سيطايل.. الإعلامية الصنديدة التي أصبحت “سفيرة صاحب الجلالة” بباريس
نورالدين اليزيد
دشنت “سفيرة صاحب الجلالة” بفرنسا سميرة سيطايل يومي الجمعة والسبت 26 و27 يناير 2024، قيادتها كرُبان للتمثيلية الدبلوماسية المغربية في عاصمة الأنوار باريس، باجتماع حاشد جمعت فيه أكبر شبكة لقناصلة المملكة في بلاد أجنبية على الإطلاق، من أجل وضع خارطة طريق لـ”تعزيز مهام القناصلة العامين”، و”تنفيذ مخطط عمل وزارة الخارجية لفائدة المغاربة عبر العالم، طبقا لتوجيهات الملك محمد السادس”، وفق ما ذكرت قصاصة للوكالة الرسمية للأخبار.
قد يبدو اجتماع السفيرة سيطايل عاديا في إطار تنفيذ توجيهات الإدارة المركزية الآتية من مكتب الوزير ناصر بوريطة، لكن ما يدعو إلى التتبع والمواكبة، ويثير فضولنا كصحافيين كما يثير اهتمام عديد من النشطاء والسياسيين، الذين كانت لهم مواقف رافضة لـ”سيدة القطب السمعي البصري” المغربي، كما كانت تلقبها بذلك الصحافة الفرنسية، هو مدى أهلية وكفاءة هذه السيدة ذات التكوين الإعلامي والتواصلي، في تدبير الحقل الدبلوماسي المغربي “الملغوم” في البلاد الفرنسية التي تخيم على علاقاتها مع الرباط أزمةٌ متفاقمة منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات..
سميرة سيطايل المواطنة الفرانكو-مارُوكِين هي واحدة من المواطنين مزدوجي الجنسية المنتمين ثقافيا للفرنكوفونية، ليس بالاكتساب ولكن بالانتقال البيولوجي من بلد الولادة، لأنها ازدادت في 16 مايو 1964 بالعاصمة الفرنسية باريس، حيث نشأت هناك نشأتها الأولى وترعرعت ودرست، وحصلت على شواهدها التعليمية وعلى بعض التجارب المهنية في مجال التواصل والإعلام، قبل أن يوعز لها موعِزون بأن تحزم حقائبها وتسافر إلى المغرب، لتستقر فيه بعدما حصلت في ماي 1990 على وظيفة محترمة كمقدمة برامج في تلفزيون عمومي هو القناة الثانية، في البدايات الأولى الذهبية للقناة، قبل أن تتدرج المسؤوليات وتصبح نائبة مديرها العام ومديرة الأخبار..
بغض النظر عن أداء القناة في عهد السيدة سميرة، والذي لا يمكن أن يخرج عن نطاق الأداء السمعي البصري العمومي العام الباهت، الذي لا يرقى إلى مستوى الإعلام العمومي في بعض الدول التي تشبهنا وتقاسمنا نفس الإمكانيات المادية والثقافية والحضارية، إلا أن ما يُشهد له ويجب الإقرار به، هو أن سميرة سيطايل، الوجه الإعلامي النسوي المتمرس، توفرت لديها الكفاءة والكاريزما الكافيتين، طيلة كل تلك السنوات، لتكون أكثر من مجرد “موظفة” تتولى المسؤولية أو تدير قطاعا إعلاميا، وتتحول إلى “جزء” من الدولة، الذي له دوره في تجاذبات هذه الدولة السياسية مع الأطراف واللاعبين السياسيين الآخرين، ومنهم بالخصوص حزب “العدالة والتنمية”، الذي لطالما اشتكى منها ومن المدير العام سليم الشيخ الذي عُينت مديرةً عامة مساعدة في عهده ونائبة له، منذ مجيئه إلى القناة، في سنة 2008، وإلى غاية مغادرتها القناة في 2020 !
بعدما غادرت سميرة تلفزيون “عين السبع” (دوزيم)، سنة 2020، بعد نحو ثلاثة عقود من العمل، كان المغرب يستعد سياسيا للدخول إلى عهد حكومي جديد، غير العهد الذي تميز بصدامات علنية بين “سيطايل” كمديرة عامة مساعدة لتلفزيون عمومي و”إسلاميي” حزب العدالة والتنمية، الذين أداروا كل النسخ الحكومية طيلة تربع “المرأة الحديدية” على عرش القناة الثانية؛ فكانت صدفة غريبة وعجيبة أن تكون مغادرتها للقناة متزامنة مع بداية استشعار “الإسلاميين”، بأن فترة شهر العسل التي جمعتهم بالسلطة زهاء عقد من الزمن توشك على نهايتها، في نفس الوقت الذي لم يكن خافيا على أحد بأن الشارع الوطني قد ضاق ذرعا هو الآخر بالإسلاميين الذين لم يحققوا للجماهير ما وعدوهم به في الانتخابات التي أعقبت “الحراك الشعبي” العارم في 2011.
جاءت استحقاقات سبتمبر 2021، وخرج أو أُخرج “الإسلاميون” من الحكومة خرجة مهينة بسقوطهم سقوطا مدويا في الانتخابات، وتشكلت حكومة يقودها حزب “التجمع الوطني للأحرار” المقرب من السلطة، وتولى رئاسة الحكومة رئيس الحزب الملياردير عزيز أخنوش، وقتئذ بدأت الألسن في صالونات وفيلات العاصمة الرباط تلوك أسماء بعض “خُدام” الدولة الذين يتواجدون بالعاصمة الفرنسية، إما مقيمين أو يؤدون مهام وظيفية، بأن المنادي سينادي عليهم حيّ إلى أرض الوطن لتقلّد المنصب الذي ينتظركم، ومن تلك الأسماء ذُكر اسم سميرة سيطايل التي كانت غير بعيدة عن أصداء ما يُطبخ في كوزينة الدبلوماسية المغربية بحكم أن زوجها هو الدبلوماسي سمير الدهر، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) التي مقرها بباريس مسقط رأس سميرة..!
