بعدما عزل نفسه.. النظام الجزائري يُلطف الأجواء مع المغرب ويغازل العواصم الخليجية لإنجاح القمة العربية
=تحليل إخباري=
نورالدين اليزيد
في ما يبدو أنها محاولة من نظامها لإنقاذ القمة العربية المقبلة التي بات العديد من المراقبين يتحدثون عن فشلها حتى قبل انعقادها، بسبب المواقف العدائية إزاء جاره الغربي المغرب، وقطعه العلاقات الدبلوماسية معه من جانب واحد بسب ادعاءات كذّبتها الرباط، وكذلك بسبب محاولة توجيه الدعوة للنظام السوري للمشاركة في القمة، دشنت الدبلوماسية الجزائرية جولة جديدة في بعض العواصم العربية المؤثرة، طلبا للدعم، وللخروج من العزلة الإقليمية التي وجدت الجزائر نفسها فيها، بسبب مواقف لم تحسب لها جيدا.
وأعلنت الحكومة الجزائرية، يوم أمس الثلاثاء 11 يناير 2022، اعتزامها القيام بمشاورات موسعة مع الدول العربية، لتحديد موعد القمة التي ستحتضنها للمرة الرابعة في تاريخها.
وقد كان لافتا أن الساسة في الجزائر تحاشوا الحديث عن تاريخ مارس كما كان مقررا، ومتفقا عليه بين الجزائر والجامعة العربية، كتاريخ لعقد القمة العربية، بعدما تبين لحكام الجزائر أن عديدا من القوى العربية لا تريد الذهاب إلى قمة بالجزائر، وهي التي ما فتئت تشن “عدوانا” يصعب تبريره ضد المغرب؛ فما كان من دبلوماسية قصر المرادية إلا أن تنحو منحى تلطيف الأجواء، وإن على استحياء، مؤكدة أنها تهدف إلى إنجاح القمة العربية عبر التشاور مع العواصم العربية لتحديد تاريخ لها.
يبدو أن النوايا العدوانية للنظام الجزائري اتجاه المملكة المغربية، لقيت معارضة شديدة من طرف القوى العربية الفاعلة والمؤثرة، ولاسيما على مستوى الجامعة العربية؛ بحيث جاء الرد حاسما من مجلس التعاون الخليجي، أياما قليلة بعد تصريحات وزير خارجية النظام الجزائري، فأكد المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، المنعقد يوم الثلاثاء 14 دجنبر 2021 بالرياض، على مواقفه وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء والحفاظ على أمن واستقرار المملكة المغربية ووحدة أراضيها
جاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، تضمن نتائج الزيارة الأولى لرمطان لعمامرة، الذي لوحظ غيابه عن الساحة الجزائرية منذ فترة، إلى المملكة العربية السعودية؛ وهو الغياب الذي وجد له تفسيرا بعض المعارضين الجزائريين، في كونه (لمعامرة) ربما خيّب ظن السلطة العسكرية الماسكة بزماما الأمور، التي كانت تريد الذهاب إلى أبعد مدى في التصعيد ضد الجار المغرب، ولكن رمطان لعمامرة المشهود له بالكفاءة الدبلوماسية وبالرصيد الطويل والوازن في التعامل الدبلوماسي، كان منذ مجيئه إلى وزارة الخارجية قبل أشهر ينحو منحى مهادنا نوعا ما مع المغرب، حتى ولو عزف، بضغط من الجيش، على الوتر الحساس والمفضل لدى النظام الجزائري، وهو “استعداء” المغرب، ومن خلال القناة المثلى والفضلى بالنسبة إليه، وهي قضية الصحراء الغربية (المغربية).
بيان الخارجية الجزائرية أشار إلى أن لعمامرة ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، تطرقا للأوضاع الإقليمية والدولية، وتمحورت المشاورات بين الوزيرين “حول الأوضاع السائدة في المنطقة العربية والتحضير للاستحقاقات المقبلة للعمل العربي المشترك، وبالخصوص القمة العربية بالجزائر”.
وعلى غرار البيان الذي أعقب زيارة لمعمارة للرياض، المتحدث عن “العمل العربي المشترك” مقرونا بعقد القمة العربية المقبلة، لوحظ في البيانات الأخيرة الصادرة عن العاصمة الجزائر، جنوحها نحو ما يمكن وصفه “التهدئة” وعدم استهداف المملكة المغربية، بعكس ما كان الوزير لعمامرة نفسه قد أشار إليه في وقت سابق، أواسط شهر نوفمبر الماضي، عندما أعلن أن القضية الفلسطينية والقضية الصحراوية من المتوقع إدراجهما في جدول أعمال القمة المقبلة، قائلا في هذا الصدد، في تصريح لصحيفة “لكسبريسيون” الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية، إن القمة ستكون “فرصة من أجل مساندة الشعبين الصحراوي والفلسطيني”، على حد تعبيره.
