تدوينٌ دِفاعا عن البوليس!!
نورالدين اليزيد
جميل أن تحتفل إدارة الأمن الوطني بالمملكة المغربية الشريفة الآمنة، كل سنة بذكرى التأسيس، والتي صادفت يوم الثلاثاء 16 ماي الذكرى 67، حيث استحضرت الأسرة الأمنية ومعها كل وسائل الإعلام الرسمية والخاصة والتابعة وتابعة التابعة والتائهة بين كل هاته، مذكّرة بما وصفتها الإنجازات الهائلة والمتعددة لهذا المرفق العمومي، إنْ على مستوى البنيات التحتية أو في ما يخص تسهيل ولوج المواطنين للمرفق، وكذا على مستوى تأهيل وتحسين أوضاع العاملين بإدارة الأمن..
وإذا كان عمل إدارة الأمن الوطني ومجهودات العاملين بها، في السهر على أمن الوطن والمواطنين، لا ينكره إلا جاحد أو من على قلبه وبصره غشاوة، فإن ما لا يمكن أن يتناطح بشأنه -بالمقابل- كَبشان، هو أن الإدارة الأمنية ما يزال يعوزها الشيء الكثير لِترقى إلى مرفق عمومي يؤدي رسالته على أكمل وجه، دون تقصير أو تراخٍ، سواء في حق المرتفقين أو المنتسبين، على حد سواء، وبدون فرط ولا إفراط !
ونحن نتابع الانخراط المثير للانتباه والمتهافت لجوقة الإعلام الـ”إمّع” في تمجيد إدارة الأمن الوطني، والتهليل والتطبيل لحد المبالغة الأقرب إلى الرياء والكذب، وتحديدا اتجاه شخص المدير العام للأمن الوطني السيد عبداللطيف الحموشي، الذي نحترمه من موقعه كموظف سام، كِدنا أن نتخيل أنفسنا في مدينة الإغريق الفاضلة التي لا تشوبها شائبة أمنية ولا أهلها يحزنون أو مسؤولوها يقلقون، كما كان يتخيلها ويحلم بها أفلاطون النبيل؛ بحيث طغا على المشهد الاحتفائي ذِكرُ فقط “الإنجازات” التي لا حصر لها، والدور الخرافي الذي يقوم به الأمن الوطني في استمرارية وسيرورة المملكة العلوية الشريفة، بضمان أمنها وأمانها؛ وكأن وحده هذا المرفق هو الضامن لبقاء الدولة، بينما هذا غير صحيح، وفيه إجحاف وظلم كبيران لآخرين؛ لأن البلاد لها رجالاتها وأسودها الآخرون المرابطون في الصحاري على الحدود (القوات المسلحة)، والمغاوير العاملون في المناطق النائية والجبال والمناطق الوعرة (الدرك الملكي)، والأبطال الساهرون على حماية ووقاية الناس من الأهوال والمخاطر المُحدقة (الوقاية المدنية)، والشجعان الداعمون المساعدون لكل هذه القوات المكابِدون في صمت (القوات المساعدة).. كل هؤلاء يجب أن يُحتفى بهم، حتى من دون ذكرى، لأن أمن البلاد والعباد ليس مقرونا بهذه الإدارة أو تلك، وإنما بكل الإدارات وبكل المسؤولين وبكل الرجال والنساء المنتسبين لهذا القطاع أو ذاك، دون تمييز في الدرجات/لڴراد!
