في الذكرى السنوية لتأسيس الأمن.. صرخة من صفوف البوليس بتحسين أوضاعهم ووقف نزيف مغادرة الوظيفة
في الوقت الذي تحتفي فيه أسرة الأمن الوطني بالذكرى 67 لتأسيس هذا الجهاز الأمني الوطني، منوهة بمختلف إنجازاتها بما في ذلك تقريب الإدارة الأمنية من المواطنين، عبر تحديث الإدارة وتأهيل وترشيد تدبير العنصر البشري وتحسين وضعيته المالية، ومستحضرة تضحيات رجال ونساء هذا المرفق العمومي الحيوي من أجل راحة وأمن وسلامة المواطنين، فإن ذلك لم يمنع شريحة مهمة من رجال ونساء الإدارة الأمنية من إطلاق صرخة معاناة، محذرة في ذات الوقت من مغبة مواصلة سياسة غض الطرف عن الأوضاع الآخذة في التدهور لدى عديد من منتسبي هذه الإدارة.
الأمر يتعلق بأوضاع لا تسر أحدا، وخاصة المعنيين بالأمر وهم رجال ونساء الإدارة العامة للأمن الوطني، الذين تداولوا في الأيام الأخيرة أخبارا عن لجوء العشرات من عناصر الأمن إلى مغادرة وظيفتهم بصفة نهائية، حيث استغل ما يناهز 160 من رجال الشرطة العاملين بمختلف الولايات والمناطق والدوائر الأمنية، حصولهم على إجازاتهم السنوية، فغادروا التراب الوطني بلا رجعة، بعدما قرروا البقاء بالخارج، في ما يشبه “الحريك” بدلا من أن يستمروا في عملهم في ظل أوضاع غير لائقة، كما قالوا.
مصادر أمنية نقلت إلى جريدة “الناس” الإلكترونية أنها وحدها مدينة الدار البيضاء، وصل عدد رجال الأمن من الرتب الصغيرة الذين غادروا وظيفتهم ما يقارب الأربعين .
وبحسب ذات المصادر فإن هذا الإقبال اللافت على الطلاق مع الوظيفة الأمنية بل ومغادرة أرض الوطن، جعل المديرية العامة للأمن الوطني تصدر مذكرة داخلية لكل ولايات الأمن والمناطق الأمنية، تحدد فيها الشروط الجديدة من أجل الحصول على الإجازة السنوية لقضائها بالخارج.
ومما جاء في المذكرة الداخلية الموجهة لولاة الأمن ورؤساء الأمن الإقليمي والجهوي، تقتبس مصادر الجريدة من المذكرة، “لقد استرعى انتباه هذه المديرية العامة تزايدُ عدد موظفي الأمن الوطني الذين يستغلون استفادتهم من التراخيص الممنوحة لهم، من أجل قضاء إجازتهم السنوية بالخارج، للاستقرار ببلدان المهجر وعدم العودة إلى أرض الوطن، مما يؤثر سلبا على حسن سير المصالح التابعين لها وظيفيا”.
ونقرأ من المذكرة أيضا، وفق اقتباس مصادر جريدة “الناس”، أن ذلك “يفرض بالمقابل على هذه المديرية العامة تحريك مسطرة ترك الوظيفة في حقه، وبالتالي عزلهم من صفوفها عملا بمقتضيات الفصل 75 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية”، ثم تورد “ولذا من أجل التحكم في هذه الحالات التي أصبحت تنحو منحى تصاعديا، فقد أضحى من الضروري مراجعة المسطرة المعتمدة حاليا، لمعالجة طلبات الراغبين في الاستفادة من رخص إدارية لقضائها بالخارج، على نحو يمكن من ضبط هذه المسطرة وتجويدها وتفادي استغلال هذه الرخص من طرف المستفيدين منها لمغادرة التراب الوطني والاستقرار بالخارج بنية مبيتة”.
وتكشف المذكرة أنه “ابتداء من تاريخ هذه المذكرة تقرر الشروع في تطبيق مجموعة من الإجراءات والتدابير، التي يستند تنفيذها لرؤساء المصالح الإدارية تحت الإشراف المباشر للمدراء المركزيين بالنسبة للمصالح التابعة لولاة الأمن ولرؤساء الأمن الإقليمي والجهوي بالنسبة للموظفين التابعين لنفوذهم الترابي”.
