نورالدين اليزيد
الوَمْضة الأولى..
في ظل تزايد التنديد الدولي بما جرى في الحدود الوهمية مع مليلية المحتلة، يوم الجمعة 24 يونيو 2022، نأمل أن تعالج السلطات الموضوع بما يستحق من مسؤولية، وفي حال ثبوت أي تقصير أو تقاعس عن أداء الواجب الوظيفي فلا بد من محاسبة المسؤولين عن ما يمكن وصفه أنه الإخفاق الكبير ذاك الذي جرى يوم الجمعة الماضي وأزهق أرواحا كثيرة..
مأساة الهجرة غير الشرعية التي وقعت يوم الجمعة ما بين الناظور ومليلية المحتلة، والتي فارق على إثرها ما لا يقل عن 23 مرشحا للهجرة بسبب التدافع والاحتكاك مع قوات حفظ الأمن، بقدر ما تجعلنا نقدر عاليا دور وعمل عناصر الأمن في التصدي للمئات من المغامرين للهجرة غير الشرعية غالبيتهم (أو كلهم) من جنوب الصحراء، بقدر ما تجعلنا نطرح الأسئلة المشروعة الحارقة التالية:
-أين هي أعين المخابرات المغربية التي يؤكد مسؤولوها أنها أعين المغرب التي لا تنام، بينما كان المرشحون للهجرة غير الشرعية يتكتلون ويرصُّون صفوفهم في مناطق النفوذ المغربية بإقليم الناظور، إلى أن تعدوا رقم الـ 400 إنسان، ثم أعلنوا ساعة الصفر للزحف الكبير في اتجاه الحدود الوهمية مع مليلية المحتلة اسبانيا؟
-أين هم أعوان السلطة من “المُقدمين” و”الشيوخ” وموظفي السلطات المحلية والإقليمية الذين يحسبون أنفاس المواطنين، ويتلصصون عن كل ضيف وغريب داخلٍ لهذا الحي أو الحومة أو خارجٍ منه، ويُوصلون الخبر طازجا إلى القائد أو الباشا؟
-أين القواد والباشوات وعمال الإقليم الذين يضعون الرقابة الأمنية، كما هو معروف عن أجهزة وزارة الداخلية، على رأس أجندة عملهم بمختلف العمالات والأقاليم، في حين لم يرصدوا هذا الاختراق الأمني الخطير في نفوذهم الترابي؟
-أليس هذا الزخم الهائل من المهاجرين غير الشرعيين يعتبر فشلا ذريعا لوزارة الداخلية ولأجهزة الاستخبارات، يستحق على إثره المسؤولون المحاسبة، بعيدا عن الاحتفاء المبالغ فيه، الذي يتردد صداه على كل وسائل الإعلام بمناسبة أو حتى غير مناسبة؟
اليوم وأنظار العالم تتوجه إلينا، والمجتمع الدولي يعقد عبر آليته الأممية مجلس الأمن الدولي، اجتماعا طارئا مغلقا، للتداول في طريقة التعامل تلك مع المهاجرين السريين، وكذلك الأوروبيون يريدون توضيحات من الرباط، والأشقاء الأفارقة كذلك، لا ينبغي أن نتقوقع عن أنفسنا ونرفع شعار “المظلومية” والحاجة الملحة لاستعمال العنف القانوني وحتى المفرط لمواجهة الخطر الذي كان محذقا برجال إنفاذ القانون، ولكن يجب علينا الإقرار بالمسؤوليات عن بعض التجاوزات التي حدثت ووثقتها الهواتف المتنقلة، حتى يواصل المجتمع الدولي، والجيران الأوروبيون، والأشقاء الأفارقة، يضعون لنا ذاك الاعتبار وتلك الصورة المثلى في التعامل مع ملف الهجرة والمهاجرين، وحتى لا تخدش هذه الصورة
