بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر بالمغرب.. فريقان لمهاجرين باسم مدينتين مغربيتين
كيف يمكن تحقيق التوازن بين الاحتفالات الرمزية والمبادرات العملية التي تخدم المهاجرين؟
عبد المجيد الفرجي*
كل عام والمهاجر بخير في المغرب وخارجه.
اليوم 10 غشت، هو اليوم الوطني للمهاجر بالمغرب، والذي أقره الملك محمد السادس، سنة 2003 ، تفاعلا/ تزامنا مع مقررات المؤتمر الرابع عشر لحزب الاستقلال.
كانت من توصيات مؤتمر الاستقلاليين، إحداث يوم وطني للمهاجر بالمغرب، يكون محطة للتقييم والتقويم والتواصل وإبداء الاهتمام بهذه الفئة المجتمعية..
وقد كانت هذه التوصية: “إحداث يوم وطني للمهاجر”، من اقتراحي شخصيا، ضمن الورقة التي أنجزتها للجنة الجالية المغربية المقيمة بالخارج (رئيسها حينئذ الوزير توفيق حجيرة)، التي كنت أشغل بها مقررا (23 عاما).
وقد كانت التوصية المذكورة قد تصدرت جريدة العلم (لسان حزب الإستقلال) بعد انتهاء المؤتمر (حيث أعيد انتخاب عباس الفاسي أمينا عاما للمرة الثانية تواليا) كإحدى أهم التوصيات.
ومما كانت تشتغل عليه لجنة الجالية المغربية في حزب الاستقلال مع فاعلين آخرين غير متحزبين ومن من أحزاب الكتلة هو التمثيلية السياسية البرلمانية كما حدث في الثمانينيات، وتأسيس هيئة/ مجلس للجالية.
لم أكن حينها أفكر قط في الهجرة ولا أتخيل نفسي مهاجرا بالمرة، فأنا حينها “سياسي”، كل طموحاتي في بلدي، أستقبل المهاجرين وأستمع إليهم، هناك في شارع بن تومرت، خاصة مهاجرين إسبانيا وإيطاليا بحكم تكلمي الإسبانية حينها وقرب هذه اللغة الإيبيرية في المعنى إلى نظيرتها الإيطالية.
اقترن اسم الهجرة والمهاجر بالشغل والمال، وهي صور قد تبدو نمطية، وإن كان كثيرون ممن هاجروا ليس لأجل المال. فإنه لا يمكن إنكار جزء من هذا الواقع النمطي الذي يساهم في تنمية اقتصاد البلاد واستقدام العملة الصعبة (تقريبا 110 مليار درهم برسم السنة الماضية) وتكريس التضامن المالي/ العائلي.
في يوليوز 2003، قبل الإحتفاء بيوم 10 غشت لأول مرة كيوم وطني للمهاجر بالمغرب، كنت قد تشرفت كعضو في لجنة الجالية بحزب الاستقلال، بالإعداد التنظيمي لندوة دولية حول مقارنة قوانين الهجرة بين المغرب وإسبانيا وفرنسا، وفي الآن ذاته كنت أشتغل مهنيا كصحفي في جريدة العلم ب”القطعة”.
ولأني كنت آخذ أجرتي في “العلم”، بعد تأشير السي عبد الجبار السحيمي، بعدد وطول وعرض المقالات، التي كانت تحسب بالمتر (جادا لا أمزح)، فقد نقصت إنتاجيتي في نشر المقالات، بسبب الانشغال بالاتصال مع السفارات وولاية الرباط والفندق المحتضن للتظاهرة، الكائن في أكدال الرباط، وذلك بتعاون مع الصديق العزيز رشيد خداري.
ستكون تلك الندوة منعطفا كبيرا في مسار حياتي، وإن كانت دوما هناك أمور بسيطة ثابتة وأخرى متغيرة في حياتنا لا ننتبه إليها، هي من المكونات
الأساسية في تشكل ما قد نسميه بالمنعطف/ الطفرة..
لقد حرضني سياسي ضيف في الندوة، كان حينها قد حل بيننا بصفته ناطقا رسمية باسم الحزب الاشتراكي الموحد بإسبانيا وهو من أصول مغربية من العرائش.
خلال ذلك اليوم وفي استراحة شاي، صباحا، وبعدما انتقد الشاب الضيف المغربي/ الإسباني، السيد عباس الفاسي بصفته وزيرا للشغل، عقب عرض له في الندوة المشار إليها آنفا؛ كنت قد أبديت إعجابي بالنقد الذي وجهه ذلك الشاب المغربي للسيد الوزير.
لقد تحدثت إليه بإسهاب عما يعتمل دواخلي، من حسرة عن الهوة الحاصلة بين الخطاب السياسي وواقع الشباب، فأخذ يستفسرني عن حالي، ووضعي المهني، وكيف أن مثل هذه الندوة التي تدخل في إطار النضال ستكون سبب كسادي في نهاية الشهر، فإذا به يخبرني أنه كان مثلي مناضلا في شبيبة حزب منظمة العمل الديمقراطي وأشياء عديدة مشتركة بيننا..