سنُسلّم بأن الأرقام التي نُشرت شابها التهويل، وهذا أمر غير مقصود طبعا، وحاشَا وكلّا أن يكون العكس، ما دامتِ الإفادة صدرت عن المعنيين بالأمر، في الأول والأخير، وهدفها الأساسي هو دق ناقوس خطر وتنبيه بأوضاعهم التي وصفوها بـ”المزرية”، وواجبنا كإعلاميين هو مساعدتهم في إسماع صرختهم واستغاثتهم، لمن يهمهم الأمر، لكن أليس رقم 38 شُرطيا قرروا بقاءهم بالخارج ومغادرة وظيفتهم بالمَرة، خلال سنة ونصف فقط، هو رقم مُهول -أيضا- ويستدعي من المسؤولين بدل الإسراع إلى إصدار مذكرة “تشديدية” على الإجازات، أن يعقدوا اجتماعا طارئا على مستوى الإدارة المركزية، ويعلنوا بكل شفافية وجُرأة للرأي العام، أن كثيرا من الشّرطيين يعانون الحيف، وهذا لن يكسبهم غير المزيد من التعاطف؟
الإصرار بسخاء باذخ أو لنقل بإسهال مفرط، عبر صفحات وأعمدة جرائد وبرامج إذاعات وتلفزيونات، على إظهار إدارة الأمن الوطني في صورة لامعة وبراقة وجذابة تسُر الناظرين والسامعين، لن يخفي جوانب معتمة وسوداء في ذات المرفق العمومي؛ منها تواضُع أو حتى غياب “الخدمة الأمنية” في بعض الأحياء المكتظة في عدد من مدن المملكة، وحصول تجاوزات هنا أو هناك يكون أبطالها موظفون أمنيون، بل وضباط سامون أحيانا والأمثلة كثيرة، تورطوا في قضايا إجرامية مختلفة كالرشوة أو المتاجرة بالمخدرات أو التحرش الجنسي حتى ضد زميلات في العمل. أضف إلى ذلك الوضعية السيئة لشرائح واسعة من الأمنيين والأمنيات، سواء على مستوى غياب أو ضعف وسائل ومحيط العمل، أو حرمانهم ومنعهم من تعويضات تأخذ بعين الاعتبار الساعات الطوال التي يقضونها في العمل والمخاطر المعرضون لها في كل الأوقات والأحيان، كما يخبرنا مرارا إخوتنا وأخواتنا العاملون بهذه الإدارة.. وغير ذلك من النقائص والأزمات التي يتخبط فيها القطاع، والتي جعلت عددا منهم يفضل تطليق الوظيفة الأمنية واستغلال أول فرصة للسفر إلى الخارج من أجل “لحريڴ”، وهو ما جعل الإدارة تستعجل توزيعَ مذكرة داخلية بهذا الخصوص تستهدف الحد من “فرار” البوليس من عملهم !
جميل أن يكون لنا إعلام يواكب “إنجازات” هذه الإدارة أو تلك، خدمة للرأي العام، لكن الأجمل أن لا يكون إعلاما منبطحا وخاضعا لإدارة دون أخرى، بل ومُهرولا بحماس شديد وأعمى لتمجيد أشخاص بعينهم، تماما كما فعل ويفعل جُل الإعلام المسيطر على الساحة، مع إدارة الأمن الوطني هذه الأيام، بل في السنوات الأخيرة؛ حيث لاحظنا هذا الاحتفاء المتهافت بإدارة الأمن الوطني، في الوقت الذي لم تحظ -مثلا- الذكرى 67 لتأسيس القوات المسلحة بنفس الأهمية، عِلما أن ذكرى تأسيس المؤسستين لا يفصل بينهما غير يومين اثنين؛ فأي جحود ونكران جميل هذا الذي يذوب وينمحي في الولاء والتقديس للأشخاص؟
نصطف مع إخوتنا البوليس..
إن تنظيم المديرية العامة للأمن الوطني بمدينة فاس، في الشهر الماضي، “الأبواب المفتوحة للأمن الوطني”، وكانت الغاية من المبادرة التي أصبحت سُنة سنوية محمودة، هي الانفتاح أكثر على المواطنين وإشاعة مبدأ تقريب الإدارة الأمنية بينهم وإليهم، يعتبر مبادرة جميلة لا يمكن إلا التصفيق لها، والتنويه بالمسؤولين الأمنيين المشرفين عليها، ولو أن ذلك يبقى من صميم عمل الإدارة المعنية، وهو روح وجوهر رسالتها الوظيفية، وهدفها الرئيسي، بأن تجعل المواطن دافعَ الضرائب وممولَ ميزانيتها، يشعر بأنها أقرب إليه؛ وهو ما يدخُل، قبل هذا وذاك، في إطار تنزيل واحدٍ من النصوص الدستورية المهمة، ألا وهو الحق في الأمن الواجب على المكلفين به توفيره دون مِنة أو ابتغاء تلميع إعلامي!!
وفي الأيام الأخيرة وصلتنا، نحن صاحب هذه التدوينة “الأمنية”/المقالة، من مصادر موثوقة، أخبارٌ عن أوضاعٍ ليست على ما يرام -حتى لا نقول أكثر من ذلك- يعانيها إخوتنا وأخواتنا الأمنيون والأمنيات؛ سواء من حيث ظروف محيط العمل أو من حيث المناخ العام؛ حيث غياب بنايات ومرافق اشتغال ملائمة، في بعض المناطق والمدن لاسيما في عدد من المقاطعات المتواجدة في عمق الأحياء الشعبية، وحيث الحيف والظلم الذي يطال ذوي الدرجات الدنيا من أصحاب “لـGراد”، والذي قد يصل أحيانا إلى حد تحرش ضباط سامين بضابطات أقل درجة، جعلت إحداهن تكاد تضع حدا لحياتها، بينما اضطرت أخرى إلى “لحريG”، وعرفت قضيتُها تطورات ما تزال تتفاعل وتتفاقم وتتخذ أبعادا دولية ستكون لها تبعات، بلا شك، خاصة عندما نعلم أن ملف هذه الضابطة موضوع على مكتب نائبة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كامالا هاريس..
