لا شَواءَ هذا العام إلّا شواء المطبخِ الحُكومي!

0

نورالدين اليزيد

دعونا جانبا من صفاقة بنكيران ووقاحته الجديدة (حول المؤسسة العسكرية)، بما أن الأولوية للحَاكمين الجُدد، مع أن وقاحة رئيس الحكومة الأسبق لا توازيها إلا وقاحةُ وزراء الحكومة الحالية، وأولهم كبيرُهم الذي علّمهم التباهي بفاحشة الفساد؛ بالجمع بين الثروة والسلطة، كما علمهم الزبونية والمحسوبية، واستغلال المنصب، واستشراء الفساد في مختلف دواليب الإدارة، بشكل رهيب لم يسبق إليه فسادٌ من قبل في التاريخ السياسي الحديث للمغرب!

نورالدين اليزيد

وتعالوا إلى قول كلمة سواء لا يختلف بشأنها اثنان، ولا يتناطح حولها كَبْشان، بسبب دُخانها المنبعث هذه الأيام بكثافة، من فُرن مطبخ الحكومة، بسبب حرمان أو منع أو إعفاء المغاربة من القيام بشعيرة نحر الأضحية لهذا العام !

صحيح أن قدرنا هذه السنة أنّنا لن نشوي الأكباد، ولن نلتهم ما لذ وطاب من لحوم، وأن وليَّ أمرنا، ملك البلاد، تدخّل بما يخوله له الدستور والشرع، فأعفانا من تكلفة اقتناء الأضحية ونحرها، فقلنا آمين، وتقبلنا القرار الملكي على الرحب، لاسيما أننا مؤمنون بالله وباليوم الآخر، وبقوله جلّ مَن قال؛ “لنْ يُجْزَى لحومُها ولا صوفُها، ولكنْ يُجزى التقوى منكم”؛ وهو ما يفيد أن الله سبحانه وتعالى لا تهمّه لا اللحوم ولا صوف الأنعام، بقدر ما تهمّه تقوى وإيمان عباده الضعفاء. لكن ما لا يجب قولُ “آمين” له ولأجله، وما لا يجب غض الطرف عنه، هو أن الحكومة الحالية، لو كانت حكومة كفاءات حقّاً، كمي يدعي منتسِبوها، وكانت حكومةً راشدةً ورشيدة، لا يسود الفساد داخل بيتها وفي مطبخها وبين أعضائها، وكانت السياسات العمومية السابقة منها والحالية، وخاصة ما يرتبط منها بالسياسة التي تهم القطاع الفلاحي وتربية المواشي، (كانت) ناجعة وحكيمة، لما اضْطرّ رئيس الدولة/الملك أن يتدخل ويستعمل سلطاته الدينية والدنيوية، ليهيب برعاياه بأن لا ينحروا هذه السنة أضاحي العيد للأسباب التي ذكرها بيان القصر الملكي!

القضية ليست فقط قول آمين لقرار ولِيّ أمْرِنا الشرعي، وهو قدرُنا وقضاؤُنا الإلهي الذي لا راد لقضائه، ولكن قبل وبعد قول تلك الـ”آمين”، يجب البحث والتحقيق مع المسؤولين عن حفل “الشواء” هذا المتأجج داخل المطبخ الحكومي، والذي بات ينتشر دخّانُه في الأرجاء والأجواء، ويملؤها روائحَ فساد كريهة تُزكم الأنوف!

بل إن الأنكى والأمَر، هو أنه حتى ولو وجدنا العذر واستعملنا أقصى درجات حسن النية، خاصة بالنسبة للحكومة الحالية، بكونها لم تنجح في رفع عدد القطيع والماشية بالعالم القروي، وبالأحرى فشلت بالحفاظ على الإبقاء على حجم القطيع كما هو، بسبب سنوات الجفاف المتتالية التي ناهزت الست سنوات، إضافة إلى مخلفات وآثار وباء كورونا الذي بسببه ارتفعت أسعارُ الأعلاف ورسومُ استيراد المواشي، فإن تصرفات هذه الحكومة، وطغيان شبهة الفساد في تدبيرها للقطاع، لاسيما في ما يتعلق بدعم مستوردي اللحوم الحمراء، حيث تحدثت تقارير وتصريحات برلمانيين عن أن زمرةً صغيرة محظوظة، مِمن بات المغاربة يطلقون عليهم بسخرية سوداء وصفَ “الفراقشية”، استفادوا من ملايير الدراهم، من أجل تزويد السوق باللحوم، ولكنهم أكلوا الغلة فقط ولعنوا مِلة المال العام وكفروا به واستباحوه، ليُحولوا هذا “المال السايب” (المال غير المراقب) إلى حساباتهم وأرصدتهم، تاركين سوق اللحوم الوطنية تلامس عنان السماء وتنطحها!

