الجزائر تُصعّد من حربها الهجينة على المغرب!

0

نورالدين اليزيد

واهِمٌ من يعتقد أن الإشاعة الخبيثة والدنيئة التي استهدفت رمز الوطن والأمة، المؤسسة الملكية، مع عطلة نهاية الأسبوع، هي حدث معزول قد يكون من ورائه شخص أو مجموعة أشخاص يستهوون اللهو والمرح بهواتفهم النقالة وهم جالسون في قارعة الطريق أو بزوايا مقاهي “يقتلون”/يُمضون الوقت، بل إن رائحة كريهة تفوح من هذه الإشاعة قد عهد المغاربة من أي مطبخ تنبعث، والذي ليس غيره مطبخ “قصر المرادية” بالجارة الجزائر، وهو ما لا يحتاج ولا يكلف كثيرَ عناء لاستبيانه ومعرفته..

نورالدين اليزيد

كل المغاربة تقريبا إلا من يُصرون على النشاز العظيم، وعلى التغريد خارج السرب، وعلى تبني مبدأ “ولو طارت معزة” الدارج البليغ، يعُون جيدا ويتذكرون أنه في السنوات الأخيرة، وبالموازاة مع إعلان النظام الجزائري “الحرب” على المملكة المغربية، وتحديدا منذ وصول الثنائي العدواني، الرئيس عبدالمجيد تبون ورئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة، إلى الحُكم في الجارة الشرقية سنة 2019، كان واضحا أن العلاقات بين البلدين ستشهد تصعيدا وربما تتطور الأمور إلى حرب، وهو ما تابعه المراقبون من خلال عديد الإجراءات والقرارات العدائية الصادرة عن الطرف الآخر؛ من قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، إلى منع الطيران المدني المغربي التحليق فوق الأجواء الجزائرية، إلى وقف وإنهاء العمل بأنبوب الغاز المغاربي الذي كان يعبر من المغرب ويتجه إلى أوروبا، إلى نعت المغرب بـ”العدو الكلاسيكي” وشن حملات دعائية كاذبة ومضللة وتمس بشرف وكرامة المغربيات والمغاربة، عبر إعلامهم الرسمي وغير الرسمي.. كلها مؤشرات كانت تعني شيئا واحدا هو أن البلد الجار يخوض حرب بروباغندا طاحنة وتحشيدا عارما للرأي العام جعلت حتى أكثر المتفائلين من المراقبين لا يستبعد أن تكون حرب عسكرية بين البلدين على الأبواب؛ وربما كاد النظام الجزائري أن يطلق الشرارة الأولى لذلك، لاسيما من خلال قيامه بمناورات عسكرية مستفزة على الحدود، لولا أن اتفاق التطبـ،،يع بين المغرب وإSرائيل في ديسمبر 2020، وإبرام الرباط وتل أبيب، بعد ذلك، اتفاقا عسكريا وأمنيا هو الوحيد من نوعه بين الدولة العبرية وبلد آخر بالمنطقة، كان الرادع الذي جعل النظام الجزائري يكبح جماحه ويخفض من تصعيده الميداني وتتراجع حدة تصريحات مسؤوليه العدائية العلنية ضد المغرب !!

وبين هذا وذاك، كان تركيز البروباغندا والحملات الدعائية الجزائرية والهجمات العدائية، الرسمية (الحكومية) وغير الرسمية، التي طالت كل المجالات والميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، على “المخزن”، أي الدولة المغربية، وعلى المؤسسة الملكية تحديدا، من خلال محاولات النيل منها والإساءة إليها، على أمل وبهدف، بث الشك والريب في أوساط المواطنين المغاربة، ومن أجل إضعاف وتفكيك الجبهة الوطنية الداخلية للمغرب.

