مذكرة داخلية مرفوعة إلى الحموشي تحاول الجواب.. لماذا يستقيل البوليس مُرغمين؟   

0

في وثيقة مرفوعة إلى مدير المديرية العامة للأمن الوطني عبداللطيف الحموشي بعنوان “حول العناية بموظفي الأمن الوطني”، ومؤرخة بتاريخ 9 سبتمبر الجاري، كشف مُنجزوها “تواتر حالات الاستقالة من صفوف الأمن الأوطني” الذي استرعى، بحسبهم، انتباه المصالح، مما يستدعي التفكير الجدي في أسباب هذه القرارات وكذا التدابير الكفيلة بإعادة ثقة الموظفين في مؤسستهم وتعزيز الشعور بالانتماء للجهاز الأمني.

وحسب الوثيقة/المذكرة الداخلية التي توصلت جريدة “الناس” الإلكترونية بنسخة منها، والموقعة من طرف والي أمن إقليمي، عقب اجتماع على مستوى نفوذه الترابي ضم كبار الضباط ومسؤولي المصالح، فقد أجمعت مختلف تدخلات الأطر الحاضرة على بعض الأسباب التي قد تكون وراء هذه الاستقالات، خاصة في صفوف شرطة الزي.

ولخص منجزو المذكرة تلك الأسباب في؛ أسباب ذاتية مرتبطة بنفسية الشباب المغربي المعاصر، والذي لم تعد لديه القدرة على تحمل إكراهات المهنة الشرطية والالتزامات التي تفرضها، سواء في ما يتعلق بتوقيت العمل وواجب التحفظ وتحمل الضغوطات الناجمة عن بعض المناسبات، كالأعمال النظامية والتنقلات وغيرها، مقابل الرغبة في الانخراط في أعمال تتميز بالمبادرة الفردية والحرية المطلقة.

وذكرت ذات الوثيقة سببا آخر يؤدي إلى تزايد استقالات عناصر الشرطة، ويتعلق بالسن القانوني للإدماج في الوظيفية الأمنية (وهو 21 سنة فما فوق) الذي يجعل من الشاب المقبل على هذه المهنة شخصا تلقى ما يكفي من التكوين الجامعي، وبالتالي حصوله على شواهد عليا، أقلها الإجازة، مما يجعله غير راض على قيمته الوظيفية (كحارس أمن أو مفتش شرطة)، ويعيق طموحه لبلوغ مناصب عليا نظير الشواهد العليا التي يتوفر عليها .

ويورد المصدر أيضا ما سماه “ضعف مستوى التكوين الأساسي” لدى مجموعة من الموظفين المنتمين للأفواج الأخيرة، خاصة التي تزامنت مع فترة جائحة كورونا، وما فرضته من اعتماد أساليب بديلة أقل صرامة (التكوين الأساسي بالمصالح الخارجية(.

وتحدثت الإدارة الأمنية في وثيقتها، التي ترصد أسباب إقدام موظفيها على تقديم استقالاتهم، عن “مشكل التنقلات المستمرة وظروف الإقامة أثناء هذه المهمات، وكذا طبيعة العمل القائمة على تأمين النقط الثابتة بالنسبة لمجموعات حفظ النظام ومجموعة حماية المواقع الحساسة، والتي تجعل موظف الشرطة يحس بالروتين وعدم المردودية”؛ موردة في نفس السياق “عدم الاستجابة لطلبات الانتقال أو الانتقال بالتبادل في الآجال المعقولة، وجعل هذه العملية سنوية، مما يزيد من إحباط العناصر التي لم يستجب لطلباتها” .

ولم تكتف الوثيقة بإبراز ما رأته بعض الأسباب التي تضطر عناصر الأمن إلى تقديم استقالاتهم، وانبرت في ذات الوثيقة/المذكرة الموجهة إلى المديرية العامة للأمن الوطني، إلى تقديم مجموعة من المقترحات التي من شأنها أن تحد من هذا المشكل، وتساهم بطريقة أو بأخرى في إعادة الثقة تجاه المؤسسة الأمنية، والاعتزاز بالانتماء إليها، وفق أصحاب الوثيقة.