وحيث المقام هنا ليس للحديث بتفصل عن هذا اللقاء، لكن أذكر من خلاصاته، أن قال لي الشاب العرائشي بالحرف، هاجر وكمل دراستك العليا في المجال الذي تحبه..
وهكذا تم “التغرير” بي حتى أصبحت مهاجرا وزاد هذا الأمر تبلورا في المؤتمر الدولي للشباب بوزنيقة، غشت سنة 2003 حينما التقيت بـ1500 شباب من كل العالم، لقد أسست حينها برغبة كبيرة في الهجرة والسفر المتواصل للتعرف عن كثب على ثقافات عديدة في موطنها.
من الصدف أن تزامن إقرار اليوم الوطني للمهاجر بالمغرب مع المؤتمر الدولي للشباب والذي تشرفت أن أكون من بين الشباب المغاربة المنظمين له.
ومن الصدف أن بعضاً من كانوا أكثر تشبثا بالبقاء في أرض الوطن للاشتغال من داخله، أصبحوا فيما بعد مهاجرين كما هو شأني وآخرين مثل الصديقة العزيزة الإعلامية إكرام.
كنت التقيتها بالصدفة أمام مقر حزب الاستقبال باب الأحد، بالرباط، يوم عشرين فبراير، وبينما كنا نتمشى في مسيرة ذلك اليوم التاريخي، قالت لي هربتي علينا عبد المجيد، أجبتها: وأنت ماكتفكريش تهاجري، فكان ردها ولمن سنترك هذا الوطن).
ومن الصدف أيضا، أن ممن كانوا معنا في ذلك المؤتمر أصبحوا وزراء؛ واحد منهم، السي يونس السكوري يشغل اليوم في حكومة المغرب، نفس منصب عباس الفاسي، وزيرا للشغل وقطاعات أخرى ضمنها “الكفاءات”، التي بعضها هاجر وعليه رفع التحدي لاستقطابها.
اقترن اسم الهجرة والمهاجر بالشغل والمال، وهي صور قد تبدو نمطية، وإن كان كثيرون ممن هاجروا ليس لأجل المال. فإنه لا يمكن إنكار جزء من هذا الواقع النمطي الذي يساهم في تنمية اقتصاد البلاد واستقدام العملة الصعبة (تقريبا 110 مليار درهم برسم السنة الماضية) وتكريس التضامن المالي/ العائلي.
بالمقابل هناك واقع صعب، واقع الاحتفاء باليوم الوطني للمهاجر، على إيقاع الحفلات فقط أحيانا (وإن كنا من أنصار وصناع الفرح، لكن وجب بمقدار معقول ومحترم خاصة في بعض العمالات)، في غياب مبادرات عملية مستمرة تهم واقع المهاجر في أرض المغرب، سواء الذي أصله مغربي أو الجديد المستقر به حديثا، بعدما أصبح المغرب بلدا مستقبلا للهجرة بالدرجة الأولى لا مصدرا لها فحسب.
المغرب الذي أصبح يغري كثيرا من أبناء الجالية المغربية بالخارج للاستقرار دوما فيه، بسبب التطور الذي تعرفه البلاد والذي لا يمكن أن ينكره إلا جاحد (كما عاينت ذلك شخصيا من حيث البنيات التحتية مقارنة مع ما قبل سنة 1999)، مع تسجيل ملاحظات وتحفظات في مجالات هي تيرمو متر/ مؤشر عيش وجذب لدى أفراد من الجالية المغربية للإقامة في بلدان المهجر، وأخص بالذكر التعليم، الصحة، الشغل والعدل.. بعضها مؤخرا عرف انفراجا وأرسل إشارة إيجابية، لكن وجب الاشتغال أكثر على المجالات الأخرى وتطويرها
هناك واقع صعب يسائلنا حول، أهمية وضع سياسات مندمجة، عمودية (السلطة التشريعية/ التنفيذية) وأفقية (برامج مبادرة التنمية البشرية، وإن كانت روحها حكومية، والمنظمات غير الخكومية)، تهم التفاعل /”إدماج” وإقامة برامج تنموية ومدنية تهم “المغاربة الجدد” في المغرب، ولما لا إنشاء مؤسسة تعنى بالمهاجرين/ المواطنين الجدد بالمغرب والهجرة الداخلية خاصة؛ تكون ذات بعد حقوقي تنموي واقتصادي وثقافي ورياضي.
هناك مجلس الجالية للمغاربة المقيمين بالخارج، والذي عليه أن يجيب على آخر خطاب لصاحب الجلالة الملك محمد السادس يوم 20 غشت 2022 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب.
ما هي آفاق عمل مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج بعد كل هذه السنوات منذ إصدار ظهير تأسيسه في 21 دجنبر سنة 2007؟
وفيما يلي أسئلة أخرى قصيرة؛ من صميم أسئلة كبرى سابقة، لمن يهمهم الأمر:
ما هي العلاقة بين الهجرة والعمل والمال في تصور المجتمع المغربي؟
كيف تعكس هذه العلاقة الصورة النمطية للهجرة؟
ما هو الدور الذي تلعبه تحويلات المهاجرين في دعم الاقتصاد المغربي؟
ما التحديات التي تواجه؟
*صحافي مغربي مقيم بإيطاليا