الماء يمنح الحياة والملِك منح البحر لدول الساحل!

0

نورالدين اليزيد

الدول التي استطاع المغرب أن يجمعها يوم السبت 23 ديسمبر 2023 في مراكش، في إطار تنسيق وزاري بشأن المبادرة الملكية لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، هي أصلا يجمعها -أو كان إلى وقت قريب- يجمعها إطار إقليمي اسمه “مجموعة دول الساحل الخمس” المعروفة بـ”جي 5″، الذي أُسس في 16 فبراير 2014 بنواكشوط، وضم موريتانيا إضافة إلى الدول الأربع المجتمعة في مراكش بوركينافاسو ومالي وتشاد والنيجر، لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، واقتصر تعاون أعضائه في الغالب على الجانب الأمني.

نورالدين اليزيد

ولكن سرعان ما سينفرط عقد هذه الهيئة الإقليمية؛ فانسحبت منها مالي في 15 ماي 2022، بسبب ما قالت باماكو إنه “رفضٌ” لتوليها الرئاسة الدورية. وقبل أيام وفي مطلع الشهر الجاري أعلنت كل من بوركينافاسو والنيجر في بيان مشترك انسحابهما هما أيضا من هذا التجمع “بعد تقييم معمق للمجموعة وعملها”، كما قال مسؤولو البلدين !

وفي 6 ديسمبر 2023 أعلنت كل من تشاد وموريتانيا، الدولتين المتبقيتين في مجموعة دول الساحل الخمس، تمهيد الطريق أمام حلّها بعد انسحاب الدول الثلاث الأخرى منه. وفي بيان مشترك كشفت تشاد وموريتانيا أنهما “تأخذان علما وتحترمان القرار السيادي” لكل من بوركينا فاسو والنيجر الانسحاب من الائتلاف على غرار ما فعلته مالي.وأضاف البيان أن البلدين “سيطبقان كافة الإجراءات الضرورية وفقا للاتفاق التأسيسي لمجموعة الخمس، ولا سيما البند 20”. وينص البند على إمكانية حل الائتلاف بطلب من ثلاث دول أعضاء على الأقل.

إذا كان اجتماع مراكش ليوم السبت 23 ديسمبر 2023 قد يعتبر لبنة أولى لتأسيس تجمع إقليمي يقوده المغرب، فإن غياب نواكشوط عن الاجتماع بقدر ما يثير عديدا من علامات الاستفهام، فإن ذلك قد يكون بالمقابل بمثابة حافز ورهان لهذا “المولود” الإقليمي الجديد؛ إذ في حال ما استطاعت الرباط إقناع بلاد شنقيط للانضمام إليه مستقبلا، كما راج على هامش اجتماع مراكش، فإن المغرب سيكون حقق مكسبا أو مكاسب مهمة تخدم مصالحه ومصالح دول الساحل بما فيها موريتانيا، على حد سواء..

إذن مبادرة المغرب التي أطلقها الملك محمد السادس في خطاب 6 نوفمبر الماضي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، لتجد طريقها إلى بداية التنفيذ على أرض الواقع في الاجتماع الوزاري التنسيقي ليوم السبت 23 ديسمبر 2023، أي بعد نحو شهر ونصف فقط من إعلانها، تعتبر مبادرة طموحة وذكية، أخذا بعين الاعتبار التطورات المتلاحقة، في المنطقة، ولاسيما الانسحاب المتسارع والدراماتيكي لفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة لدول الساحل ودول إفريقية عديدة، ثم اعتبارا لمستجدات العلاقات التي ظلت تجمع بعض تلك الدول ولاسيما مالي وتشاد بالنظام العسكري، وهي العلاقات التي تعرف أزمة ربما غير مسبوقة، خاصة في ما بين الجزائر ومالي، التي وصلت أزمتهما حد سحب الأخيرة لسفيرها من الجزائر، واتهامات للأخيرة بالتدخل في الشأن الداخلي وزعزعة استقرارها وأمنها بدعم الانفصاليين والجماعات الإرهابية.

في خضم هذه الأحداث والتطورات الجيوسياسية يبرز الصوت المغربي الداعي إلى فك طوق الساحل على بلدانه بمنحها فرصة جغرافية وتاريخية غير مسبوقة بتمكينها من إطلالة على المحيط الأطلسي ووضع الإمكانيات اللوجيستيكية والبنيات التحتية لمملكة محمد السادس رهن إشارة هاته البلدان لتعزيز إمكانيات تنمية شعوبها، وهو ما يعتبر شيئا معتبرا لا يقدر بثمن في زمن التقوقع والانطوائية والأنانية القومية، بل وفي زمن تزايد الأطماع من لدن القوى الغربية والإقليمية في استنزاف تلك البلدان والتهافت على مواردها؛ هذه الفرصة عبر عنها وزير خارجية مالي بإعجاب وامتنان حين قال وهو يلقي كلمته في اجتماع يوم السبت 23 ديسمبر 2023: “المعروف أن الماء يوفر الحياة، لكن المغرب قدم البحر”، وهي جملة بليغة في الكثير من المعاني!!

 أضف إلى ذلك تعتبر المبادرة المغربية ذات أبعاد استراتيجية غاية في الأهمية بالنظر إلى أنها تعتبر عمليا خطوة في اتجاه التأسيس لإطار أو تجمع إقليمي على أنقاض الانسحاب الفرنسي من دول الساحل، الذي لا شك أنه سيخلف فراغا أمنيا، بالخصوص، في المنطقة التي تعرف نشاطا متصاعدا للجماعات المتطرفة، وهو الوضع الذي قد يكون حافزا مشجعا للمبادرة المغربية كي تتوسع أكثر لتشمل، بالإضافة إلى الأبعاد الاقتصادية والتنموية، البعد الأمني والدفاعي، وهو ما يتطابق تماما مع رؤية العاهل المغربي الذي أطلق المبادرة، عندما أكد وهو يعلن عنها أن “المشاكل والصعوبات التي تواجه دول منطقة الساحل الشقيقة، لن يتم حلها بالأبعاد الأمنية والعسكرية فقط، بل باعتماد مقاربة تقوم على التعاون والتنمية المشتركة”!

إذا كان اجتماع مراكش ليوم السبت 23 ديسمبر 2023 قد يعتبر لبنة أولى لتأسيس تجمع إقليمي يقوده المغرب، فإن غياب نواكشوط عن الاجتماع بقدر ما يثير عديدا من علامات الاستفهام، فإن ذلك قد يكون بالمقابل بمثابة حافز ورهان لهذا “المولود” الإقليمي الجديد؛ إذ في حال ما استطاعت الرباط إقناع بلاد شنقيط للانضمام إليه مستقبلا، كما راج على هامش اجتماع مراكش، فإن المغرب سيكون حقق مكسبا أو مكاسب مهمة تخدم مصالحه ومصالح دول الساحل بما فيها موريتانيا، على حد سواء..

[email protected]

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.