في خِضم هذه التحركات الهجومية من الجانب الجزائري الرسمي، لاحظ المغاربة انخراط شخصيات جزائرية بارزة، في طليعتهم الإعلامي والمعلق الرياضي في قنوات “بي إن سبورتز” القطرية، حفيظ الدراجي، في حملة تجييشية وتحشيدية علنية تدعو في ظاهرها إلى الدفاع على ما سمته هاته الشخصيات بـ”ثوابت الوطن” و”تراثه” و”ثقافته” وغيرها، بينما كان باطنُها والرسالة المشفرة من ورائها هي السطو على تراث وثقافة المغرب والمس بثوابته؛ وهو ما تجلى واضحا في تكثيف مثير لترويج المغالطات وتزييف الحقائق بخصوص عناصر مغربية تراثية وثقافية لا تقبل الجدال والنقاش، كمغربية الزليج والقفطان، وهو ما يحتفظ به حتى أرشيف الإعلام الجزائري من خلال شهادات جزائريين، ومنها شهادة بالصوت والصورة للرئيس السابق الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الذي يشهد ويقر بمغربية الزليج المتواجد على جدار مسجد تلمسان.

وبين هذا وذاك، كان تركيز البروباغندا والحملات الدعائية الجزائرية والهجمات العدائية، الرسمية (الحكومية) وغير الرسمية، التي طالت كل المجالات والميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، على “المخزن”، أي الدولة المغربية، وعلى المؤسسة الملكية تحديدا، من خلال محاولات النيل منها والإساءة إليها، على أمل وبهدف، بث الشك والريب في أوساط المواطنين المغاربة، ومن أجل إضعاف وتفكيك الجبهة الوطنية الداخلية للمغرب.

من أجل هذه الأهداف التدميرية، التي يبدو أنها أصبحت على رأس أجندة النظام الجزائري، وذات الأولوية القصوى في نزاعه وتسارعه المرير مع المملكة المغربية، لم يتردد هذا الخصم اللدود في إذكاء حربه هاته التي تحمل كل عناصر “الحرب الهجينة”، باعتبارها حرباً تدمج بين عناصر الحرب التقليدية -باستثناء استعمال السلاح الناري- من تخطيط وعنف ومناورة ورغبة في تدبير الخصوم، وبين حرب أخرى حديثةـ تعتمد، من جهة، على الدعاية والخداع والتزييف والتضليل وبث الريب والشك في صفوف الشعب المستهدف (المغربي)، عبر الإعلام والشبكة العنكبوتية، ومن جهة أخرى، تقوم بهجمات سيبرانية على مواقع إلكترونية مغربية حيوية رسمية، من خلال قراصنة إلكترونيين (هاكرز)، أثبت الواقع أنهم تابعون للجار الشرقي الجزائر.

وكلنا نتذكر تعرّضَ الموقع الإلكتروني الرسمي للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط مع بداية شهر يناير سنة 2023، وطيلة أيام، لهجوم قراصنة خبثاء بهدف الاستيلاء عليه والتمكن من بياناته وفحواه، وقتئذ خرج أحد مهندسي ذات المؤسسة، وأشار بوضوح إلى وقوف قراصنة جزائريين وراء ذلك، وهو الهجوم الذي جاء حينها في سياق تبادل الهجمات مع قراصنة مغاربة نفذوا هم أيضا عمليات قرصنة لمواقع حكومية جزائرية!

وإذا كان حادث اختراق موقع المكتبة الوطنية قد نُسب إلى مجموعة قراصنة جزائريين دون الإشارة إلى أنه قد يكون من ورائه النظام السياسي، حتى ولو وصف وقتئذ بالحادث “غير المعزول”، فإن تنفيذ هجمات سيبرانية على مواقع وكالة المغرب العربي للأنباء (الرسمية) في منتصف فبراير 2023، ما تعذر معها الولوج إلى بعض خدمات الوكالة، جعل هذه الأخيرة لا تتردد في التلميح إلى إمكانية وقوف النظام الجزائري وراء تلك الهجمات، عندما قالت في بيان وُزع على الصحافة، إنه “لا يمكن تفسير هذا الحادث الخطير خارج سياق التوترات الجيو– سياسية التي تثقل كاهل المنطقة”!

إن لجوء جارنا الشرقي إلى مثل هذه الأساليب، لا يجب بأي حال من الأحوال، أن يجعلنا كإعلاميين وباحثين ومراقبين نقف موقف المندد أو المستغرب، أو في موقف الباحثين عن الأعذار لبلادنا، باعتبار أن ما يسمى الحرب الهجينة باتت واحدة من الطرق والوسائل التي تلجأ إليها العديد من النظم السياسية، سواء عن حق أو باطل، لحماية مصالحها، بغض النظر عما إذا كانت تلك المصالح تعود بالنفع على شعوب تلك الأنظمة، أم فقط يستفيد منها النظام الحاكم لتلك الشعوب.

