الحرب في غزة تجعل علاقات المغرب مع إسرائيل لا تطاق!

0

بالعنوان أعلاه نشر موقع “وورد بوليتيكس ريفيو” (World Politics Review) المختص بنشر المقالات التحليلية والدراسات المهتمة بالعلاقات الدولية، مقالا تحليليا استعرض فيه مدى تأثير الحرب الإسرائيلية على غزة، على العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ومستقبل اتفاق التطبيع بينهما، في ظل سخط مجتمعي عارم على الدولة الإسرائيلية، في مقابل تعاطف جارف مع القضية الفلسطينية.  

ووفق التقرير الإخباري المطول فإنه منذ أن قام المغرب بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في أواخر عام 2020، اضطرت الحكومة وديوان الملك محمد السادس إلى الانخراط في عملية توازن غريبة. وفي الوقت الذي عززت فيه العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بسرعة كبرى مع إسرائيل، كان على السلطات أن تصور الموقف الرسمي للرباط في الوقت نفسه على أنه يظل مؤيدًا للفلسطينيين.

ويقول كاتب المقال التحليلي، فرانسيسكو سيرانو، وهو صحفي وكاتب ومحلل، تعاون مع عديد من المراكز والمنابر الدولية، ويركز عمله على شمال أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، إن موقف المغرب، مثل موقف الدول الأخرى التي وقعت على اتفاقيات أبراهام، كان سيشكل دائما تحديا. فلسنوات، اتسم الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين باشتباكات متفرقة بين القوات الإسرائيلية والجماعات المسلحة في غزة، والتعدي المستمر على المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية وسط أعمال العنف في الضفة الغربية، وتضاؤل الأمل في التوصل إلى حل سياسي حقيقي.

جانب آلاف المغاربة الذين شاركوا في مسيرة الرباط التضامنية مع الشعب الفلسطيني يوم الأحد 15 أكتوبر 2023

وبحسب المقال المنشور على موقع “وورد بوليتيكس ريفيو” (WPR)، الذي يقدم نفسه بأنه منتدى أخبار ينشر أخبارًا متعمقة وتحليلات خبراء حول الشؤون العالمية لمساعدة القراء على تحديد الأحداث والاتجاهات التي تشكل عالمنا وفهمها، مسترشدا بالالتزام بالنزاهة والجودة والأمانة الفكرية، فإنه بعد “الهجمات الوحشية” -هكذا يقول- التي ارتكبتها حماس على المدنيين والعسكريين الإسرائيليين في 7 أكتوبر، والحرب الوحشية -هكذا أيضا- والمتصاعدة التي شنها الجيش الإسرائيلي على غزة رداً على ذلك، فقد أصبح موقف المغرب أقرب إلى عدم القدرة على الدفاع عنه.

التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة (المغربية)، والأهم من ذلك، مجلس الوزراء الملكي (مجلس الوزراء يترأسه الملك)، هو أن غالبية المغاربة يدعمون منذ القِدم القضية الفلسطينية، وبالفعل، لم يكن كثيرون يؤيدون التطبيع مع إسرائيل في المقام الأول.

لقد كان الملك نفسه هو الذي اختار المضي قدمًا في إقامة روابط في إطار اتفاقيات أبراهام التي توسطت فيها إدارة ترامب في عام 2020. وفي المقابل، اعترفت واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وهو ما يمثل انقلابًا كاملاً للسياسة الأمريكية حتى تلك اللحظة وانتصارا دبلوماسيا كبيرا للمملكة.

عشرات الآلاف من المغاربة شاركوا في مسيرة الرباط التضامنية مع الشعب الفلسطيني يوم الأحد 15 أكتوبر 2023

ويرى كاتب المقال، الذي سبق أن نشر في منابر دولية عدة بما في ذلك مجلة “فورين بوليسي Foreign Policy”، و”معهد الشرق الأوسط the Middle East Institute”، و”المونيتور al-monitor”، و”وورلد بوليتيكس ريفيو World Politics Review” ومنشورات أخرى، أنه بالنسبة للسلطات المغربية، فقد كان الأمر بمثابة مخاطرة تستحق الخوض. لقد جعل الملك محمد السادس إضفاء الشرعية على سيطرة المغرب على الصحراء الغربية الهدف الرئيسي لسياسة الرباط الخارجية. على مدى عقود، أصبحت مطالبات المملكة بالسيادة على المنطقة متأصلة في رسائل الدولة لدرجة أنه لم يعد من الممكن التشكيك فيها في الخطاب السياسي والاجتماعي المحلي. لقد اعتاد الدبلوماسيون الأجانب على تلقي توبيخ صارم من المسؤولين المغاربة في أي وقت يتبنون فيه أدنى قدر من التحفظ فيما يتعلق بما تسميه الرباط “سلامة أراضيها”.

