبيعة النظام الملكي فيه من أسوأ الأنظمة الملكية في العالم”، ولاحظوا كيف أن هذا الكاتب الأخرق يفضح نفسه بنفسه دائما بكيفية أكثر غباء، لاسيما عندما يتحدث عن “الشرعية” التي لا يتوفر عليها “تبون” هذا الفاتِحُ فِيه بكل سوء لأشقائه المغاربة منذ مجيئه، فها هي التظاهرات الجزائرية ما تزل متواصلة رافضة تلك الانتخابات الصورية التي جند لها النظام الجنود وحتى الموتى ليملأوا الصناديق بالأصوات المزيفة، ولعل فقدانه لهذه الشرعية الداخلية هو ما يجعله يلهث وراء سب وشتم الجيران ومحاولة تسجيل اسمه في المؤتمرات الدولية، وأما ما يخص شرعية النظام المغربي أو “المخزن”، كما يحبون أن ينعتوا النظام الملكي، وهذا ليس سبة بالنسبة لنا كمغاربة، فإن مجرد التفوُّه بهذا هو دليل على غباء الكاتب وغباء من يشغله ويسيره من خلف حجاب، فالنظام المغربي يا هذا لا يحتاج إلى شرعية، لا داخليا ولا خارجيا، لأن شرعيته ضاربة جذورها في التاريخ وتتعلق بأزيد من خمسة قرون، وليس بمجرد سنوات وتحديدا منذ سنة 1962.