موريتانيا تمُد يدَها أخيرا للمغرب ولو كرهت الجزائر!
نورالدين اليزيد
يبدو أن حاكم بلاد شنقيط (موريتانيا) اقتنع أخيرا -ولو متأخرا- بأن العلاقات مع المغرب هي الأجدر والأصح والمعقولة، بدل الارتماء في أحضان نظام عسكري أرعن ومرتعد يقود بلادا قارة على طريقة عصابات المافيا !

الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، وعلى جناح السرعة، وبدون إعلان مسبق، طار يوم أمس الخميس من نواكشوط إلى الرباط، ونشرت الوكالة الرسمية لبلاده بأن “زيارة خاصة” حرّكت ولد الغزواني، قبل أن تبدأ الألسن في لوك أن الأمر يتعلق بعيادة أحد أفراد أسرة الرئيس الموريتاني الذي (التي) يعالج بالمغرب، بينما الحقيقة الساطعة اليوم هي أكثر من زيارة عائلية، بل هي زيارة لتأسيس لمرحلة جديدة ما بين البلدين الشقيقين، بعد حدوث وقائع جيو-استراتيجية حاسمة ومؤثرة عرفتها المنطقة، وأخرى وقائع عاصفية انطلقت من سوريا مؤخرا ويتردد صداها كثيرا في المنطقة المغاربية !!
اليوم وقد فتح القصر الملكي أبوابه لحاكم شنقيط، ونادرا ما يفعل ملوك المغرب مثل هذا، لأن مثل هذه الاستقبالات تتطلب بروتوكولا خاصا وصارما جدا، وقد يمتد لشهور وحتى سنوات، فلأن الجالس على عرش المملكة المغربية، اقتنع هو الآخر بأن حكام شنقيط اقتنعوا بأن يصطفوا إلى جانب المملكة بوضوح، وبعيدا عن اللون الرمادي الذي لطالما ميز موقع الساسة في نواكشوط.
ساسة نواكشوط كانوا مقتنعين بأن المغرب بات قوة إقليمية مشهودا لها حتى من طرف القوى الغربية، وذلك نتيجة سنوات من الدبلوماسية المغربية الناجعة التي أسّس لها ملك البلاد على المستوى الإفريقي، منذ نحو عقد من الزمان، والقائمة على مبدئي رابح-رابح والتعاون جنوب-جنوب، التي كان من أبرز ثمارها عودة المملكة إلى مقعدها الإفريقي الشاغر صيف 2016، ثم اختراق جدارات سميكة مع دول إفريقية ظلت تعتبر من حلفاء خصوم المغرب. لتنضج الثمار أكثر بسحب اعترافات عديد من الدول الإفريقية بجمهورية الوهم، التي يرعاها ويحيى من أجلها النظام الجزائري، لتصبح الثمار أكثر نضجا بإقدام عدد من الدول الإفريقية على فتح تمثيليات قنصلية تابعة لها بمدننا الجنوبية الصحراوية !!
موريتانيا كانت على علم بكل هذا وغيره، ولكن التوجس من إثارة حفيظة النظام العسكري الجزائري الذي يؤسس علاقاته على الابتزاز والرشوة، تارة، وعلى التهديد (علنا وبِوَرقة الإرهاب)، جعلها (موريتانيا) في موقف الراغب المُتمنّع في التقدم أكثر خطوات في علاقاته مع الرباط، وهو ما جعل نواكشوط لا ترفض كل مبادرات المغرب بل وتقبلُها -ولو بصمْت الراضي- ولكنها في نفس الوقت لا تستطيع الانخراط في تلك المبادرات مباشرة، بما فيها آخر مبادرة ملكية والمتعلقة بتمكين دول الساحل من ولوج المحيط الأطلسي، وهي المبادرة التي رحب بها كثيرا الغرب وأولهم الولايات المتحدة الأمريكية، عدا عن مشروع أنبوب الغاز الطموح المغرب-نيجيريا!