ومن هذه الإجراءات تنقل جريدة “الناس” ما يتعلق بالموظف المستفيد من الرخصة، من قبيل ضرورة إرفاق الطلب بتصريح الشرف موقع من طرف الموظف المعفي يلتزم فيه بعدم إفشاء السر المهني؛ وإنجاز محضر التزام للموظف المستفيد يتعهد فيه بالعودة إلى أرض الوطن فور استنفاد أمد إجازته السنوية؛ وعدم تمديدها بشواهد طبية إلا عند الضرورة المثبتة طبيا ولمرة واحدة، عملا بمقتضيات المذكرة المديرية عدد 3396 بتاريخ 27/04/ 2023 المتعلقة بتدبير الرخص لأسباب صحية، كما يشار في نفس المحضر إلى العواقب التي سترتب عن إخلاله بهذه الالتزامات ومنها على الخصوص، عزله من وظيفته بسبب ترك الوظيفة وتسجيل اسمه في السجل التأديبي المركزي، الذي يحرمه من تولي الوظائف العامة، فضلا عن تحريك مسطرة المتابعة القضائية.
وتساءلت مصادر جريدة “الناس” عن الأسباب الحقيقية وراء هذا “الهروب المتزايد والظاهرة المقلقة بين رجال الشرطة؟ وعما إذا كانت هذه الوضعية ترفع إلى المدير العام للمديرية العامة للأمن الوطني عبد اللطيف الحموشي، قبل تجيب ذات المصادر بأن أغلبية رجال الأمن الصغار وذوي الرتب الدنيا غير راضين على الوضع المتردي بل والكارثي لعملهم في الإدارة العامة؛ حيث هناك مخافر شرطة تفتقد للشروط والمرافق الضرورية من مثل مراحيض في المستوى، وغياب مداومة في تنظيف المكاتب، علاوة على ضعف وقلة وانعدام أحيانا الوسائل اللوجستيكية الضرورية للعمل المهني الناجع.
وذكرت ذات المصادر، على سبيل المثال أيضا، كمبررات لجعل منتسبي إدارة الأمن الوطني يفكرون في المغادرة أن مثلا تجد أحيانا شخصين فقط، ضابط أمن ورجل شرطة، يغطون منطقة أمنية شاسعة، وإذا تلقوا اتصالا عاجلا من أجل التدخل الأمني، في أوقات معينة بالليل، يتركون المقر فارغا، وبالتالي لن يبق هناك من يقوم بإنجاز المحاضر الأمنية في حالة ما إذا لجأ مواطنون إلى المرفق لوضع شكايات مفترضة.
كما اشتكت المصادر مما سمته “الظلم والتعسف والعقوبات الإدارية المتتالية، التي يتلقاها الغاضبون من طرف رؤسائهم، بداية من ولاة الأمن ورؤساء الأمن الإقليمي والجهوي وعمداء المناطق والدوائر الأمنية “، زد على ذلك العمل لساعات طوال، في مقابل ضعف التعويضات عند التدخلات الأمنية من أجل القبض على المجرمين والجانحين”.
وأضافت المصادر ذاتها أن هناك دافعا أساسيا يجعل كثيرين من عناصر الأمن يفكرون في مغادرة الإدارة الأمنية، وهي أن أي شرطي معرض للتوقيف أو الاعتقال إذا مات أحد المشتبه بهم أثناء مطاردة أمنية، وهو ما حدث تماما لشرطي الدار البيضاء الذي حكم عليه مؤخرا بثلاث سنوات سجنا نافذا، لأن صاحب الدراجة النارية الذي كان يطارده بعدما توصل بمكالمة عن طريق الراديو من أجل تدخل أمني والقبض عليه، وفي محاولة الهروب اليائسة لهذا المشتبه به سقط في حفرة تابعة للوكالة المكلفة بتدبير الماء والكهرباء، ليُتهم الشرطي بالتسبب في قتله.
وطالبت المصادر ذاتها، في الأخير، من الإدارة وعلى رأسها المدير العام عبد اللطيف الحموشي التدخل العاجل لا الآجل لوقف ما سمته هذا “النزيف” للعنصر البشري، وذلك بتوفير الظروف المادية والمعنوية واللوجيستيكية الملائمة لرجال الشرطة والضباط من أجل تأدية واجبهم في ظروف آمنة ومريحة.
عبدالله توفيق
[…] جريدة “الناس” الإلكترونية قد نشرت في وقت سابق، استنادا إلى مصادر أمنية، أن العشرات من الأمنيين […]