“الجزيرة” تَنْكأُ جراحنا بتقسيم خريطة بلادِنا إرضاءً للعسكر!
نورالدين اليزيد
خلال تتبعي لتغطية آثار “زلزال المغرب”، من طرف ثلاث قنوات عربية إخبارية رائدة عربيا وحتى دوليا، وهي قناة “الجزيرة”/ قطر، وقناة “سكاي نيوز عربي”/ الإمارات العربية المتحدة، وقناة “العربية”/ المملكة العربية السعودية، مُركِّزا على تناول هذه القنوات لخريطة المغرب، وكيف تُقدمها في نشراتها الإخبارية، بغض النظر عن موقف تلك البلدان المعلن من قضية الصحراء الغربية المغربية، وقفتُ على ثلاثة مواقف مختلفة؛

1- بالنسبة لقناة “الجزيرة”: هناك إصرار عجيب ومستفز على تقديم خريطة المغرب يفصلها خط متقطع إلى قسمين، قسم شمالي وآخر جنوبي ويهم أقاليمنا الصحراوية؛ تقسيم كان من الممكن تفاديه، حتى في إطار احترام مبادئ المهنية الصحفية، لو كانت هناك نية حسنة، لكن إصرار قناة الدوحة على إبراز الخريطة مشوهة وغير كاملة في مختلف برامجها الإخبارية، فيه خُبث وإساءة للمغرب والمغاربة، كما فيه تدليس ورسائل غير مشفرة إلى من يهمهم أمر تقسيم المغرب بهذه الطريقة العدائية، وهنا المقصود هو النظام الجزائري، وسنوضح لماذا، بعد حين !
2- يهم قناة “سكاي نيوز عربي”: القناة تستشف أنها تتجنب ما أمكن إظهار خريطة المغرب كاملة، رغم غزارة الأخبار والبرامج التي تواكب أحداث فاجعتنا المؤلمة، فتعمَد في الحالات النادرة التي تريد فيها إظهار الخريطة، على التركيز على بؤرة الزلزال والنواحي المجاورة كما تبرز ذلك الخريطة المرفقة (نشرها الكاتب على حساب في فيسبوك)، وهذا الموقف أيضا قد يكون له ما يبرره، وسنورد ما يُفترض أنه سبب لذلك!
المغاربة لا يضيرهم أن تكون مرتفعةً استثماراتُ هذه الدولة أو تلك من الدول الثلاث في الجزائر، فهذا يخضع لما تقتضيه مصالحهم، ولكن ما يضيرنا كمغاربة هو أن تعمد إحدى هذه الدول أو بعضها أو كلّها إلى استغلال إعلامها العابر للقارات والحدود لقضيتهم الوطنية المصيرية، من أجل إرضاء أعداء الوحدة الترابية للمملكة المغربية. بل إنه يصبح من قبيل الخسة والوضاعة والحقارة أن يتم ذلك في ظل ما يشهده المغرب والمغاربة هذه الأيام من حزن وألم موغر خلّفَهما واحد من أعتى وأقسى الزلازل التي ضربت الكرة الأرضية طيلة المائة عام الأخيرة!
3- أما بخصوص قناة “العربية”: فإنها لا تجد أدنى حرج في إظهار خريطة المغرب كاملة بأقاليمه الجنوبية الصحراوية، طيلة تناولها لموضوع آثار الزلزال المدمر !
وحتى لا تذهب بعيدا في التفكير عزيزي المتابع، أحيلك على هذه المعطيات الرسمية التي تجعل قناة “الجزيرة” القطرية تصر على نكْئِ جراح المغاربة وتعميق آلامهم وأوجاعهم، والتي خلّفها الزلزال المأساوي في نفوسهم، بإظهار خريطة وطنهم مقسمة إلى قسمين:
– حسب مصادر جزائرية رسمية فإن قطر تسيطر على 74% من مجموع الاستثمارات الأجنبية في الجزائر؛
– وفق موقع “الجزيرة نت” التابع لشبكة الجزيرة فَقَطر تُعدّ أكبر مستثمر عربي في الجزائر، وفي السنوات الأخيرة أنشئ عدد مهم من المشروعات الاستثمارية القطرية بالجزائر؛
– أبرز المشروعات الاستثمارية القطرية في الجزائر مشروع “بلارة الجزائري القطري للصلب” بولاية جيجل، على مساحة تبلغ نحو 216 هكتارا، وحصة قطر في استثماره تبلغ 2 مليار دولار؛
– قطر تملك أيضا مجموعة “أُوريدو” القطرية للاتصالات التي تحقق أرقاما مهمة وتستحوذ على نحو 13 مليون مشترك/زبون.
– حسب تقارير استنادا إلى مصادر جزائرية مطلعة فإن الجزائر ستفوت إلى الدوحة مشروعا ضخما لتطوير المدن والسكك الحديدية، وإنشاء خطوط جديدة في عمق الصحراء الجزائرية، تمتد لآلاف الكيلومترات وتصل إلى حدود دولة النيجر المجاورة جنوبا، مقابل مليارات الدولارات !
– وقّعت قطر والجزائر في الأشهر الماضية على اتفاقية استثمارية تقضي بتعزيز التعاون والاستثمار في تطوير وإدارة 73 فندقا تابعا لمُجمع سياحة، واستثمار فنادق وحمامات معدنية في مختلف أنحاء الولايات الجزائرية؛
– في يناير الماضي صرح سفير قطر في الجزائر عبد العزيز علي النعمة أن الجزائر وقطر قطعتا خلال عام 2022 شوطا كبيرا في مسيرة العمل المشترك في سبيل الانتقال إلى مرحلة “الشراكة الاستراتيجية الواعدة”.