ويبدو أن إدارة الدفاع الوطني المغربية باعتبارها على خط تماس المواجهة الخارجية، سواء كانت واقعيا أو افتراضيا، وبما أنها الحصن المنيع للوطن ورموزه وللمواطنين، فإنها ما لبثت أن حذرت في أكثر من مناسبة، من اختراقات وهجمات سيبرانية تستهدف الوطن ومؤسساته والمنصات الرقمية الرسمية؛ وكان آخر تدخل للإدارة على لسان الوزير المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف الوديي خلال لقائه مع برلمانيين منتصف نوفمبر الماضي (2024)، حيث أنه “في ظل تصاعد التهديدات وتزايد الهجمات السيبرانية، نفذت المديرية العامة لأمن نظم المعلومات سنة 2024، إجراءات حماية معززة لأمن نظم معلومات الهيئات والبنيات التحتية ذات الأهمية الحيوية”. وكشف الوزير أنه “تم الإبلاغ عن 644 حادثاً (هجوما سيبرانيا)، منها 134 تطلبت تدخلات ميدانية من مركز اليقظة والرصد والتصدي للهجمات المعلوماتية”، ولتعزيز الصمود والمرونة، تم تقييم وتعزيز 64 منصة إلكترونية ومحمولة حيوية، كما تم إصدار 16 تنبيها بسبب ثغرات حرجة، وفق شهادة الوزير.

وعموما فإن الثابت من الحملات والهجمات القذرة الآتية من الجار الشرقي للمغرب، هو أن النظام الجزائري، وفي ظل عدم القدرة على مجاراة المكاسب الدبلوماسية والاقتصادية وتزايد نفوذ الرباط إفريقيا وإقليميا، وعجزه عن خوض حرب تقليدية بالسلاح، رغم شعوره بالتفوق في هذا المجال على المغرب، بالنظر إلى أن الظروف الإقليمية والدولية وتحالفات المملكة المغربية مع قوى وازنة، تلجمه على السير إلى نقطة اللاعودة في هذا المنحى، فإن حكام الجزائر باتوا يراهنون على خوض حرب هجينة بديلة ضد المغرب لإضعافه، عبر تأليب الرأي العام المغربي على نظامه السياسي، وإرباك مؤسساته الحيوية ولاسيما الاقتصادية منها، من خلال نشر الأكاذيب حول شرعية رأسمالها وعائداتها.

إن لجوء جارنا الشرقي إلى مثل هذه الأساليب، لا يجب بأي حال من الأحوال، أن يجعلنا كإعلاميين وباحثين ومراقبين نقف موقف المندد أو المستغرب، أو في موقف الباحثين عن الأعذار لبلادنا، باعتبار أن ما يسمى الحرب الهجينة باتت واحدة من الطرق والوسائل التي تلجأ إليها العديد من النظم السياسية، سواء عن حق أو باطل، لحماية مصالحها، بغض النظر عما إذا كانت تلك المصالح تعود بالنفع على شعوب تلك الأنظمة، أم فقط يستفيد منها النظام الحاكم لتلك الشعوب.

أخيرا، وبحسب ما نعرف واستنادا إلى ما يصلنا من معطيات، فإن المؤسسات المغربية المختصة، خصوصا الأمنية والدفاعية، تتوفر على خلايا أو أقسام مكلفة بتتبع ورصد وتحليل ما يروج في الفضاء الافتراضي والتفاعل معه أحيانا بطريقة أو بأخرى، وهذا ما ينبغي الإشادة به مادام الأمر بات مألوفا عند كل الدول تقريبا، لكن وجود مثل هذه المؤسسات الخاصة إذا لم تتأقلم مع مستجدات الميدان، ويكون ضمن أولياتها عدم الاكتفاء بالوظيفة الدفاعية بل تبني حتى وظائف هجومية والتعامل بالمثل، لاسيما عندما يكون الخصم/العدو  مُصِرا على النيل من وطنك ومواطنيك.

[email protected]

ملحوظة: هذه المقالة نشرها كاتبُها بداية على حسابيه في إكس (X) وفيسبوك                   

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.