ومن اقتراحات الوثيقة، هناك إعادة النظر في سن التوظيف (في الأمن)، على غرار باقي القوات العمومية، التي تفتح باب الانخراط في صفوفها في سن 18 عاما، أي مباشرة بعد الحصول على شهادة البكالوريا، وتمكين (المنتسب) من تكوين داخلي لمدد معقولة حتى يتشبع بالقيم الوطنية وبالضوابط المهنية.

ودعا المصدر إلى إيلاء أهمية قصوى لمرحلة ما قبل التوظيف لاختيار العناصر المناسبة للمهنة الشرطية، بدءا بجلسات الانتقاء النفسية، مرورا بمرحلة التدريب الأساسي التي يجب أن تشكل مرحلة للتمحيص، عبر إخضاع المتدربين لمختلف التجارب الكفيلة بإبراز مدى قدرتهم على الاندماج، وخاصة على التحمل، قبل مرحلة التخرج.

ثم عرجت الوثيقة على سبب آخر أكثر أهمية ويهم العناية بالجانب الاجتماعي والترفيهي لموظفي الشرطة على غرار بعض القطاعات العمومية، وخاصة ما يتعلق بالتفكير في  مبادرات لتوفير السكن وفتح مراكز استشفائية جهوية مجهزة خاصة بأسرة الأمن الوطني. وفي ذات السياق تطرق المصدر إلى النهوض الدوري بالأوضاع المادية للموظفين عبر تخصيص منح استثنائية، وخاصة في بعض المناسبات، كالدخول المدرسي، والأعياد، والعطلة الصيفية، وذلك حتى تساير الإكراهات الحالية المرتبطة بارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية لدى شرائح واسعة منهم بفعل الاقتطاعات البنكية.

وحثت الوثيقة على الإسراع في الاستجابة لطلبات الانتقال بالتبادل، وكذا للطلبات التي تستوي الشروط الموضوعية، كالتجمع العائلي، والمرض، والتوفر على سكن قار وغيرها. وإعطاء الصلاحية للمسؤولين الولائيين قصد إجراء عمليات انتقال بالتبادل داخل نفوذهم الترابي، على أن يتم وضع مسطرة موحدة وخاصة بهذه العملية.

ثم نوه منجِزو الوثيقة إلى تهيئ قوائم الانتقالات مرتين في السنة عوض الاقتصار على مرة واحدة وهو ما يزيد من إحباط الموظفين غير المستفيدين، وبرمجة دورات تدريبية خاصة بالعناصر التي ترقت لدرجة ضابط شرطة وضابط أمن، لتمكينها من المعارف القانونية والمهنية، ولإشعارها نفسيا بانتقالها إلى صف الأطر الأمنية، تحفيزا لها على الاندماج في أسلاكها الجديدة، وكذا لتحسيسها بالانتقال من مرحلة إلى أخرى أعلى .

وخلصت المذكرة الصادرة عن إحدى ولايات الأمن بالمملكة إلى التذكير بأنها ستعمل على مواكبة الحالة النفسية والاجتماعية لجميع الموظفين العاملين به، وكذا العمل على تهييء كافة الظروف الملائمة لأداء المهام في جو مهني يطبعه الاحترام بما يعزز شعورهم بالفخر للانتماء لهذا الجهاز.

وكانت جريدة “الناس” تطرقت في أكثر  من ورقة، منها مقالة رأي، ومقالة إخبارية، قبل أسابيع قليلة فقط، و بمناسبة الذكرى 67 لتأسيس  جهاز الأمن، إلى أوضاع رجال ونساء الأمن، استنادا إلى تصريحات مصادر أمنية أماطت اللثام عن الأوضاع الصعبة لشريحة مهمة من المنتسبين والمنتسبات للإدارة الأمنية، في ما يشبه صرخة معاناة، حيث يضطر العديد منهم غلى مغادرة الوظيفة وأحيانا عن طريق “لحريك” مستغلين قضاء عطلهم السنوية بالخارج، محذرة في ذات الوقت من مغبة مواصلة سياسة غض الطرف عن الأوضاع الآخذة في التدهور لدى عديد من موظفي هذه الإدارة.

الناس/عبدالله توفيق

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.