– السفير القطري أورد في ذات التصريح الذي نقلته عنه وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، أمثلةً على الاستثمارات القطرية بالجزائر على غرار “إنشاء المستشفى الجزائري القطري الألماني، وكذلك الدخول إلى أسواق إنتاج الحليب، وتوسيع نشاط الشركة الجزائرية القطرية للحديد والصلب بالمنطقة الصناعية بلارة، ونشاطات أخرى ستتضح معالمها في الفترة القادمة كالنقل الجوي والبحري والسكك الحديدية وغيرها” !
– وبالرغم من عدم تمكننا من الحصول على الرقم الحقيقي لحجم الاستثمارات في الجزائر، فإن المؤكد هو أنها تبلغ المليارات من الدولارات، تجعل ساسة قطر مضطرين لتقديم أي شيء كهدايا إرضاء لحكام الجزائر، الذين لن يُرضي مرضَهم العدائي إزاء المغرب شيءٌ أكثر من أن يَروا الجزيرة القطرية وهي تبث مرارا وعلى مدار الساعة خريطة المغرب غير مكتملة!
– هذا المعطى الأخير لا يمكن فصله عن سياق “زمن العسل” الذي تمر به علاقات الجزائر بالدوحة، والذي أبرز تجلياته الزيارات المتبادلة على أعلى مستوى، في السنوت القليلة الأخيرة، وإعادة فتح مكتب قناة “الجزيرة” في الجزائر، بعد سنوات طوال من الإغلاق، وتمكين الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون من حِوارين في القناة القطرية، خلال أسابيع قليلة فقط، قال فيهما كل ما أراد، تماما كما يفعل في قنواته المحلية، ودون تمكين الرباط من حق الرد، كما تقتضي ذلك أصول المهنية -أرأيتم يا أصحاب دعاة مهنية الجزيرة الذي ينتقدون فضحنها لها!- رغم أن الرئيس الجزائري أدلى بكثير من المغالطات في علاقات بلاده مع المملكة المغربية؛ ثم استدعاء الرئيس تبون لحضور افتتاح المونديال علما أن بلاده لم تكن مؤهلة، بل الأكثر من ذلك والأغرب والأطرف هو تمكينه من تصريحات لقنوات “بي إن سبورت” الرياضية في شذُوذ ونشوز لا مبرر لهما إلا أن يرضي القطريون رغباتِ ونزواتِ حكام قصر المرادية المَرضية !
وبخصوص القناة الإماراتية “سكاي نيوز عربي”، التي تتحفظ بذكاء على إظهار خريطة المغرب كاملة في تغطياتها لأحداث الزلزال، وخيرا فعلت وتفعل، فإن الجانب الاقتصادي أيضا قد يكون سبب ذلك؛ حيث مع أننا نعلم جيدا الموقف المتقدم للإمارات من الصحراء المغربية والذي ترجمته أبوظبي عمليا في افتتاح قنصلية لها في أقاليمنا الجنوبية الصحراوية، فإن حرص الإماراتيين على عدم “إغضاب” حكام الجزائر قد يجد هو أيضا تبريره في قيمة الاستثمارات الإماراتية في جارتنا الشرقية، والتي تناهز 10 مليارات دولار إلى غاية بداية سنة 2022 حسب تقارير إماراتية؛ وإذا أخذنا بالاعتبار التنافس الإماراتي القطري المحموم وغير المعلن، والذي تُعتبر الجزائر أحد المواقع التي يجري فيها، حيث يريد البلدان الظفر بأكبر ما يمكن من مكاسب استثمارية في أرض “الجنرالات” المتطاحنة، فإنه لا يسعنا إلا أن نتقبل موقف الإماراتيين من خلال “سكاي نيوز عربي”.
وأما في ما يتعلق بقناة “العربية”، فإن المتتبع يتوقف بلا أدنى جهد على تقديم القناة خريطة المغرب كاملة في مختلف نشراتها، ولاسيما حاليا أثناء تغطيتها لمخلفات الزلزال، وهو ما يرجع بالأساس إلى العلاقات التاريخية الراسخة بين النظامين الملكيين، على مستوى القيادة والشعبين الشقيقين، ولكن بالخصوص أيضا بالنظر إلى أن علاقات الرياض بالجزائر طبعتها دوما سلسلة من التوترات والأزمات، ما جعل حتى استثمارات السعودية بالجزائر بعيدة كثيرا من حيث الحجم سواء عن الاستثمارات القطرية أو الإماراتية؛ ولعل ذلك راجع بالأساس إلى التقارب القوي للجزائر مع النظام الإيراني، الذي عُرف تاريخيا بتوتر علاقاته مع السعودية!
خلاصة القول وبإيجاز، فإن المغاربة لا يضيرهم أن تكون مرتفعةً استثماراتُ هذه الدولة أو تلك من الدول الثلاث في الجزائر، فهذا يخضع لما تقتضيه مصالحهم، ولكن ما يضيرنا كمغاربة هو أن تعمد إحدى هذه الدول أو بعضها أو كلّها إلى استغلال إعلامها العابر للقارات والحدود لقضيتهم الوطنية المصيرية، من أجل إرضاء أعداء الوحدة الترابية للمملكة المغربية. بل إنه يصبح من قبيل الخسة والوضاعة والحقارة أن يتم ذلك في ظل ما يشهده المغرب والمغاربة هذه الأيام من حزن وألم موغر خلّفَهما واحد من أعتى وأقسى الزلازل التي ضربت الكرة الأرضية طيلة المائة عام الأخيرة!
وبه وجب الإعلام والسلام..
ملحوظة: هذه المقالة نشرها كاتبها بداية الأمر على صفحته في فيسبوك وحسابه في “X”