-أليس هذه السقطة “الأمنية” تذكرنا بسقطة أخرى حدثت قبل سنوات في صحرائنا المغربية عندما تسلل، في غفلة من السلطات والاستخبارات، مئات الأشخاص إلى ضواحي مدينة العيون وبنوا مخيما تحول لاحقا إلى معسكر انطلقت منه حرب طاحنة مع قوات الأمن، وإلى تمرد تأكد أنه كان بدافع وتحريض من مخابرات النظام الجزائري وعصابة البوليساريو، وذهب ضحيته أبرياء من موظفي قوات الأمن؟
-ثم من صور تلك المشاهد القاسية للمموقوفين وهم إما متكدسين بعضهم فوق بعض وقد قيدت أيديهم خلف ظهورهم، أو يخضعون لحفل سلخ وتعذيب بالضرب؟ ألا يعتبر هذا اختراقا للأمن من طرف أجهزة استخباراتية أجنبية تريد الإساءة للمغرب، أم أنها مجرد رعونة موظفين؟
-أليس من حقنا كمواطنين وضع أيدينا على قلوبنا ونحن نشاهد هذه الجحافل من الأجانب تشكل “ألوية” وحتى “ميليشيات” مسلحة بكل ما أوتيت من عِصي وأسلحة بيضاء، بين ظُهرانينا وفي أحراشنا وغاباتنا، قبل أن تزحف إلى الحدود الوهمية، فترسل إشارات سلبية لخصوم الوطن، ليتهمونا بـ”التواطؤ” على كل هذا الإخفاق؟
آن الأوان لتجاوز الاحتفاءات الصاخبة والمهرجاناتية لتمجيد موظفي الأمن والسلطات، بينما لا يقومون إلا بما يجب القيام به من وظيفة، هي من صميم عملهم ومهنتهم ومسؤولياتهم، ويتقاضون عليها أجورا كل شهر وتعويضات ومزايا كثيرة؟؟
الومضة الثانية..
بغض النظر عن الأيادي الآثمة الخفية، المحلية والأجنبية، التي وصفتها الحكومة الاسبانية بـ”المافيا”، التي خططت ونفذت مأساة الحدود الوهمية بين الناظور ومليلية، فإنه يجب علينا أن نصدح بها جميعا وتكون لنا الشجاعة والجرأة على قولها.. كان هناك قصور من السلطات المحلية والإقليمية والأجهزة الأمنية، غيب لدى موظفي وأعوان وزارة الداخلية والأمن تلك الآلية الاستباقية والحاسة السادسة اللازمة، للتعامل مع مثل هذه الأحداث الأمنية الداهمة.. وكانت هناك رعونة من قبل بعض أعوان وعناصر الأمن جعلت بعضهم في خضم هول الاجتياح والتمرد للمهاجرين السريين يبالغون في استعمال العنف ضدهم، وهو ما كان سهلا التقاطه -للأسف- بكاميرات بعض زملائهم من العناصر الأمنية والأعوان بعدسات موبيلاتهم..
اليوم وأنظار العالم تتوجه إلينا، والمجتمع الدولي يعقد عبر آليته الأممية مجلس الأمن الدولي، اجتماعا طارئا مغلقا، للتداول في طريقة التعامل تلك مع المهاجرين السريين، وكذلك الأوروبيون يريدون توضيحات من الرباط، والأشقاء الأفارقة كذلك، لا ينبغي أن نتقوقع عن أنفسنا ونرفع شعار “المظلومية” والحاجة الملحة لاستعمال العنف القانوني وحتى المفرط لمواجهة الخطر الذي كان محذقا برجال إنفاذ القانون، ولكن يجب علينا الإقرار بالمسؤوليات عن بعض التجاوزات التي حدثت ووثقتها الهواتف المتنقلة، حتى يواصل المجتمع الدولي، والجيران الأوروبيون، والأشقاء الأفارقة، يضعون لنا ذاك الاعتبار وتلك الصورة المثلى في التعامل مع ملف الهجرة والمهاجرين، وحتى لا تخدش هذه الصورة، في ظل وجود خصم بل “عدو” يتربص بنا، ويحفر لنا الحفر بليل وبسبق إصرار وترصد، حتى نقع وحتى تختل مكانتنا الاعتبارية التي يفتقد إليها هذا العدو المتواطئ حتى مع الشيطان للإيقاع بنا..