ويبدو أن النوايا العدوانية للنظام الجزائري اتجاه المملكة المغربية، لقيت معارضة شديدة من طرف القوى العربية الفاعلة والمؤثرة، ولاسيما على مستوى الجامعة العربية؛ بحيث جاء الرد حاسما من مجلس التعاون الخليجي، أياما قليلة بعد تصريحات وزير خارجية النظام الجزائري، فأكد المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، المنعقد يوم الثلاثاء 14 دجنبر 2021 بالرياض، على مواقفه وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء والحفاظ على أمن واستقرار المملكة المغربية ووحدة أراضيها، وذلك في البيان الختامي الذي توج أعمال القمة الثانية والأربعين لمجلس التعاون الخليجي التي التأمت في المملكة العربية السعودية.
ومباشرة بعد قرار دول مجلس التعاون الخليجي، الذي اعتبره كثير من المراقبين رسالة شديدة اللهجة للنظام الجزائري، وتحذيرا من مغبة استغلال احتضانه القمة العربية للتصعيد ضد المملكة، جاءت إشارة عربية قوية أخرى، وهذه المرة من الجامعة العربية، التي وزعت مذكرة داخلية على مختلف هيئاتها توصيهم باعتماد خريطة موحدة للدول العربية. وبالموازاة مع المذكرة، نشرت على موقعها الإلكتروني خريطة الدول الأعضاء، من بينها المغرب بخريطته كاملة بما فيها الصحراء المغربية، ومرفقة بمعطيات تبرز حدود المملكة ومساحتها الكاملة. وهو ما اعتُبر صفعة جديدة، للنظام الجزائري، الذي بدا أكثر عزلة بسياسته العدائية ضد المملكة المغربية، مما جعله، على ما يبدو، يراجع -ولو مؤقتا- بعض سياساته العدائية اتجاه المغرب، أملا في إنجاح القمة المقبلة، التي يراهن عليها بغية نيل شرعية يفتقد إليها داخليا وشعبيا، وما أحوج إليها في ظل تراكم مشاكله الداخلية واحتدام الصراع بين المربع الضيق للسلطة الذي يتشكل من جنرالات حاليين وآخرين متقاعدين وقادة أمنيين مدعومين من بعض كبار رجال الأعمال من أصحاب النفوذ.
نجاح القمة العربية الذي يأمله النظام الجزائري يبدو أنه قد تلقى بشأنه رسائل غير مشفرة، من العواصم العربية المؤثرة، كالرياض وأبو ظبي والكويت والدوحة والقاهرة، وهي بمثابة الشروط اللازم اتباعها من قبله قبل تحديد أي تاريخ لعقد هذه القمة الموعودة؛ وأبرز تلك الشروط وأهمها، وفق ما يُقرأ من المعطيات المتوفرة، هي أن لا يستمر في التصعيد ضد الرباط. وهو ما يمكن استنتاجه بسهولة من خطاب الدبلوماسية الجزائرية، في الأسابيع الأخيرة، حيث أصبح الساسة الجزائريون يحرصون على الحديث أكثر عن نجاح القمة المفترض الذي لن يتم إلا بإشراك كافة الأعضاء، وتفعيل العمل العربي المشترك، وفق المسؤولين الجزائريين، دون أن يصدر عنهم ما قد يثير غضب حلفاء المملكة المغربية، ولاسيما الدول الخليجية.
ويبقى الثابت أنه في ظل إصرار النظام الجزائري على الإبقاء على أطروحته العدائية التاريخية ضد المغرب، التي باتت كإيديولوجية وعقيدة تؤطر سياسته الخارجية، فإنه من المتوقع أن يعقد هدنة آنية، ومن جانب واحد، كما يعلن العداء من جانب واحد أيضا، مع المملكة، بقصد أن ينجح في التئام قادة الدول العربية، والظهور بمظهر البلد والنظام الجامع، وليس المفرق بين الأشقاء، كما يردد في خطابه العلنين وذلك على الأقل لكسب بعض النقط التي خسرها في الأشهر الأخيرة في حربه التصعيدية مع جاره الغربي.
وفي سبيل هذا المبتغى، قد توجه الحكومة الجزائرية دعوة رسمية إلى المملكة للحضور إلى القمة العربية، وتفتح ما يشبه المفاوضات غير المباشرة، وبواسطة أحد البلدان العربية المؤثرة، تكون خليجية في الغالب، يمهد لها النظام الجزائري بإلغاء قرار منع الطيران المغربي من عبور الأجواء الجزائرية، على أساس تقديم وعود بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع المملكة. وهو الأمر الذي قد يطول ولن يكون بأي حال من الأحوال في الأفق القريب، وذلك إنقاذا لماء وجه هذا النظام الذي وصل تصعيده لحد التهديد بإعلان الحرب ضد المغرب.