يوم الخميس 19 أكتوبر 2023 أعلن القصر الملكي عن أسماء جديدة لشغر منصب “سفراء صاحب الجلالة” في عواصم كبرى، مثل واشنطن وبيكين وباريس. هذه العاصمة الأخيرة التي ستستقبل وجها إعلاميا معروفا جيدا لدى الفرنسيين، اسمها سميرة سيطايل، مديرة الأخبار والمديرة المساعدة السابقة بالقناة الثانية “دوزيم” (2M)، التي من خلال تتبع مسارها المهني لا يمكن إلا اعتبارها، قولا واحدا، من بين “رجالات” و”نِسوة” الدولة، الذين/اللائي يحظين بـ”الثقة المولوية”. ولعل ذلك ما يبرر بقاءها ما يناهز الثلاثة عقود في قناة “عين السبع” التلفزيونية العمومية!
بغض النظر عن أداء القناة في عهد السيدة سميرة، والذي لا يمكن أن يخرج عن نطاق الأداء السمعي البصري العمومي العام الباهت، الذي لا يرقى إلى مستوى الإعلام العمومي في بعض الدول التي تشبهنا وتقاسمنا نفس الإمكانيات المادية والثقافية والحضارية، إلا أن ما يُشهد له ويجب الإقرار به، هو أن سميرة سيطايل، الوجه الإعلامي النسوي المتمرس، توفرت لديها الكفاءة والكاريزما الكافيتين، طيلة كل تلك السنوات، لتكون أكثر من مجرد “موظفة” تتولى المسؤولية أو تدير قطاعا إعلاميا، وتتحول إلى “جزء” من الدولة، الذي له دوره في تجاذبات هذه الدولة السياسية مع الأطراف واللاعبين السياسيين الآخرين، ومنهم بالخصوص حزب “العدالة والتنمية”، الذي لطالما اشتكى منها ومن المدير العام سليم الشيخ الذي عُينت مديرةً عامة مساعدة في عهده ونائبة له، منذ مجيئه إلى القناة، في سنة 2008، وإلى غاية مغادرتها القناة في 2020 !
شخصية سميرة سيطايل القوية وتكوينها الإعلامي والتواصلي، واحتكاكها الدبلوماسي المباشر، سواء على المستوى العائلي من خلال زوجها هو السفير سمير الدهر، أو في ما يخص علاقاتها العامة الباذخة والمتشعبة، بحكم مركزها الإعلامي العمومي طيلة 30 سنة، كلها عوامل جعلتها قادرة على أن تكون “سفيرة فوق العادة” للمملكة في خريف السنة الماضية، في خضم الحملة التي يشنها سياسيون وإعلاميون فرنسيون بعاصمة الأنوار على مملكة محمد السادس، والتي تجلت بالخصوص في الحرب الإعلامية الشرسة التي شنها الإعلام الفرنسي على مملكة محمد السادس، لاسيما بالموازاة مع حادث الزلزال المأساوي الذي ضرب المغرب في سبتمبر 2023، وبعدما رفضت بلادنا المساعدات الفرنسية، فبرزت سميرة سيطايل حينئذ محاميا صنديدا، ترافعت بكل شراسة عن مصالح المغرب، وحقه السيادي في رفض أو قبول مساعدات مَن يشاء!
نقل مداخلات وسجالات سميرة في تلفزيونات الفرنسيس، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، جعل قسما وافرا من المغاربة يصفق لهذا الصوت المغربي الإعلامي بتاء التأنيث الذي يتقن لغة موليير، التي شربها من ثديها الأصلي ولم يبلغ يوما الفطام منها؛ هذا الظهور اللافت لسميرة سيطايل وهي تترافع في وسائل الإعلام الفرنسية عن المملكة، بقدر ما أثار الاستغراب لدى البعض بكون مَن يُسمون بـ”المُفرنسين” من بني جلدتنا يصعب أن نراهم ينتقدون فرنسا والسياسة الفرنسية، بقدر ما كرس وزكى التكهنات لأصحاب الحاسة السادسة من المغاربة بأن المرأة القوية في قناة “عين السبع”، هي في الغالب تقدم أوراق اعتمادها لتقلد منصب مهم في الدولة المغربية، ليأتي الجواب الشافي والكافي عن تلك التخمينات بعد أيام قليلة فقط من تلك الخرجات الإعلامية ويعلن القصر الملكي اسم “سيطايل” ضمن لائحة “سفراء جلالة الملك” بعدد من العواصم الكبرى، ولتصدق تقديرات المراقبين بأن مثل هذه الإعلامية المتمرسة والصنديدة هم من يستطيعون الدفاع عن مصالح البلاد في الخارج، بعكس بعض الأسماء التي يتفاجأ بها الرأي العام الوطني، من حين لآخر، والتي تكون إما من “سلالة” هذا الجنرال أو ذاك السياسي و”رجل الدولة”، ويكون الطابع “المجاملاتي” هو المتحكم في تعيينها، وليس مصلحة البلاد والعباد!