الآلة الإعلامية الاسبانية واستغلال صور إنسانية من أجل البروباغندا

0

بينما ما تزال الأزمة الدبلوماسية بين المغرب واسبانيا تراوح مكانها، وسط اتهامات متبادلة بين كل من مدريد والرباط، حول الجهة التي فجرة الأزمة، بداية من استضافة اسبانيا لزعيم البوليساريو بأوراق ثبوتية مزورة، ثم نهاية بزحف ونزوح آلاف المغاربة نحو سبتة المحتلة، واتهام الجانب المغربي بالتغاضي أو التساهل مع النازحين، ستبقى صور إنسانية طبعت الأزمة عالقة في أذهان الرأي العام ليس الاسباني والمغربي فحسب، ولكن حتى العالمي.

رضيعة عمرها أيام فقط..

الصورة التي هزت المشاعر الإنسانية، وأثارت دهشة غير مسبوقة، وأثير حولها لغطٌ كثير في بداية نشرها، الذي كان على نطاق واسع، حول مدى صحتها، وما إن كانت تتعلق بالمهاجرين المغاربة في عرض المتوسط أم بمنطقة أخرى من العالم، وشهدت انتشارا واسعا، تبين في وقت لاحق أنها صورة حقيقية، وتعود لرضيع مغربي يبلغ من العمر شهرين فقط، وأنقذه غطاس من الحرس المدني الإسباني.

صورة الرضيع وهو ينقذه عنصر من الوقاية المدنية الاسبانية وهي الصورة التي انتشرت على نطاق واسع وأثارت الكثير من الجدل

وتُظهر الصورة التي عرضها حساب الحرس المدني على تويتر غواصًا تابعًا للمجموعة الخاصة بالأنشطة تحت الماء، وهو ينقذ رضيعًا من البحر بالقرب من سبتة المحتلة يوم الثلاثاء الماضي، وذلك خلال تدفق المهاجرين إلى شاطئ تاراخال.

وبحسب المعطيات فقد أنقذ الغطاس، خوان فرانسيسكو، وهو غواص من الحرس الإسباني، طفلاً رضيعاً بعمر شهرين من الغرق، خلال الأحداث التي جرت منذ بداية الأسبوع الجاري.

وتحدث الغواص الذي عمل عسكريا في السابق، والبالغ من العمر 41 عامًا، للعديد من وسائل الإعلام الإسبانية عن الساعات من العمل والجهد في الماء، محاولًا إنقاذ أولئك الذين يمكن أن يكونوا على قيد الحياة.

وأكد ضابط الحرس المدني، بمدينة سبتة المحتلة، في تصريحاته أن إنقاذه الرضيع حصل يوم الثلاثاء، حيث كان الرضيع برفقة والدته ضمن المهاجرين السريين الذين التحقوا بالمدينة.

ويضيف الضابط أنه رأى أولاً أمّا تحاول السباحة وتصارع خوفا من أن يجرفها التيار، مبرزا أنه “بدون تفكير، ذهبت بسرعة لرؤية هذه الأم”، وتابع “عندما اقتربت، اعتقدت أنها كانت تحمل حقيبة ظهر، لكن سرعان ما أدركت أنها تحمل رضيعا معها”.

وأخذ الضابط الرضيع وعاد إلى الساحل بأسرع ما يمكن، وقال “كان الطفل باردا. لم يتحرك عندما أخذته، ولم أكن أعرف ما إذا كان على قيد الحياة أم لا”.

وظل الضابط المسمى خوان فرانسيسكو، في الماء لمدة 20 ساعة تقريبًا في محاولة لإنقاذ مئات الآخرين الذين جاءوا للالتحاق إلى سبتة المحتلة.

وانتقدت بعض المنابر المغربية، في بداية انتشار الصورة المثيرة، ما سمته “عدم مهنية” وسائل الإعلام الإسبانية، واتهتها بنشرها صورة مزيفة لطفل رضيع لا علاقة لها بأحداث سبتة الأخيرة.

وقبل أن تجد الصورة طريقها إلى وسائل الإعلام الإسبانية، كان قد تم نشرها يوم 18 ماي من قبل الحرس المدني الاسباني، في معرض إشادته بشجاعة أحد عناصره، في تدخل لإغاثة “عشرات القاصرين الذين وصلوا إلى البحر رفقة عائلاتهم”.