وكما هو الحال مع قضية الصحراء الغربية، أصبحت علاقات المغرب الوثيقة بشكل متزايد مع إسرائيل حتى 7 أكتوبر، مسألة لا يمكن التشكيك فيها. في مارس 2023، عندما داهم الجيش الإسرائيلي مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية، اتهم عبد الإله بنكيران – رئيس الوزراء الأسبق والأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المعتدل – وزير الخارجية ناصر بوريطة بأنه يبدو مثل “المدافع عن إسرائيل” في محادثاته مع المسؤولين الأفارقة والأوروبيين.

ويضيف المقال التحليلي أنه سرعان ما وبخ القصر الملكي “بنكيران”، حيث أعلن أن السياسة الخارجية تظل من صلاحيات الملك، وأنه لا ينبغي استخدام هذه القضية لتحقيق مكاسب سياسية.

إن حرمان زعيم حزب سياسي عضو في البرلمان ويخدم في الحكومة من الحق في التشكيك في السياسة الخارجية للبلاد ينبئ بالكثير عن كيفية رؤية السلطات المغربية لدور البرلمانيين، يردف الكاتب.

لكن الملك محمد السادس كان يعلم دائمًا أن مُصادقة إسرائيل ستُقابل بالرفض المجتمعي. ولم يكن من قبيل الصدفة أنه عندما تم افتتاح العلاقات الدبلوماسية رسميا، تم إجبار رئيس الحكومة آنذاك سعد الدين العثماني المنتمي لحزب العدالة والتنمية على التوقيع على الصفقة بصفته ممثلا للدولة المغربية.

وكان لهذا ميزتان واضحتان لحكام البلاد؛ أولاً، سمح للملك محمد السادس بأن ينأى بنفسه عن قرار كان غير مستساغ بشكل واضح بالنسبة للعديد من رعاياه، وربما حتى الأغلبية منهم. ثانياً، سمح ذلك أيضاً للقصر بتوجيه ضربة خطيرة إلى تماسك حزب العدالة والتنمية، الذي وصل إلى الحكومة في الانتخابات البرلمانية التي أعقبت “الربيع العربي” عام 2011، كتنازل للسخط الشعبي في ذلك الوقت. ومع معارضة قاعدة حزب العدالة والتنمية بشدة للاتفاق، فإن رؤية أحد قادة الحزب يوقِّع عليه أثارَ حالة من الفوض، بحسب الكاتب فرانسيسكو سيرانو الذي صدر له أيضا في عام 2013 كتاب بعنوان “أسرة عبد الكريم”، عن الانتفاضات الشعبية العربية التي اندلعت عام 2011.

متظاهرون رفعوا خلال مسيرة الرباط 15 اكتوبر 2023 لافتة يطالبون فيها الملك محمدا السادس رئيس لجنة القدس بإنهاء التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي

ويضيف الكاتب، قبل الحرب الحالية (حرب إسرائيل على غزة)، نجح الملك وحكومته الملكية في جعل الروابط مع إسرائيل حقيقة جديدة لا تقبل الجدل. وتسارعت وتيرة المشاركة الدبلوماسية بعد عام 2020، حيث قام الوزراء ووفود الأعمال والقادة العسكريون من كلا البلدين برحلات مكوكية بين الرباط وتل أبيب. وفي يوليوز، اعترفت إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مما فتح الباب أمام زيارة محتملة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الرباط.

والآن، ونظراً للأزمة الإنسانية الحالية في غزة، يبدو أن التطبيع بين البلدين سوف يتجمد، إن لم يكن قد جمد تماماً.

لقد كانت القيادة المغربية متفائلة دائمًا بالاعتقاد بأن العلاقات مع إسرائيل سوف تنأى عن التشكيك في كل مرة تشتعل فيها التوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن الحجم الهائل لأعمال العنف الحالية يجعل موقف النظام المغربي غير قابل للدفاع عنه أمام شعبه.

وفي منتصف أكتوبر، تظاهر عشرات الآلاف من المغاربة في عدة مدن دعماً لفلسطين. وفي بعض الحالات، داس المتظاهرون على الأعلام الإسرائيلية والأمريكية ورددوا شعارات ضد عملية التطبيع المغربية مع إسرائيل.

وإدراكًا لمدى الدعم العميق للفلسطينيين في المجتمع المغربي، سمحت السلطات بتنظيم الاحتجاجات. وهنا تكمن المفارقة بالنسبة لحكام المغرب: فما كان ذات يوم غير مستساغ أن يقوله أي سياسي علنا، أصبح الآن يصرخ به الآلاف من المواطنين المغاربة في الشوارع. وليس من المستغرب أن ينتقد بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، مرة أخرى خيارات السياسة الخارجية للمغرب، داعيا الحكومة إلى قطع العلاقات مع إسرائيل تماما. فهل سيُوبخه الديوان الملكي علانية مرة أخرى، مع العلم أن العديد من المغاربة يتفقون معه؟

ويزيد المقال التحليلي لموقع منتدى الأخبار “وورد بوليتيكس ريفيو” (WPR)، بأنه لم يعد أمام السلطات المغربية سوى خيارات قليلة للغاية، إلى جانب الأمل في أن ينتهي الصراع قريبًا. وتحاول المملكة أن تضع نفسها كوسيط في الأزمة في غزة. لكن من غير الواقعي الاعتقاد بأن الرباط يمكن أن يكون لها تأثير كبير على نتنياهو أو استعمال رأسمالها الدبلوماسي لإقناع إسرائيل بطريقة ما بتقليص هجماتها، أو اختيار وقف إطلاق النار أو الانسحاب من غزة تمامًا.