بل إن الطامة الكبرى وكبيرةَ الكبائر، وبالأرقام الموثّقة لا بالأقوال المتواترة، وعلى لسان نبيل بنعبدالله، رجل الدولة المعروف والوزير والسفير السابق وأمين عام حزب وطني هو “التقدم والاشتراكية”، قال بعظمة لسانه، إن حكومة عزيز أخنوش، وفق وثائق وزارته في المالية، أغدقت 13 مليار و300 مليون درهم على موردي اللحوم الحمراء منذ سنة 2022 إلى غاية بداية السنة الجارية (2025)، على شكل دعم مباشر أو رسوم غير مستخلصة، مُتّهِما الأغلبية الحكومية بعرقة دعوات المعارضة إلى تشكيل لجنة برلمانية للتقصي والتحقيق في الموضوع، ونافيا في ذات السياق أن يكون المبلغ هو 437 مليون درهم فقط، كما زعمت وزارة الفلاحة، وهو المبلغ -بحسبه- الذي يتعلق فقط بالدعم المباشر، بينما سكتت هذه الوزارة عن ما لم يتم استخلاصه، وهو الذي فضحته زميلتها وزارة المالية التي لم تُكذِّب الرقم الذي أثاره برلمانيون داخل قبة البرلمان (أزيد من 13 مليار درهم)، وفق شهادة بنعبدالله.

ولتعرفوا، أيها المغاربة، حجم الكارثة ومبلغ نزيف المال العام المسكوت عنه، فإنه إذا قارنا المبلغ الذي أورده سياسي من طينة نبيل بنعبدالله، وهو 13 مليار و300 مليون درهم وزعت على بضع عشرات من مُورّدي اللحوم، بما رصدته الحكومة ككُلفة إجمالية للتدابير والإجراءات الجديدة لدعم مربي الماشية (الكسّابة) بكامل التراب الوطني، فإنه يمثل الضّعف؛ أي أن المبلغ الذي سيُوزع على الفلاحين من مربي المواشي بكل التراب الوطني، لا يتعدى النصف تقريبا مِما مُنح وصُرف على مَن باتوا يوصفون لدى الرأي العام بـ”الفراقشية”، أي بالأرقام فإن هناك فقط 6 مليار و200 مليون درهم؛ منها حوالي حوالي 3 مليارات درهم تُخصص للكسّابة (مربي الماشية) بحلول نهاية سنة 2025، عبارة عن تسهيلات وإعفاءات من قروض ومساعدات عينية، وتخصيص 3.2 مليار درهم خلال عام 2026، في إطار استراتيجية جديدة لضمان استدامة القطاع الفلاحي وتحقيق الأمن الغذائي بالمغرب، بحسب ما صدر عن الحكومة في 22 ماي 2025.

القضية إذن ليست فقط قول آمين لقرار ولِيّ أمْرِنا الشرعي، وهو قدرُنا وقضاؤُنا الإلهي الذي لا راد لقضائه، ولكن قبل وبعد قول تلك الـ”آمين”، يجب البحث والتحقيق مع المسؤولين عن حفل “الشواء” هذا المتأجج داخل المطبخ الحكومي، والذي بات ينتشر دخّانُه في الأرجاء والأجواء، ويملؤها روائحَ فساد كريهة تُزكم الأنوف!

لكم التعليق، وكل عام وأنتم والمغرب بخير..

[email protected]

ملحوظة: هذه المقالة نشرها كاتبها بداية في حسابيه على فيسبوك وإكس (X)

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.