وفي وقت لاحق قامت بعض وسائل الإعلام الإسبانية بإجراء مقابلة مع رجل الإنقاذ الذي تدخل لإنقاذ الرضيع، من أجل رواية ما حدث، وقال المعني بالأمر الذي وُصِف بالبطل ويدعى خوان فرانسيسكو، وهو عضو المجموعة الخاصة للأنشطة تحت الماء التابعة للحرس المدني (GEAS)، ويشتغل حاليا في سبتة، إنه شارك في عمليات الإنقاذ في البحر لمساعدة أولئك الذين عبروا الحدود وتجاوزوا حاجز الأمواج في تاراخال، مؤكدا إنقاذه للطفل من ظهر والدته التي كانت من بين النازحين بحرا إلى سبتة.

جنود اسبان يرمون مغاربة في عرض البحر..

انتشر خلال الأيام القليلة الماضية مقطع فيديو صادم، وثقته وسائل إعلام إسبانية ويظهر قيام جنود إسبان بإلقاء مهاجرين في البحر، وذلك على خلفية الهجرة الجماعية التي نفذها مهاجرون أغلبيتهم مغاربة سباحة، وعلى متن قوارب مطاطية من مدينة الفنيدق في اتجاه سبتة المحتلة.

وبعد التشكيك في صحة المقطع، ردت صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية،  بحقيقة الفيديو، وذلك عبر عمودها المخصص لتمحيص الأخبار، والذي أجابت فيه عن تساؤلات قرائها حول صحة هذا الفيديو الصادم.

وجاء في عمود “ليبيراسيون”، “لقد طلبتم منا تحري حقيقة صور تظهر رجالا يرتدون الزي العسكري، وهم يدفعون بواسطة هراوات رجالا ينتهي بهم الأمر بالقفز في الماء”، كاشفة أن “الأمر يتعلق بمقطع فيديو قامت بتصويره وسيلة الإعلام المحلية “إلفارو دي سيوتا”، مسجلة أنه “مقتطف من ربورتاج جرى بثه يوم 18 ماي 2021”.

وأضافت الصحيفة، أن “الصور هي بالفعل حديثة وتظهر تدخل الجيش وعناصر الوقاية المدنية الإسبانية”. مؤكدة أن “تمحيص الأخبار أتاح بسهولة تحديد مكان تصوير هذا المقطع، بما أن الأمر يتعلق بشاطئ تاراخال”.

ويبدو أن الآلة الإعلامية الاسبانية تعمدت عدم نشر الفيديو على نطاق أوسع، على عكس صورة الرضيع وهو ينقذه عنصر الحرس المدني، ما يعني وجود عنصر القصد وسبق الإصرار في عمل وسائل الإعلام، حين أجمعت على بث صورة الرضيع بكثافة وتجاهُل مقطع الفيديو الصادم، بهدف تلميع صورة اسبانيا وتشويه صورة المغرب.

مهاجر سري من جنوب الصحراء وهو في حضن امرأة من الصليب الأحمر الاسباني وجدت نفسها تحضنه من شدة صدمته وانهياره بعدما نجا من عباب البحر

مهاجر من جنوب الصحراء في حُضن مُسعفة !

تبقى صورة المتطوعة الاسبانية التي تعانق الشاب المنحدر من جنوب الصحراء، والذي بدا محطما وخارت قواه، هي الأخرى من الصور الأكثر إثارة للمشاعر الإنسانية، لكن وبعكس مقطع الفيديو، فقد أصر الإعلام الاسباني على نشر هذه الصورة هي الأخرى، على نطاق واسع، لاستغلالها بشكل مفضوح، وإظهار الجانب الإنساني الاسباني وإبرازه، على حساب باقي الجوانب الأخرى التي أبان عنها سواء بعض عناصر الأمن أو الجيش الاسبانيين، وذلك وفق شهادات مغاربة تم إرجاعهم على الوطن، الذين أكدوا غطرسة وتجرد بعض هؤلاء من الإنسانية، عندما لم يترددوا في استعمال العنف والإهانة اللفظية إزاء النازحين.

إدريس بادا

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.