أن نتحلى بالشجاعة والجرأة والإقرار بالمسؤولية عن بعض الهفوات في التعامل بالمهنية المطلوبة، أفضل من أن ندس رأسنا في الرمال كالنعامة ونوجه كل اللوم إلى عنف المهاجرين ودسائس المُغرضين، فوحده الاعتراف بالنقائص يجنب مثل هذه الكبوات مستقبلا، ويكسبنا احترام الآخرين…
الومْضة الثالثة..
هل هناك مسؤولية للسلطات المغربية في ما حصل يوم الجمعة ذاك، على الحدود الوهمية في مليلية؟
لا يمكن إنكار ذلك جملة وتفصيلا، على الأقل بالنظر إلى ما حملته الصور والفديوهات المنتشرة بشكل واسع من أفعال لا يمكن تصنيفها إلا في خانة التجاوزات..
الأخطاء شيء وارد في مثل هاته الحالات حتى في أعرق الديمقراطيات الغربية، ولا نعدم نماذج على ذلك، وقد تُرتكب خاصة في ظل تسلح المهاجرين المهاجِمِين، وهو ما جعلهم يهددون حياة عناصر الأمن، بل وأقدم البعض منهم على احتجاز أمنيين كرهائن، وهو ما قد يجعل عنصر الأمن في حالة دفاع عن نفس تضمنه له كل قوانين السماوات والأرض.. ولكن النقط السوداء الداكن لونها هي تلك المتجلية في التعنيف ضد مهاجرين مقيدين وملقى بهم بشكل لا يحفظ آدمية بني آدم.. هنا ينبغي الاعتراف بتجاوزات بعض العناصر، وضرورة إخضاعهم للمساءلة وللإجراءات التأديبية اللازمة..
باقي الحكاية يجب التحلي بكثير من التأني ورجاحة العقل لمواجهة تفاصيلها وذلك ب:
-أولا ينبغي التواصل بكثافة مع الأشقاء الأفارقة لتقريبهم من وقائع الواقعة، وإذا لم يقتنع البعض منهم، وهذا أمر جد وارد، فلا بأس من الاعتذار لهم عن الاستعمال المفرط للقوة الذي حصل، وليشفع للسلطات المغربية حالة الخطر الداهم التي وُجدت عليها عناصرها الأمنية..
-ثانيا لا بد من التحرك بقوة وبكثافة على الصعيد العربي لاستصدار بيانات دعم من الأشقاء؛ فالأمر في الأول والأخير يتعلق بتهديد للسيادة الوطنية، وغالبية أشقائنا العرب، وخاصة الخليجيين منهم لا يترددون في دعمنا بهذا الخصوص..
الومضة الرابعة..
ولأننا نمر بشهر عسل في علاقتنا باسبانيا وإلا لكنا اتُّهِمنا بالتواطؤ بغض الطرف عن ما حدث يوم الجمعة بإقليم الناظور في السياج مع مليلية المحتلة، فإننا نقولها ونكررها أين كانت أعين المخابرات المغربية والسلطات المحلية وأعينهما وآذانهما ومخبروهما عندما كان هؤلاء المهاجرون غير الشرعيين يحتشدون في الغابات ويرصون صفوفهم قبل الإعلان عن ساعة الصفر والزحف للاقتحام؟
هذا ما نريد جوابا عنه.. و #خليونا_ساكتين
https://www.facebook.com/nourelyazid
ملحوظة: هذه الومضات نشرها كاتبها على شكل تدوينات على حسابه في فيسبوك