هذه الحالات وحالات أخرى، لاسيما ما يتعلق بـ”التعسف” في استعمال السلطة “الأمنية” والشطط فيها، في حق المنتسبين من صغار الدرجات من أبنائنا وإخوتنا المنتسبين إلى هذه المهنة النبيلة والحيوية، ما كانت لتتطور وتتفاقم نتائجها وارتداداتها، من قبيل الكُفر بها وهجرها والإقدام على “الحريG” وتطليقها طلاقا بائنا، لو أن “أبواب” الإدارة كانت مفتوحة/منفتحة أكثر وذات آذان صاغية لعناصرها أولا، قبل المواطنين، ولو أن المسطرة الإدارية والقضائية اتخذت المسارات التي ينبغي لها أن تتخذها، دون إفراط أو تفريط، ودون تضييع للحقوق وإهدارها، من ذويها الذين يستحقونها، ودون إهمال أو تقاعس في إنزال العقوبات ضد الذين يستحقونها بعدما استصغروا المسؤوليات المناطة بهم وأخلوا بالواجب والقسم..
ارتأينا الإدلاء بدلونا هذا، أولا من منطلق كوننا كأقلام حرة ارتضت لنفسها الانتصار دائما للفئات المظلومة والمغبونة في هذا الوطن السعيد، وهذا دأبنا مع كل شرائح المواطنين بمن فيهم الأمنيون، لاسيما في ظل حرمانهم القانوني من العمل النقابي والحق في حرية التعبير لطبيعة مهنتهم، الشبه العسكرية، وثانيا -وكسبب نزول- خروجُ الإدارة المعنية اليوم (مؤخرا) ببيان عممته الوكالة الرسمية، وتكشف فيه عن مذكرة داخلية، كنا سباقين إلى الكشف عن فحواها، قبل أيام، وتهدف إلى التشديد في شروط الحصول على إجازة بالنسبة لرجال ونساء الأمن، بعد تزايد حالات فرار هؤلاء إلى الخارج/بالحريG، للأسباب التي ذكرنا بعضها، كما كشفت عنه مصادرنا، وكذّبته إدارة الأمن، التي أكدت أن عدد الحالات التي طُبقت بشأنها مسطرة ترك الوظيفة والعزل، بسبب تمديد العطلة السنوية خارج أرض الوطن والانقطاع عن العمل بدون مبرر، بلغت خلال سنة 2022 والنصف الأول من السنة الجارية 38 موظفا، واصفة الأرقام التي روجتها بعض المنابر ومنها جريدة “الناس” الإلكترونية، بأنها يشوبها “التهويل والتحريف”…
سنُسلّم بأن الأرقام التي نُشرت شابها التهويل، وهذا أمر غير مقصود طبعا، وحاشَا وكلّا أن يكون العكس، ما دامتِ الإفادة صدرت عن المعنيين بالأمر، في الأول والأخير، وهدفها الأساسي هو دق ناقوس خطر وتنبيه بأوضاعهم التي وصفوها بـ”المزرية”، وواجبنا كإعلاميين هو مساعدتهم في إسماع صرختهم واستغاثتهم، لمن يهمهم الأمر، لكن أليس رقم 38 شُرطيا قرروا بقاءهم بالخارج ومغادرة وظيفتهم بالمَرة، خلال سنة ونصف فقط، هو رقم مُهول -أيضا- ويستدعي من المسؤولين بدل الإسراع إلى إصدار مذكرة “تشديدية” على الإجازات، أن يعقدوا اجتماعا طارئا على مستوى الإدارة المركزية، ويعلنوا بكل شفافية وجُرأة للرأي العام، أن كثيرا من الشّرطيين يعانون الحيف، وهذا لن يكسبهم غير المزيد من التعاطف؟
لا يمكن إنكار أن الإدارة في عهد السيد عبداللطيف الحموشي حققت الكثير من الإنجازات، سواء على مستوى البنيات التحتية، أو في ما يتعلق بتأهيل العنصر البشري وتحسين وضعيته المالية، لكن بالمقابل لا يجب أن يخفي هذا ما يطال أوضاعَ الكثير من الأمنيين من إجحاف على مستوى التعويضات، ومما يشوب محيطَ عملهم من ضعف أو غياب الأدوات والوسائل الضرورية، ثم ما يتعرضون له من استغلال مبالغ فيه لحد التعسف، من طرف رؤسائهم أصحاب الدرجات العليا… وهذه كلها وأخرى نقطٌ سوداء يجب معالجتها بنقد ذاتي بنّاء وليس بالهروب إلى الأمام وحشد الإعلام المصفِّق والمُطبِّل!!
https://www.facebook.com/nourelyazid
ملحوظة: هذه المقالة هي تركيب لتدوينتين مطولتين دونهما الكاتب على حسابه وصفحته في فيسبوك وحسابه في تويتر