ويبدو أن المغرب يعول على أن مسيرة نتنياهو السياسية من المرجح أن تنتهي مع الحرب. ومن المؤكد أن السلطات ستؤكد حقيقة أن الروابط التاريخية مع الجالية اليهودية المغربية في إسرائيل تبرر العلاقات بين دولة ودولة بطريقة تتجاوز سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية.

ولكن هذا أيضاً تفاؤل مفرط. تختلف سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية من حيث الحجم، ولكن ليس من حيث الجوهر عن سياسات سابقاتها: توسيع السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، في حين تحرم الفلسطينيين من الحقوق الأساسية وتقرير المصير. إن أعمال العنف الحالية تجعل من الصعب على المغرب والحكومات العربية الأخرى أن تنكر أن موقفها الأكثر ليونة تجاه إسرائيل قد ابتعد بشكل متزايد عن الرأي العام بين مواطنيها.

ويضيف كاتب المقال، بالنسبة للرباط، سيتوقف الكثير على المدة التي سيستمر فيها الهجوم الإسرائيلي على غزة. وبنفس القدر الذي دعت فيه الحكومة المغربية إسرائيل بصوت عالٍ إلى وقف حملتها العسكرية، فإن ذلك لا يكاد يمحو الصور العنيفة للقتلى المدنيين الفلسطينيين التي تخرج من غزة يوميًا، وهي الصور التي ستستمر في ترجيح الآراء في المغرب أكثر فأكثر ضد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

كل ذلك سيأتي مع مرور الوقت، كما يقول محلل سياسي مقرب من الدوائر الحاكمة في المغرب، والذي طلب عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية الموضوع؛ “لا أعتقد أن الأزمة الحالية ستنهي التطبيع بين المغرب وإسرائيل. لكن هذا لن يحدث إلا إذا كانت الحرب قصيرة”. “إذا استمر الهجوم على غزة لمدة أربعة أو خمسة أشهر، مع ارتفاع أعداد الضحايا، فإن هذا بالطبع سيضع الدولة المغربية في موقف حرج. قد يؤثر على التطبيع، بل ويؤدي إلى التراجع عنه”.

بسبب الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية، كانت العلاقات بين المغرب وإسرائيل تشوبها دائمًا فترات من التقلب. وفي عام 2000، أدى اندلاع الانتفاضة الثانية إلى إغلاق مكتبي الاتصال في الرباط وتل أبيب.

وسوف يترك الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة أثراً أعمق بكثير. وعلى المدى القصير، سيؤدي ذلك إلى إضعاف العلاقات بين المغرب وإسرائيل. لكن الصراع الطويل والتجاوب الضعيف من جانب الرباط يهددان بتآكل العلاقة بين الدولة المغربية وشعبها.

ويسعى منتدى الأخبار WPR، الذي يعتمد على النشر المؤدى عنه، إلى تحقيق التوازن بين المدرستين المهيمنتين في العلاقات الدولية، الواقعية والأممية الليبرالية، والجمع بين الجهد لرؤية العالم كما هو، مع تفضيل الدبلوماسية والتعددية لدعم نظام عالمي قائم على القواعد والأعراف، كما يقدم نفسه.

كما يولي “المنتدى” اهتمامًا خاصًا للقصص المهمة، ولكن غير المغطاة، بالإضافة إلى الجوانب التي لم يتم فحصها جيدًا من الأحداث التي تتصدر عناوين الأخبار، ويغطي زوايا العالم التي غالبًا ما يتم تجاهلها بشكل مستقل، بغض النظر عما إذا كانت تؤثر على المصالح الأمريكية وبأية طريقة.

 ويزعم أصحاب الموقع/المنتدى أن تمويل WPR، بشكل حصري تقريبًا من قبل قرائه، المتخصصين في السياسة الخارجية والأكاديميين والقراء العامين المهتمين بالشؤون الدولية، من خلال رسوم الاشتراك الفردية والمؤسسية. ولا توجد إعلانات على موقع المنتدى الإلكتروني، بل توجد إعلانات عرضية فقط في رسائله الإخبارية غير المدفوعة عبر البريد الإلكتروني. ويؤكد هؤلاء أنهم لا يتلقون أي تمويل من أي مستثمرين خارجيين أو مجموعات مصالح (لوبينغ) أو مؤسسات، وليس لهم أي انتماء أو ولاء حزبي.

أعده وترجمه عن WPR: نورالدين اليزيد

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.