اليوم وقد فتح القصر الملكي أبوابه لحاكم شنقيط، ونادرا ما يفعل ملوك المغرب مثل هذا، لأن مثل هذه الاستقبالات تتطلب بروتوكولا خاصا وصارما جدا، وقد يمتد لشهور وحتى سنوات، فلأن الجالس على عرش المملكة المغربية، اقتنع هو الآخر بأن حكام شنقيط اقتنعوا بأن يصطفوا إلى جانب المملكة بوضوح، وبعيدا عن اللون الرمادي الذي لطالما ميز موقع الساسة في نواكشوط.
القصر الملكي أماط اليوم اللثام عن طبيعة زيارة ولد الغزواني، الذي ربما أرادها “خاصة وسرية”، ولكن الملك أرادها علنية ليعرف الجميع، بمن في هذا الجميع وبالخصوص النظام الجزائري، وأكد بيان القصر بأن العاهل المغربي استقبل بالقصر الملكي بالدار البيضاء، محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ويندرج اللقاء “في إطار علاقات الثقة والتعاون القوية بين البلدين وأواصر الأخوة الصادقة بين الشعبين الشقيقين”.
ثم يكشف القصر الملكي عن جوهر وفحوى زيارة رئيس موريتانيا للمغرب، حيث يؤكد بلاغ القصر الملكي أنه في “هذا اللقاء، ثمّن قائدا البلدين التطور الإيجابي الذي تعرفه الشراكة المغربية – الموريتانية في جميع المجالات. كما أكدا حرصهما على تطوير مشاريع استراتيجية للربط بين البلدين الجارين، وكذا تنسيق مساهمتهما في إطار المبادرات الملكية بإفريقيا، خاصة أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي، ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي”.
إذن الموقف الرمادي لموريتانيا بات أكثر وضوحا اليوم، وهو الموقف الذي يبدو أن الموريتانيين كانوا هم الأجدر بإبدائه للجميع، ولو على مضض، خاصة في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، ومنها انهيار المحور الإيراني السوري الممتد حتى الجزائر، والذي يجعل النظام السياسي للأخيرة في موقف الأضعف بل المُهدَّد مِن أي وقت مضى؛ ولاسيما أيضا في ظل قدرة المغرب -ليس على المناورة- ولكن على إيجاد البدائل لترجمة مبادراته الإفريقية على أرض الواقع. ولا أدل على ذلك من أن المناورات التي دشنتها موريتانيا، منذ شهور، بفرض رسوم جمركية هي أقرب إلى “إتاوات” فاحشة ومبالغ فيها على مهنيي نقل البضائع المغاربة، الذين يعْبُرون موريتانيا في اتجاه دول الساحل والغرب الإفريقي، استطاع المغرب أن يجهضها وينسفها نسفا، بعدما أنشأ قبل نحو أسبوع فقط خطًّا تجاريا طموحا يربط أكادير الغنية بالمواد الفلاحية، من خضر وفواكه، بالعاصمة السنغالية دكار، وهي الطريق التي صدمت الموريتانيين، فجعلتهم يعضون على النواجذ، سواء لِسُوء تقديرهم للإجراءات التي اتخذوها ضد الشاحنات المغربية، أو ندما على المبالغة في إرضاء جارهم العاق الجزائر، الذي يقود بلاده إلى الهاوية ويفرض بالموازاة على الدول الشقيقة الجارة تبني نفس السياسة الرعناء والحمقاء!
أخيرا فإن حميمية اللقاء بين العاهل المغربي والرئيس الموريتاني وحرارته، كما يبدو من الصور، تكشف عن أمور كثيرة تتعدى كون الأمر يتعلق فقط بتطوير الشراكة بين البلدين، إلى أن تكون المسألة تتعلق بعودة دِفء عائلي ظل مفقودا لسبب أو لآخر بين شقيقين !!
ملحوظة: هذه المقالة نشرها الكاتب بداية على حسابيه في فيسبوك و(إكس).